نصوص … ويع سعادة

شارك مع أصدقائك

Loading

بلدان غريبة

هناك بلدان غريبة تنبت خلسةً في رأسي

بلدانٌ تستيقظ من ليل طويل وتفرك عيونها

بدهشة أعمى وحيد من سنوات

وصلَ فجأةً غريقٌ إلى ساحله

وأتخيَّلُ أني رأيتُ علامتي

في الحُفَر التي تركتها البلدان بعد رحيلها، وهناك

أيامٌ أصل إليها على حمَّالة

ومقاهي المدن جميعها تقريبًا في فمي

وفيها رعاة بقر

ورغم أني نسيتُ معطفي على كرسيّ المقهى

فإني مع ذلك أرتديه الآن في الشارع

والمطرُ كلمة خرافيّة

والأمكنةُ تعني: مغول ورائي

ولأني طردت نفسي من جنَّة الكلمات

إلى صمت يقف في منتصف الطريق كيدٍ مبتورة

أحاول أن أتملَّق بالإشارة عودَ كبريت

مترددًا بين أن يضيء أو يبقى في علبته

وبينما يصل إليَّ إيقاعُ الحياة من بعيد

كأصوات طبول في أفريقيا

أتأمَّلُ المدن التي مات جميع سكَّانها بالصبر

وأتابع الطريق

عابثًا بزرّ قميصي.

أحاول

أحاول

باليد التي خرجت مني إلى ذراعٍ أخرى

أن أوقف سيارة تأخذني في هذا الليل

إلى بيتي.

ضمير الغائب

 

بعدما قال وداعًا وخرج

بقي منه ظلٌّ صغير تصنعه لمبةُ البيت

فمشى وراءه.

اجتاز البوابة ثم، فجأة، أطفأوا الضوء

ففقد طريقه.

في الصباح

حين فتحوا النافذة

رأوا ظلاًّ ينام

وحده على الإسفلت.

النظرة

 

كان يقعد على الدرجة السفلى، ينظر إلى الثلج ينزل أمام رواقه

ينظر إلى الطريق

متبينًا سيارات سريعة

آملاً أن يلوّح له راكبٌ ما

أن تتوقف سيارة، ينزل واحدٌ منها وينظر إليه.

تذكَّر فجأة ثلج ماضيه، حين كانت حياته في ذاك الليل

تجلس في الوسط، بين المقعد والكرات الصغيرة على الزجاج

تذكَّر هواءً قارصًا، وهمَّ أن يُحضر بطَّانيته

لكنَّ قلبه كان يقول له

إنَّ راكبًا سينزل الآن، ويتَّجه إليه.

في الصباح، لعب الأولاد طويلاً بكرات الثلج أمامه

وكان ناصعًا

وبعينين مفتوحتين، تمثاله.

الهجرة

 

حين ذهبوا لم يقفلوا أبوابهم بالمفاتيح

تركوا أيضًا ماءً في الجرن، للبلبل والكلب الغريب الذي تعوّد أن يزورهم

وبقي على طاولاتهم خبز، وإبريق، وعلبة سردين.

 

لم يقولوا شيئًا قبل أن يذهبوا

لكنَّ صمتهم كان كعقد زواج مقدَّس

مع الباب، مع الكرسي، مع البلبل والإبريق والخبز المتروك على الطاولة.

الطريق التي شعرت وحدها بأقدامهم لا تذكر أنها رأتهم بعد ذلك

لكنها تتذكر ذات نهار

أن جسدها تنمِّل من الصباح إلى المساء بقمح يتدحرج عليه

ورأت في يومٍ آخر أبوابًا تخرج من حيطانها وتسافر،

ويذكر البحر

أنَّ قافلة من السردين كانت تتخبَّط فيه وتمضي

إلى جهة مجهولة.

 

ويقول الذين بقوا في القرية

إنَّ كلبًا غريبًا كان يأتي كل مساء

ويعوي أمام بيوتهم.

ذاك المساء، على حجر

 

كان كلُّ شيء في منتهى الرقة. العمَّالُ المتعبون، ظلال الحمائم، الملابس على الحبال البعيدة.

شعر أن حياته أيضًا كانت رقيقة معه ذاك المساء. مشى معها إلى أقرب حجر، وقعد.

تذكَّر آخر أغنية تعلِّمها في المدرسة، ورقص مع الشارع مع حديد المحلات المقفلة، وبلاطات الرصيف، التي كانت تخرج من طينها القديم وتبتسم.

مشى مع القيثارات

التي رقصت معه كلَّ الليل حتى

أصبحَتْ ضلوعَه.

على شعره نسمة هواء.

في عينيه نجوم في عنقه عقد.

همَّ أن يقول لأحد قربه: هذا العقد هدية من عيد ميلادي.

لكنه التفت إلى الحجر الوحيد

لَمَسَهُ بلطف

وأغمض عينيه.

 

شارك مع أصدقائك