الوجود  والعدم “الوجود مدلول …. العدم دال “

شارك مع أصدقائك

Loading

وديع شامخ 

….

مهاد عام

ربما يكون عنواني هذا لمحاولتي الشخصية في فهم العدم أولا  قبل الوجود ، لأن العدم سابق للتالي ، مثيرٌ ” للتناص، الحافر على الحافر ”  مع كتاب الفيلسوف  الفرنسي جون بول سارتر ، الوجود والعدم ، والحق أن هذا الفيلسوف الشجاع  الذي رفض جائزة نوبل عام 1964 ، لأنه كان يعتقد”  الكاتب في رأيه لا يجِب أن يصبحَ مؤسَّسة” ، كما أن  الرجل كان شعلةً  فكرية وجمالية وإشكالية، وهو متنوع الإشتغالات ،  كاتبًا مسرحيًّا  وفيلسوفًا وناشطًا سياسيًّا فرنسيًّا مشهورًا، أثَّر في بعض المَجالات وهو  ” من أعظم فلاسفة المذهب الوجوديِّ والجدليَّة ومن أبرز الشخصيَّات الفرنسيَّة في القرن العشرين”  ممثلا ً  للجناح الملحد  في الفلسفة الوجودية ، ويقف ندا لشيخ الوجودية المؤمنة ” كير كيغارد”  .. وغيره ، كما انه تلميذٌ للفيلسوف الأماني هايدغر في كتابه ”  الوجود والزمان ”  ومتلاقح في فكرة الوجود مع الفيلسوف   نيتشه”  ”

وخلاصة العقل الوجودي عند سارتر  هو ” إنَّ على الإنسان أن يخلقَ القيمة بنفسه وأن يرفضَ القيمة القديمة القائمة، فحياة الإنسان كما يعتقد مصنوعةٌ من المستقبل كما الأجسام مصنوعةٌ من الفراغ وفق تعبيره، لأنَّ وضع الإنسان في العالم يحدُّ من حرِّيته وعليه أن يقابل ذلك بمشروع، ومن اللا أخلاقي أن يرفض الإنسان هذا الخلق المستمر وأن يسترخي في ماضيه، وليس هناك جوهر متجمِّد عليه أن يحترمَه إنَّما هناك وجود جديد عليه أن يسوِّغه من دون انقطاع”

وبهذه الوفرة  الفكرية التي قدمها سارتر للإنسان ودوره في الحياة ، احتراما لعقله وخياره الوجودي ، هاربا من التصورات المسبقة التي  أطلقها  الفلاسفة القدماء منذ  سقراط وأفلاطون أرسطوفي  كون  الإنسان حيواناً ناطقاً أو عاقلاً ”

بداية الحوار

اعتقد ان هذه المقدمة كافيه لعرض  مفهوم سارتر بشكل ملخص ، والعودة الى موضوعي في مفهوم الوجود والعدم ، ستكون لي رحلة يختلط  فيها الخيال أكثر من المعرفة ، والإحساس الإنساني أكثر من التنميط الفكري للإنسان بوصفه  مجرد عينة مختبرية للفلاسفة والمتفلسفين وسواهم  ، ممن يريدون إختصار وتفصيل الإنسان لدوره في الحياة ، بمجموعة من التعريفات والمفاهيم خارج خبرة الإنسان نفسه ، خارج إيمان الإنسان وتجربته روحياً وفكرياً،  وجودا يتلمس  حياته كخيارٍ وليس مزاجاً  و تكراراً ،  كرسالة وليس سبورة فقط لما يكتبه  الآخرون ، مهما علا شأنهم ،  وساحت منازلهم في الفكر الانساني  وبكل الحقول .

ليس هذا نرجسية مني، أو جحوداً في فحص الخيارواختيار المسار ، ولكنه  تجربة  في خلع  أقنعة السائد المهمين في كل تجلياته ، ورتبه ،  ومستوياته ، وتقديم  الفكرة للعقل  الفاحص  والتجربة الفردية روحياً ،  والمقارنة  الحرة  بين ما سبقنا ، وما نحن نعيشه،  وما سيترتب عن اعتناقنا هذا الفكر أو ذاك  ، ليس بحدود ارتباطنا العاطفي او البراغماتي  ، بقدر تعلق الفكرة المرشحة للاعتناق  وصمودها كوصفة للحياة  لمستقبلنا  الزمني ، والزمن الآخر للاجيال المقبلة …..

وهم الوجود

كل الخلاصات الفلسفية  خصوصا والفكرية والجمالية عموما  تشكل قناعات بدئية  ، تصبح قاعدة للمثاقفة ومعياراً  لرقي  الكائن وعلو كعبه ، في السؤال ، والجواب معاً ..

وحين تخلص كل النظريات الى كونها  حقائق كليّة ، تُقدم  الوهم بديلا عن التفكير، تقدم الحقائق بوصفها مقدسات ، لذا سيكون الموضوع هو ”  وصايا ” قابلة للإتباع ، وليست   فضاءً حراً  للابداع والاضافة والشك والسؤال .

