رأس مملوء حكايات مقتطفات حياتية أحمد طايل

شارك مع أصدقائك

Loading

رأس مملوء حكايات
مقتطفات حياتية
أحمد طايل

….وفاء نادر…..
===============
طرق رجل البريد بابنا، أعطاني مظروفا، تناولته وأنا اتمتم
* من الذى يراسلنى..فأنا فى هذا الوقت شحيح العلاقات اوبالأدق لم أتجاوز حدود القرية وبعض أصدقاء الدراسة.
حياتى منحصرة بين القراءة بنهم، كان يمكننى القراءة لساعات طويلة دون إنقطاع تمكننى من قراءة كتاب كاملا.،هذه كانت أيامى بين العمل وبين القراءة لاثالث شريكا لهم، المهم تناولت المظروف جلست وفتحته وجدته دعوة لأداء إختبار وظيفة ببنك كنت تقدمت لها من حوالى سنه وربما أكتر حتى إننى نسيت الأمر تماما، طرت فرحا وهرولت مسرعا إلى أخ لى يعمل بذات البنك ولم يكن يعلم أنى تقدمت لهذه الوظيفة، عاتبنى على عدم إخباره وقال أنه سيصحبنى اثناء اداء الإختبار المحدد بثلاثة أيام، كل يوم يوافق يوم جمعه، باليوم الأول فوجئت بالعدد الكبير المتقدم لوظائف البنك، علمت فيما بعد أن العدد يقارب الالف والبنك لا يحتاج نظرا لحداثة نشأته إلا بحدود ربع عدد المتقدمين لهذه الإختبارات، كل يوم كان يتم على الطريقة الأمريكية السؤالوأكثر من إجابة للإختيار ببنها وبكل.مناحى المعرفة سياسة وإقتصاد وعلم.نفس وإجتماع وعلم الإدارة ومعلومات عامة، ولساعات طويلة، للمرة الأولى أيقنت أن عشقى للقراءة أفادنى بشكل كبير، إنتهيت من يومين من الإختبارات وبقى يوم.وحيد مع يقين ترسخ بداخلى أن الأمر يحتاج إلى توصية من أحد الشخصيات ذات الحيثية، أسرعت إلى مكتب أبى، أعرف عنه أنه كان وثيق الصلة بالكثيرين من وجهاء المجتمع وأصحاب الشأن، وكم رأيت من بطاقات التعريف تؤكد هذه العلاقات وعمقها، فتحت الدرج وأخذت أقلب بمجموعة البطاقات الموجودة رغم وفاته قبل أربعة عشر عاما، وجدت بطاقات من الزعيم الخالد( جمال عبد الناصر) ما بها يدل على وجود صداقة قوية، كل بطاقة معنونة منه، عزيرى الحاج (سيد) ، عثرت على ما أبغيه، وضعته داخل جيب القميص الذى إنتويت إرتداؤة، أجزم أنى يومها لم أنم، خرجت مهرولا للحاق بقطار السادسة والربع الذى يصل إلى مدينتى بعدها بما يقرب من ثلث الساعة إن سار بسيرة الطبيعى، أخذت بعدها قطار القاهرة، إنتهيت من الإختبار، ركبت أتوبيس يقترب بى من مكان العنوان المدون ببطاقة التعريف،.5شارع الحكماء منشية البكرى، مصر الجديدة القاهرة،وصلت للعنوان بحدود الرابعة عصرا، إقتربت من البواب الجالس أمام المبنى بهيئتة التى نراها كثيرا بالأفلام القديمة والحقيقة أن هذه الهيئة تناسب هذا الحى شديد الهدوء، سألته عن الشقة التى يسكنها الباشا، أجابني وأخذت اصعد درج السلم شديد التعلثم الحركى، أصعد درجة واهبط درجتان وأنا اتصبب عرقا.فكرت بالعودة بسبب فكرة تروادنى أنه ربما لا يتذكر علاقته بأبى أو ربما لا يتذكر أبى من الأساس، وصلت إلى الدور الرابع، وقفت ألتقط أنفاسي ولهاثى وأخفف من عرقى، ضغطت على زر الجرس، بعد دقيقتان فتح الباب عن سيدة ترتدى زيا انيقا محتشم وعلى رأسها شئ سبق وأن شاهدته بالأفلام يشير إلى أنها مديرة المنزل، سألتها.
= الباشا موجود؟.
= نقول له من؟
الإجابة التى جاءت عفوية.
= اخبرية أنى من أبناء عزبته وأرجو لقاؤة..
= لحظات.
قالتها ولم تنتظر ردا، صفقت الباب بهدوء وإزدادت دقات قلبى وزادت مساحات تصبب العرق، إستمر وقوفى لدقائق فتح الباب عن رجل فارع الطول. ضخم البنيان، يرتدى زيا جميلا بحزام أحمر قانى، وطربوش فوق رأسه شديد الأناقة فهمت أنه السفرجى، أشار إلى بالدخول، دخلت إلى حجرة شديدة الإتساع بها أكتر من صالون بطرازات مختلفة ولكنها متناسقة الألوان، جلست غصت تماما بالمقعد، جلست وحيدا والخوف ينهشنى تماما، عاد إلى السفرجى ليسألنى عن ماذا أشرب؟، طلبت شايا أتى به مسرعا وكأنه سابق التجهيز، مر وقت وانا أنتظر قلقا،ودخل رجل باسق القامة ممتلئ الجسد يناهز أو تجاوز السبعين من العمر، ولكن إمارات الصحة واضحة تماما جلس قبالتى تأملنى قليلا ثم سألنى.
