حوار مع الشاعرة العراقية رسمية محيبس زاير
إعداد وحوار: عمّار كشيش
الكتابة ليست ترفًا ولا سياحة، بل حوار مع الذات والآخر
……
مهاد
رسمية محيبس، شاعرة عراقية بارزة، وُلِدت ونشأت في مدينة الناصرية عام 1955. حاصلة على دبلوم معهد إعداد المعلمين، وبدأت نشر أعمالها الأدبية منذ مطلع الثمانينيات. تُعرف بلقبي “كاهنة أور” و*”نجمة الجنوب”*، وتُعد من الأصوات النسائية المتميزة في المشهد الشعري العراقي والعربي.
في كتاباتها، تركّز محيبس على قضايا المرأة وتفاصيل الذات الأنثوية المعذبة، وتسعى لتسليط الضوء على التجارب المسكوت عنها في حياة النساء، بصدق شعري وحساسية عالية. وهي تنتمي إلى جيل شعري تشكّل على أطلال الحرب والحصار والمنفى الداخلي، لكنه ظلّ وفيًا للكلمة.
من أبرز أعمالها: طلقة أنثى (شعر) / إغواءات (مجموعة شعرية حازت جائزة الشاعرات العربيات في الشارقة / 1999) / كاهنات معبد أور (رواية) / صورة مارغريت (سيرة ذاتية).
و بلغ رصيدها الأدبي حتى الآن ست مجموعات شعرية وثلاث روايات.
في هذا الحوار، نقترب من عوالم الشاعرة رسمية محيبس الشعرية والفكرية،و جذورها الأولى، تأثرها بالأدب الروسي، نظرتها إلى الجنوب، علاقتها بالشاعر كزار حنتوش، ونظرتها للأدب تحت الأنظمة.
حوارٌ صريح..
- ما هو الكائن أو الشيء الأول الذي سقى بذرة الشعر في داخلك؟ لا أقصد كتابًا ورقيًا بالضرورة، ربما إنسان، شجرة، أو موقف… من هو/ما هو؟
أشياء كثيرة سقت تلك البذرة وغذّتها. ربما كانت البيئة التي عشتُ فيها، بيئة غريبة مليئة بالتناقضات. كنتُ أقرأ مكسيم غوركي ودوستويفسكي وبلزاك، وكان منزلنا يعجّ بالرايات السوداء ومجالس الحداد وترانيم الأمهات. كان هناك حزن عميق في صوت أمي عندما تُهدّد طفلاً. كان هذا الحزن محفورًا بعمق في روحي، ولم أكتشف سببه حتى الآن. لكنها كانت أكثر انسجامًا مع الناس مني.
صمت والدي، وبياض تلك البيئة وبراءتها، كل هذا شكّلني، وتغذّى بالأحداث التي مررتُ بها. ورغم جسامتها، أشعر أنني أقوى منها.
صمت أبي وبياض تلك البيئة وبرائتها كل هذا صاغني بما أنا عليه وغذته الأحداث التي عشتها مع فداحتها أشعر أنني اقوى منها.
- هل ترين أن الكتب الأولى التي قرأتِها كانت مفيدة وأسهمت في تكوينك الشعري؟ أم أنها كانت مجاميع شعرية باهتة؟ وكيف تداركتِ الأمر حتى بلغتِ نضجك الشعري؟
لم أقرأ دواوين شعرية باهتة لم تكن موجودة آنذاك. قرأت غوركي ودوستويفسكي وتشيخوف، وذرفت الدموع على صفحات قصص كثيرة، وشعرت أنني أحد أبطالها. كانت بداياتي مع الرواية بامتياز، ثم انتقلت إلى نجيب محفوظ وشكسبير. كان عصرنا محمود درويش ونزار قباني ومظفر النواب وسميح القاسم، إلى جانب ابن الفارض والملك الضليل كلما اقتنيت ديوانه، فقد مني.
- بما أن المناخ الجنوبي هو مناخ شعبي، وخاصة في الشطرة، التي يرتبط اسمها غالبًا بالغناء الريفي والشعر الشعبي، هل وقعتِ في شرك الإغراء وكتبتِ حسب السائد؟ ولماذا لم تستمرّي ؟
وقعت كمتذوقة وحافظة ولي تجارب قليلة جدا في هذا المجال الجمال الذي تجده في الشعر الشعبي غذاء روحي ربما ينعكس في أشكال الكتابة لدي.
- ما سرّ الجاذبية في القصيدة الفصيحة المتحررة من القيود؟ وكيف تمكّنتِ من مواصلة مشروعك الشعري رغم التحديات؟
ربما كانت هوايةً في البداية، ثم أصبحت مهنةً وشغف لا غنى لي عنه، حتى عندما تبتعد عن الشعر، تعود إليه دون أن تُدرك، لماذا تشعر أن هناك شيئًا ينقصك. كنت أكتب على سجيتي، ثم نضجت تلك الموهبة وصقلتها التجارب.