هنا تسقط الايديولوجيات والمقدسات  في حقل الإنسان  الذي يراهن سارتر على حريته ،  ولكنه يضع نظريته لينوب عن البشر في فهم الوجود  وقيمتهم   ككائنات ملقاة في الوجود ،  ويرى نيتشه بكل سوداوية  نظرية الكائن  السوبرمان ، وابادة الجنس الضعيف ، وهو ما صار رنين  صداها فلسفة  لنشوء  النازية بقيادة هتلر .

كما اننا سوف نشعر بميوعة وجودنا وهلاميته إزاء افكار فلاسفة ونظرية لتثبت  لنا نظريات لا تكتفي في الشك بالوجود بل في اطلاق ” كوجيتوات  ”  مثل ” أنا أفكر ا اذن  أنا موجود  ”  و” انا اشك   اذن أنا  موجود ” وغيرها من المتلازمات الشرطية ،التي تفرض علينا ان نفهم وجودنا  وفقا لقناعات  وأطر وسقوف آخرين .

ومن   مفارقات  اصحاب العقول الخارقة  انهم يضعون الانسان ، في مرتبة دنيا من الوقائع والمحركات في تاريخ الانسان كما حصل مع الفيلسوف  كارل ماركس بوصف ” الاقتصاد ” هو المحرك  الاساسي في التاريخي ، او عالم النفس ” سيغموند فرويد  ، بأن الجنس ، هو المحرك الحاسم في تاريخ الانسان وسر وجوده .!!

وهم  العدم

لاُيستثنى العدم من الفروض  الوصايا  والنظريات   .. فالعدم عن بعض الفلاسفة   هو  محض  وهم  لكن  العلم   يصرخ بقوله ” المادة  لا تفنى ولا تستحدث ولا تخلق من العدم ” !!

وهنا دخل التشابك بين الفلسفة والعلم  والحياة بمختبرها ، لأن الحضارات البشرية بكل عمقها  وقدمها لم تكن خالية من سؤال العدم ، سر هذا الكون المنبثق من العدم  ، أسئلة من التحقق في خلق الكون ، ومعنى وجوده .. لكن يبدو أن الفلسفة اختصت في اثارة الاسئلة ، وجاء العالم ليجيب  بفرضيات أيضا ، الفلسفة والعالم نهران  يتحاذيان في البحث عن خلاصة للوجود والعدم معا .

ومن هذه الثنائيات الملتبسة ، حدوث علاقة الدال والمدلول ، ونقلت المعرفة البشرية  خيالها لهذا الحقل الجديد  من المعرفة أو المأزق الجديد .. هل يمكن ان يوجد مدلول بلا دال ؟؟

هل يوجود دال بلا مدول ،  وهذا ما ناقشته الطروحات الفلسفية   في ”  العلّة والمعلول ”  وفساد  المنطق هو القلق الماثل في سر العدم  .

خلاصتي

بين الوجود والعدم خيط  رفيع يتمثل  في الفصل بين الوصايا  اينما كان منبعها ومصدرها  ومقترحها ، علماً  وفلسفة  وخيالا ، إذ كلها لا تصمد  إلا ازاء  تراتبية مهمة يحمها الفصل بين السؤال والوصايا ،  الخبرة الشخصية   والهذيانات المتراكمة والقناعات المُسوقة لاغراض ليست  فلسفية ولا علمية ولا حتى مخيالية. .

نحن أسرى لمنظومة من القناعات الصلدة ، التي تمطر علينا بمظلات  لمنعنا من استخدام عقولنا ، عواطفنا وخبرتنا الروحية في الكشف  عن معنى العدم قبل الوجود! .

اذا كان الوجود مرهوناً بالدال والمدلول ، فالعدم ببساطة دال بغير مدلول ، علّة أولى ، سر الروح وبهاء التجربة الروحانية العرفانية المرتبطة بكل مجسات البحث والسؤال .

العدم  طاقة المتعالي  بكل تجلياته  ” الله ،الرب ، الخالق ،  نظرية بك  بانغ… الصدفة ,,”

العدم إشارة للوجود وهو الدال الأول، المكتفي بذاته ..

ما بالنا اذا  صار الدال ”  العدم!! ”  كائنا حواريا ً وضع  في عقولنا شعلة السؤال وفي قلوبنا  نعمة المحبة ، ومكّننا من مسك صولجان المعرفة ، وفهم الحياة  وفقا لتجربتنا الروحية العقلية معاً في الحوارية معه  ، ومنحنا حرية الحياة بلا أقنعة  لنكون كائنات فاعلة في بناء مجتمعات انسانية مدنية ، جمالية ، لا وقع فيها للوصايا .

أنا اخلص الى قناعة  أن الوجود مملكتنا  كدوال  ومملكة الدال ”  ليست من هذا العالم” ”

على الانسان  ان يخلق قيمته الخاصة  ونزوعه الشخصي في الايمان بالوجود والعدم معا .

……………….

 

 

شارك مع أصدقائك