أدونيس: قرائي الحقيقيون اثنان أوثلاثة  والأجانب يفهمونني أفضل  

شارك مع أصدقائك

Loading

 

تحدث عن الشعر والتحولات والوجود في حوار جريء مع “لوموند” بعد صدور ديوانه وعشية امسيته مع فاني أردان في مسرح اللوفر

 ………….

اصدر للشاعر أدونيس كتاباً جديداً  هو عبارة عن لوحات شعرية بعنوان “اللوفر فضاء للأبجدية الآتية”، عن دار سيغر ودار اللوفر، باللغة العربية والترجمة الفرنسية. في الكتاب يجول الشاعر على الحضارات القديمة من بابل إلى مصر الفرعونية.

اللوفر فضاء للأبجدية الآتية”، هو عنوان ديوان أو نص جديد للشاعر أدونيس يقدم 7 لوحات كتبها بدعوة من متحف اللوفر العريق ونشر بالتعاون مع “دار لوفر للنشر” و”دار سيغر” الباريسية. صدر الكتاب بلغته العربية الأصلية، وبترجمة فرنسية أنجزها الكاتب والناقد دوناتيان غرو. وفي المناسبة ينظم “مسرح اللوفر” أمسية في الـ29 من مارس (آذار)، يقرأ فيها أدونيس قصائده بالعربية، وترافقه الممثلة الكبيرة فاني أردان، قارئة القصائد بالترجمة الفرنسية. أدونيس أول شاعر عربي يلقي قصائده بالعربية على خشبة “مسرح اللوفر“.

وفي المناسبة أجرى ملحق “عالم الكتب” في صحيفة “لوموند” الفرنسية حواراً مع أدونيس، حول بعض مواقفه ومساره الشعري والفكري، وبدا فيه جريئاً جداً، متحدثاً بحرية كما لا يحصل عادةً مع الصحافة العربية. ورداً على سؤال أول عن صورة الشاعر الحديث التي يحملها أدونيس وموقفه المشكك إزاء المتحف مفهوماً ومكان حفظ، وعن علاقته انطلاقاً من هنا بالتحف عموماً، وباللوفر خصوصاً، أجاب “بالنسبة إليَّ، يبقى الخلق هو الأساس، لأن الخلق يترافق دوماً مع الحداثة، ويضمن تغيير العالم. والمتحف هو مضجع هذا الإبداع البشري الذي يتخطى الأديان والأعراق والانتماءات (…). المتحف يتخطى هذه التقسيمات. انطلاقاً من متحف اللوفر، الذي له جدران، يمكن المرء أن يفكر في ما وراء أي جدار، إلى ما لا نهاية. لقد رأيت أعمالاً فنية تسمح لنا بإعادة التفكير في العلاقة الأساس بين الفنون اليونانية والبابلية، على سبيل المثال، أو بين اليونان ومصر. حتى إن هوميروس تأثر بملحمة بلاد ما بين النهرين: النزول إلى الجحيم ليس سوى تكرار لغلغامش. يفوتنا هذا التفصيل اليوم لأن التوحيد أضفى على النصوص طابعاً أيديولوجياً، لقد قمنا بالتعتيم على الأساس. فإذا أردنا التفكير في تاريخنا، يجب أن نذكر بما يلي: الأقدم هو الأحدث“.

يُطرح عليه السؤال الآتي، “في ختام حياته، كان الفيلسوف جاك دريدا يسأل إن كانت كتبه ستقرأ بعد وفاته، بل كان يسأل إن كانت قراءته بدأت خلال حياته. ماذا عما يخص شعرك؟”. يجيب أدونيس، “أنا ودريدا كنا صديقين، وأعتقد أنني أفكر مثله. اليوم، أنا معروف، وكتاباتي مفهومة بلغات أخرى أكثر من لغتي الأم، العربية. فالقراءة رحلة، ولكل شخص قراءته الخاصة، لكن القراءة هي فعل خلق أيضاً. فالقراءة التي لا تلهم على الخلق ليست قراءة مهمة، وأعتقد أن مشكلتنا تكمن في الوقت الحالي ليس في الخلق، بل في القراءة. نحن نقرأ في طريقة سيئة. كثيرة هي أعمال المبدعين التي تقرأ في طريقة سيئة. دريدا نفسه لم يقرأ في طريقة جيدة. بالنسبة إليَّ، تطرح أعمال دريدا سؤالاً لا متناهياً عن عالمنا. نريد دائماً أجوبة، لكننا عموماً، لا نغامر في طرح الأسئلة العميقة بمقدار ما ينبغي. وللمفارقة، لا تكمن قوة الإنسان في الإجابة. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يطرح الأسئلة، والوحيد الذي يشكك في وجوده بلا هوادة، وبعلاقته بالآخرين“.