- هل شعرتِ يومًا بالندم أو لا جدوى الكتابة في ظل انشغال الناس بالمحتوى السطحي أو “الورق اللمّاع” ؟
لا، لم أشعر بهذا الشعور. المحتوى السطحي زائل. أما الكتابة التي تنبع من الروح وتعبّر عنها، فتمكث وتنتصر. التحديات تغذي الموهبة وتُنمّي مهاراتها. لا أندم على حياة عشتها. إنها محطات حتى في الشعر.
- كيف توفقين بين قراءاتك الخاصة التي ترتبط بمشروعك الكتابي أو شغفك الشخصي، وبين الكتب المُهداة إليك والتي يتوقّع أصحابها منك رأيًا أو مقالة؟ ماذا تفعلين إذا لم تعجبك بعض هذه الكتب أو كانت ثقيلة الحجم؟
سؤالك يا صديقي جميل قراءة الكتب صارت عادة يومية لا غنى لي عنها أما ما يصل من كتب مهداة فاطلع عليها واقرأها لكن هناك كتب تمنح فرصة أن تكتب عنها وأخرى لا تستطيع أن تكتب عنها، أضافة الى ذلك تجنبت الكتابة في هذا المجال الا فيما ندر لا اريد أن أتطفل على مهنة النقاد الذين يضعون رقيبا على الباب لا يسمح لمن لا يمتلك هوية أكاديمية أن يدخل معترك النقد جنبني الله وإياك ذلك المعترك. الصاخب.
- هل تُعدّ الكتابة بالنسبة لك همًا أساسيًا أم مجرّد متعة وسَفرة وسياحة؟
أجبت عن هذا في سؤال سابق لكن مزاولة الكتابة تعبير عما في ذاتي المشحونة باشياء كثيرة ازاء الواقع وازاء المجتمع وازاء الآخر ورسالتي هي ايصال صوتي وسط كل هذا الضجيج الكتابة ليست ترفا ولا سياحة هي حوار مع الذات ومع الآخر.
- هل لديكِ اهتمامات أخرى غير كتابة الشعر؟ كالرسم مثلًا؟
الرسم أحبه في الطفولة كنت ارسم بعفوية ضاعت مع الزمن اود لو كنت رسامة ولست شاعرة يخيل لي أن الفن يصل قبل الشعر بطريقة مباشرة وغير ملتوية لكنها موهبة ليس بإمكان أي أحد أن يمتلكها
- هل تعودين أحيانًا لتنقيح قصائد قديمة، أم أن لكل مرحلة نصوصها التي أُغلِق بابها إلى الأبد؟وهل هناك قصائد منشورة تتمنّين لو تُمحى من سجلك الإبداعي؟
لا اغلق الباب بل اعود اليها واعيد ترتيبها أو تنسيقها وصياغتها من جديد ومنها ما اخذت قالبا لا يمكن المساس به تبقى كما هي كل نص هو قطعة من روح الكاتب لا يمكن أن تنسى ربما تمنح فرصة للنصوص الجديدة لكنها تبقى في مكانها الخاص العزيز
- مَن الأقرب إلى ذائقتك الشعرية من الأسماء التالية: مظفّر النوّاب أم سعدي يوسف، عقيل علي أم كزار حنتوش، رحيم الغالبي أم كامل سواري، أمير ناصر، أم أحمد الشطري؟
قرأت سعدي يوسف وحفظت قصائده الاخضر بن يوسف وغيرها اقرأ كل ما ينشره سعدي حتى كتاباته الأخيرة المثيرة للجدل بقي سعدي موهوبا كبيرا وصائغا للقصيدة وقرأت مظفر بمحبة ومحنة أكثر، مظفر يعبر عن آلامنا نحن الفقراء الجنوبيين، كل كلمة تحفر عميقا في الروح أنه المغني الذي لا يمل ابدا، مظفر ترك فراغا كبيرا في خارطة الشعر.
كزار شريك حياة ونديم جلسات وهو مثقف ممتع الروح والحديث وموهوب كبير أستعين بعبارة الناقد المرحوم الدكتور حسين سرمك عنه
(لقد طبع كزار بصمته الفريدة على جسد الشعر ومضى. كان ماكراً – شعرياً – كفأر السجن وكتوماً كطبيب الأمراض النسائية كما يقول في إحدى قصائده. )
استمتع بقصائد أمير ناصر واحمد الشطري
أما رحيم الغالبي فهو شاعر ومناضل وصديق عزيز روح بأسلة خطفها الموت
كامل سواري شاعر في روحه وتصرفاته وفي كل ما كتب رحمه الله
- من بين مجاميعك: فوضى المكان، موسيقى الصباح، ثرثرة، سطر من ذاكرة البحر — أيها الأقرب إليك؟ وهل هناك قصيدة لا تزال ملتصقة بذاكرتك بقوة؟
احب جميع مجاميعي الشعرية وهي بصمات روحي غير المستقرة القلقة بشإن قصيدتها اكتب اليوم ما يختلف عما كتبته بالأمس واسعى أن يتطور النص باستمرار بالاطلاع والممارسة والهموم الذاتية الكبيرة قد تكون ثرثرة اقرب إلى روحي، وقد يكون شغب انثوي بما كتب عنه من دراسات هو المفضل، ولكنها جميعا اجزاء مني احبها
- كيف تعرفتِ على الشاعر كزار حنتوش؟
لا ادري هو تعرف الي وكان خجولا في البداية وكان الشعر والمهرجانات هي من جمعنا والقدر كذلك .
