قراءة في أعمال الفنان العراقي المغترب جسام خضر  …. نصير الشيخ

شارك مع أصدقائك

Loading

الجسد..بعداً إسطورياً ومكنوناً جمالياً

قراءة في أعمال الفنان العراقي المغترب جسام خضر

 

نصير الشيخ

 

شكل الفن العراقي في امتداده التاريخي مسيرة خصبة في الرؤى والتنفيذ والإثر،وظلت أثار وادي الرافدين معيناً لاينضب لأجيال متتابعة من الفنانين ،مشكلة لهم مصدر إلهامٍ على مستوى التقانات او التجليات او الفكرة الجبارة بمرموزيتها العالية، كاشفة عنها تلك الجدارايات الأشورية والقطع الأثرية، والكثير من اللقى النادرة، كل هذا شكل تأثيراً عميقا لدى جيل الرواد وهويقرأ ويستلهم هذا النتاج الثر. ولنا في جدارية النحات الخالد ( جواد سليم) ما يؤكد كلامنا هذا، حيث استلهام الرموز والإيقونات الرافدينية في تواشج مع الفن المعاصر.

وتتوالى الأجيال في حقل التشكيل العراقي،في تراتبية أكدت انتمائها لتلك الجذورومن ثم استنهاض قيم جمالية معاصرة تؤكد دور الفن في الحياة وحداثتها.

والفنان جسام خضر، تولد مدينة العمارة عام 1953م، والمتخرج من اكاديمية الفنون الجميلة عام 1979،أحد الأسماء الحاضرة في التشكيل العراقي،حيث اتضحت ملامح تجربته منذ ثمانينيات القرن العشرين الماضي.عبر صقل الموهبة، ومنذ الطفولة وعبق الأمكنة وتأثيرها الدائم في ذاتهِ،إذ أخذ الرسم بتلابيبهِ،فكان مساحة تصورٍوتمثيل لمايراه،محولاً هذه الفضاءات الى رسوم على الورق، والألوان حدائقه المزهرة.

وكان يصحبه في كل ذلك الفنان د.حسام عبد المحسن،حيث البيئة المحلية، وشواطئ نهر دجلة وهو يقسم المدينة نصفين، وبساتينها وحواريها، كل هذا أسهم في صقل عوالمه الأولى في الرسم،حيث التخطيطات هي الناطق بالإمساك بالدهشة الأولى.

وكان لتدريسي المتوسطة والاعدادية الأثر الكبير في توجهه المستمرللرسم واعداده لمسيرة قادمة في حقل التشكيل والفن، فهو لاينسى من درسه واشرف على اعماله مثل المعلم الفنان عبد الباقي رمضان، وصبيح عبود وعبد الرحيم البياتي وعاصم نجم وقتيبة حسين، حيث عَمق هؤلاء لدى الفنان حب الفن وسعة النظر للفنون العالمية وكيفية انشاء اللوحة، وضبط الخط وإسس المنظور، والتي شكلت بمجملها قاعدة إستنادٍ واضحة لدى الفنان، وبما مكنه من رسوخ تجربته التي تشبعت بالدرس الإكاديمي في اكاديمية الفنون الجميلة ـــ بغداد على يد إساتيذ الرسم كفائق حسن وفرج عبوواسماعيل الشيخلي.

الخط التصاعدي للفنان الذي وجد في الرسم عالماً من الأفكاروالرؤى والإجتهاد، وصارت اللوحة لديه خياراً وجودياً لمكاشفة الذات إزاء تحولات العالم، ليبقى السؤال لديه بضرورة الفن على إيجاد قيمة مضاعفة للانسان، وبناء عوالم اكثر حضوراً وجمالية.

جسام خضر، ذاتاً ووجوداً شهد حربين كان العراق ساحتهما، وعاش فجائعهما، واكتنزت لوحته بما هو مضمر،وشكل الجسد البشري هيكلاً ناطقاً في معظم لوحاته،هذا الجسد الذي يتمرأى في شكلهِ والذي يشي بعذاباتهِ، وكان الشاهد على ما مرّمن حروب وخيبات وعذابات شهدها التاريخ.

قراءة بصرية للوحات الفنان جسام خضرتظهر لنا علاقة الرجل بالمرأة، وحضورهما الوجودي وعمق استلال الفكرة من جذورها الأسطورية مع ماجاء في المدونات التاريخية وما أكدته المرويات والأدبيات الدينية. من هنا يجد جسام خضر،أن علاقة المرأة بالرجل هي علاقة تواشج مصيريّ،وليس علاقة صراع ثقافي.

اشتغالات اعتمدت مصاهرة الشكل والمضمون تمد جذورها في العمق الإنساني راسماً الحياة التي يبغي !! والحب هو أكسيرالحياة الذي يجدد وجودنا، وكأن بالفنان هنا اوجد لنا معادلا موضوعياً في اشتغالاته ِ على الجسد البشري وتحولاته، فهو تارة تجربة شعورية يمتزج فيها بكل غواياته مع رغائب الحب في تجلياتهِ.

ولأن الفنان يشكل طرق انتاجه على السطح التصويري للوحة. وجد جسام خضر في جسد المرأة كياناً خصباً حاملاً رمزيتهُ، فهوــ أي الجسد ــ يتطامن مع الطبيعة وخضرتها، حيث نجد في واحد من اعماله،ثمة جسد قرين بالشجرة بكل بهائها.كلاهما مخضرٌومزهرومورق..أنه الإندماج الأسطوري والثقافي على حد سواء من منظور الفنان، وكلاهما يشكلان بعثاً للحياة. لذا تتشكل فيما بعد في لوحات جسام خضرجملة تكويناتٍ تشي بفعلها الحياتي مؤثثة لوحتهُ وباعثة بمكنونها الجمالي.

ولأن الفن عملية بحثٍ دائبٍ، ومحاولات مستمرة لاكتشاف مناطق أكثر جدة، كانت اللوحة لدى جسام خضرمساحة تعبيرأمثل، والتعبيرية هي أسلوبية ارتقاء لتجلياته على السطح التصويري ( الكانفاس) مستلهماً من التاريخ الرافديني رموزه وايقوناته وتناصاته مع ملحمة كلكامش.ولان الذات أغوار عميقة أخذ زرقة الوانه من المنمنات

” المندائية” والوانها الفيروزية الباثة ِلعمقها الروحي،غير خافية لإثر صُناعها “صاغتها” الذين يمتد أثرهم مكانيا عند ميسان وشواطئها وأسواقها القديمة.

 

آيار 2025

 

شارك مع أصدقائك