هل لديك قراء حقيقيون؟”، يجيب، “نعم. لديَّ اثنان أو ثلاثة. أبقيهم سراً، حتى أتمكن من التواصل معهم في صورة أفضل”

ويطرح على أدونيس سؤال إشكالي هو، “ألا يشهد وضعك في العالم العربي تبدلاً؟ سابقاً كانت كتبك ممنوعة غالباً. الآن يتم استقبالك والتهليل لك في أبوظبي كما في السعودية. ما الذي يحصل؟”. يجيب، “نعم، بلا شك. ولا أعرف لماذا. لعل الحالة الراهنة للتدمير الذاتي في العالم العربي تفتح آفاقاً جديدة لم نعرفها من قبل. في عالمنا، يُحارب كل ما ليس أيديولوجياً، الصوفيون والشعراء والكتب عموماً. لقد كان الماضي نفسه أيديولوجياً لدرجة أنه لم يعد موثوقاً به. بالتالي، يبحث هؤلاء القادة العرب عن أجوبة أخرى، لكن لا علاقة لي بذلك، لقد بدأوا يفهمونني بصورة أفضل. في السعودية رأيت عالماً غير عادي. لقد أدهشني جمال الطبيعة خصوصاً. كيف يمكننا عزل مدينة العلا الرائعة والتعتيم عليها؟ كنت سعيداً برؤية ما حُظر لفترة طويلة في السعودية”“.

وعن الصداقة اللدودة التي جمعت بين محمود درويش وأدونيس

أدونيس وجابر عصفور في متاهة المصطلحات النقدية، وعن وجود أجيال شعرية عربية جديدة، يقول أدونيس،­ “نعم، وبخاصة الشاعرات. إنها ثورة. فالشاعرات ينفصلن عن أمرين: الأول ما نسميه التقاليد، والثاني هو الثقافة المشتركة، أو بتعبير آخر، تفسير التقاليد. لم يعدن يتحدثن عن الحب بصورة عامة، ولكن عن حبهن، وليس عن الجسد بصورة عامة، بل عن جسدهن، وبذلك يفتحن مساحة جديدة. أشارك حالياً في مشروع تحرير ونشر، يفسح المجال أمام 30 شاعرة جديدة، ومنهن الفلسطينية نداء يونس واليمنية نجود القاضي. وفي كتابي، ثمة حيز خاص بإنخيدوانا، أول شاعرة كتبت عن الحب في القرن الثالث”.

وعن بلوغه الـ94 من عمره، وهل ما زال يبحث عما لم يجده، يقول أدونيس، “سأموت من دون أن أجد ما أبحث عنه. لا يمكننا الحصول على جواب نهائي حول ما يمنحنا سبباً لوجودنا. يوم تجد جواباً تصبح شيئاً بين الأشياء الأخرى. لا يوجد موت، فالموت مجرد فكرة تشكل جزءاً من الحياة. الجسد كائن حي، له أفكاره وأحلامه وتأملاته. يجب أن نفصل نفسنا عن التفكير في حالتين: عندما نمارس الحب، وعندما نبدع. الرأس هو ما نملكه جميعاً، أما الجسد فهو ما يميزنا. ولسوء الحظ، معظمنا يعطي الأولوية لما نملكه جميعاً. أنا أتعلم كثيراً من جسدي. وما يخبرني به سري. لذلك أكتب. باليد. لا شك الأمر متعب، ولكنني أحتمل” (2021).

ويضيف أدونيس: “لم أكتب الشعر يوماً من أجل المنفعة، أو كوسيلة. أنا لا أكتب لكي يدرس ما أكتبه، أو لإعطاء أفكار للآخرين، ولكن لأفهم نفسي بصورة أفضل، وأفهم وجودي في هذا العالم بصورة أفضل، بالتالي، لأفهم الآخر بصورة أفضل. ففي البدء طالما كان الوجود اثنين، وليس واحداً. الوجود هو اثنان، منذ الأزل. أن تكون مرتبطاً بالآخر هو الشعر بنفسه. الحب هو الشعر. السفر هو الشعر. الشعر هو تغيير العالم نحو الأجمل. إذا اضطررت يوماً إلى تلخيص ما أردت القيام به فسأقول: أردت أن أقتل الموت بالإبداع والجمال والحب“.

*-  عن  اندبندنت عربية

 

شارك مع أصدقائك