- هل يعود الفضل في الإشارة المميزة إليكِ إلى الشاعر كزار حنتوش، كونه شاعرًا مشهورًا، أم أن الأمر يتعلق بإنجازكِ الإبداعي وحده؟
سئل نزار قباني عن رأيه بمن يسميه عمر بن ربيعة فقال نزار:: كنت أتالم من مقارنتي بعمر بن ربيعة لكني الآن لا اهتم حتى لو اعتبروني فردا من حاشية عمر بن ربيعة وهو جواب لا يحتاج لشرح أو توضيح.
- في مقدمة مجموعتك سطر من ذاكرة البحر كتب الناقد حسين سرمك حسن أن “العنف في نصوص رسمية هو عنف مسالم وهادئ، بخلاف عنف الجواهري الدموي والوحشي – إن صحّ الوصف”، هل تجدين في هذا الكلام ذمًا للجواهري ومديحًا لك؟ وما رأيك في هذه الجرأة بالنقد تجاه شاعر كبير مثل الجواهري؟
أنتم تعشقون الرموز الكبيرة لا أعتبر ما قاله الناقد الكبير مقارنة ابدا هو تناول موضوعة العنف أو المقاومة وهو حر في رأيه لست في موقف الدفاع عنه فهو كاتب كبير لا يحتاج إلى تزكية.
- هناك من يتحسّس من شعراء أوغلوا في مديح النظام السابق مثل عبد الرزاق عبد الواحد، ويرفض كل نتاجهم الأدبي. هل تفصلين أنتِ بين القصيدة وموقف كاتبها؟ وهل يمكن أن تتقبّلي قصيدة مديح للحسين (ع) من شاعر كان يمجّد صدّام بنفس الحماسة، حتى بعد رحيل النظام؟
لا افصل بين الشاعر وموقفه، ولا أعبأ بالشعر مهما كان عظيما اذا صدر عن ذات لا تعتز بإنسانيتها، وتدافع عنها أما عبد الرزاق عبد الواحد ورغم مديحه فلا يستطيع أحد أن ينكر شاعريته الكبيرة لكنه كان يعبد الاها واحدا لا شريك له هو قائده ومصدر رزقه وقد ظل مخلصا له حتى الموت.
- هناك شعراء مثل حسين علي يونس، من الذين يُطلق عليهم بتسمية “الصعاليك” ، وكان صديقًا حميمًا لجان دمو، وشارك في جمع شعره وكتب عنه كثيرًا… ما مدى قربه منكِ أو من الشاعر كزار حنتوش؟
مع احترامي للشاعر لا توجد صلة بيننا ابدا ولا اعرف أن له علاقة مع كزار قد يكون حدثني عنه لا اتذكر ما قال ولا املك رؤية كاملة تؤهلني للإجابة عن الشاعر لم يصلني شيء وهذا تقصير مني..
- أخيرًا، هل اضطررتِ أنتِ أو السيد كزار في زمن ما إلى مدح النظام السابق تحت ضغط ما؟
أنا لا لم اكتب وليس هناك ضغط علي كنت معلمة وغير محتاجة للمديح انبشوا في الملفات القديمة ولكم الحق بنشرها أذا وجدت أما كزار فلا ادافع عن اختياراته هو مسؤول عن ما كتب ويعتز بتجربته كلها.
………………
تنويه من مجلة ألف ياء
من الجدير ذكره أن الشاعرة محيبس ، تم تكريمها بقلادة مهرجان الجواهري الثاني عشر للابداع نسخة الشاعر صلاح فائق المقام في سدني برئاسة الشاعر وديع شامخ، وقد قامت السيدة كاميليا نعيم وهي ضمن لجنة المهرجان، بقراءة نصها شجرة صبار الفائز بجائزة قصيدة النثر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقطع شعري من كتاباتها
كمْ أنتِ مبدعةٌ أيتها الشجرةُ
أنتِ معلمةٌ فذّةٌ، وأنا تلميذتكِ المطيعة
تستحمينَ بزخّاتِ المطرِ
وتُسرّحينَ شعركِ بأصابعِ العاصفة
أنتِ أكثرُ قوّةً أمامَ معاولِ الحطّابين
لا تهزّكِ العواصفُ
ولا تأبهينَ لهجرةِ طائرٍ
أنتِ أكثر كرمًا منْ رماكِ بحجرٍ
أطعمْتِه ألذَّ الثمار