= خيرا يا إبنى.
بالكاد خرجت الكلمات من فمى.
=أنا (أحمد إبن الحاج السيد طايل).
ما إن إنتهيت من الحرف الأخير إلا وجدته ينتفض من مجلسه ويجذبنى بقوه من ذراعى ويدخلنى بين أحضانه، بل تلاشيت داخله وأنا حينها كنت شديد النحول، وأخذت دموعة فى الهطول من عيناه، بل وصل الأمر إلى حالة النشيج، بعد دقائق أطلق سراحى، أجلسنى مجاورا له بل لصيقا به واضعا يده على كتفى، شديد التأمل بى، قال.
= غير ممكن يا الله أبيك كان رجل لا أظن أنى عرفت مثله ولكن أنت نحيف جدا عنه ولونك داكن بعض الشئ عن لونه.
هذا التباسط أطلق عنان حريتى، فبادلته الرد مزيحا الخوف والحواجز لحد ما.
=يا باشا ربما لأنه أنجبنى بعمر متأخر.
تبسم سألنى.
= خيرااؤمر؟.
أخبرته بحاجتى لتوصية حتى اعمل بالبنك.
= من رئيس مجلس الإدارة..
= محافظ البنك (دكتور محمد فؤاد الصراف).
كنت قد عرفت الإسم من أخى.
ضرب كفا بكف بهدوء وتهللت أساريرة.
= جميل، هو كان وكيل وزارة التخطيط بعهد (عبدالناصر) ولى به علاقة ود متبادل حمدا لله ولكن.
عندما لفظ بلكن هذه أصابتنى رعشة داخلية، هل خاب الامل؟ أكمل.
= أنا حاليا بحالة حداد على الزوجة ومن عاداتى بحالات الحزن ألا أفعل شئ على الإطلاق لحين بلوغ الأربعين، الأربعين بعد أسبوع من الآن، أنا بعدها أنزل المزرعة بالهرم، الثامنة صباحا، وأعود قبل المغرب تعال بعد الأربعين بأمر الله أكون إتصلت به والله يعمل ما به الخير.
أطلقت عبارات العزاء المعتادة له وتأسفت لحضورى فى هذا التوقيت، ربت على كتفى ثم أخذ يسألنى عن إخوتى كل بإسمه، تعجبت انه مازال يتذكرهم، تذكرت لحظتها أن أحد إخوتى كان يريد السفر للعمل بليبيا وكان هناك بعض العراقيل أمام سفره فذهب إلى ناظر عزبته وطلب منه مصاحبته وسيطا لمساعدته بالسفر وعندما ذهبا وتكلم الناظر عن رغبة أخى، قاطعة على الفور صارخا.
= أنت أتيت وسيطا لمن لإبن حبيبى المقرب، الأصح أن ياتى هو وسيطا لك، طلبت الإذن بالإنصراف أصر على تناول الغذاء معهم، طلبت منه السماح لى أن اغادر كى أستطيع اللحاق بالقطار، بعد إلحاح أذن لى، أخذت أقفز درجات السلم وأنا لا أصدق نفسى، عدت وقد زادت أحلام الوظيفة الجديدة، مر الوقت بطيئا جدا، لا يكاد يتحرك حتى مر موعد الأربعين الذى أخبرنى به..أسرعت باكرا إلى السفر، يجب أن ألقاه قبل نزوله للذهاب للمزرعة، فعلا كنت جالسا بجوار الباب بالسابعة والنصف، فى الثامنة خرج من باب البناية شاهدنى، أشار إلى بالمجئ إليه وضع يده على كتفى،ةسألنى عن أحوالى وأحوال إخوتى، ثم مد يده إلى جيب الجاكت مخرجا بطاقة تعريف قدمها لى.
= إذهب بها للدكتور (الصراف)، أناحدثتهزوربنا يوفق فقط طمنى بالنتيجةوداعب رأسى، غادرت شاكرا وغير مصدق أسرعت من فورى إلى أخى بالبنك أعطيته البطاقة، أخذنى من يدى وسار بى إلى حيث مكتب محافظ البنك، طلب منى الإنتظار حتى يدخل ويعود إلى، غاب حوالى الربع ساعة خرج مبتسما.
= الحمد لله، مبروك المحافظ قال إن الباشا حدثه ثم إنك ناجح، بالحقيقة كان إحساسى أن الجملة الاخيرة حرصا على كرامتى، بادلت أخى العناق، وفعلا عملت بالبنك، والآن ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود لا يغيب عن خاطرى وصورته ماثلة أمام عيونى، مثله لا.ينسى رحم الله الرجل (أبو الوفا مروان) صهر الزعيم (عبدالناصر)،رجل.من عصر كان به الوفاء عنوانا.
رأس مملوء حكايات
مقتطفات حياتية
أحمد طايل

….العطاء….
=============
..قم للمعلم.وفيه التبجيلا
كاد للمعلم أن يكون رسولا..
مقولة وشعر لأمير الشعراء (أحمد شوقي) ترسخت بداخلنا طوال العمر وطوال مراحل دراستنا، أمر حتمى عشناه وأحببناه بكل حواسنا، لم يفرض علينا، مازلت أذكر الكثير منهم، بملامحهم وبأصواتهم، بصدق وضمير وحب لعملهم، لازلت أتذكر أستاذ الحساب بمرحلة.التعليم الابتدائى، كان أسما على مسمى الاستاذ(عبد اللطيف), وكان لطيفا فوق التخيل، ينزل بعمره إلى عمرنا الطفولى، جعلنا نحب مادته ونحبه وننتظره ، جعلنا بشوق لدخوله إلى الفصل، نسمع له بانصات تام، بلا أى ضجيج رغم ملامحه الجادة التى تنبأ على خلاف جوهره، كان يدخل الفصل، إبتسامته تسبق خطواته يملئ جيوبه بالبنوبون والشيكولاته، يمنحه حافزا لكل مجتهد ونابغ، رغم أنه يأتى من المدينة،كان أول الحضور، بعد الإنتهاء من العمل لا يغادر، ينتقى البعض منا يرى أنهم بحاجة لدروس إضافية ويجلس.إليهم بالساعات بلاملل ولا كلل، أتذكر أنى مرة كنت أمر أمام مكتب الناظر، كان جالسا أمامه يتناقشان حول بعض شئون العملية التعليمية ، من بين ماسمعت..
= أستاذ (عبداللطيف)، مؤكد نشكرك ولكن.ارجوك إنتبه لصحتك أنت تجهد نفسك كثيرا وفوق المطلوب منك.
وجدته يرفع كفه بوجه الناظر طالبا منه بالاكتفاء من قوله، نهض واقفا منتفضا وبصوت هامس.
=زأولا أشكرك لخوفك على ولكنى أوضح لك أمرا هاما ما أفعله أفعله بحب. وبرضا وبضمير، مراعاة لرب العالمين، ثانيا، أقول لك قولا سمعته من أبى الذى أخبرنا أنه سمعه من أباه، قول يبدو أنه ميراث عائلى، أن اليوم الذى يمر على الإنسان دون أن يضيف له شئ لايحتسب من أيامنا، إذا علينا أن نجعل من أيامنا إضافات وما اعمله هو بحث عن إضافات إيجابية على حياتى، هذه المقولة ترسخت داخلى وعاشت معى للآن، أتذكر أنى كلما كنت التقيه بعد التحاقى بمراحل تعليمية أخرى، كنت أسرع إليه، أضمه أقبل رأسه إعترافا بقيم.غرسها فينا، للاسف بايامه الأخيرة حسبما سمعت أصيب بضعف حاد بالسمع، شخصية أتمنى أن نجدها نموذجا وقدوة دائمة أمام احفادنا، نحن بحاجة لمعلم الأمس، رحمك الله ورحم الله كل ما كان صاحب رسالة..

 

شارك مع أصدقائك