فوز حمزة
من خلف الزجاج اللامع، نظر إليها بسرور غامر، سعادة كبيرة تغيرت ملامح وجهه، احتضن الزجاج وقبّله بشغف، تركت شفاهه الغليظة أثراً على المكان. تبسم حين رأها تبتعد عنه، لكنها أعطته دافعًا لملاحقتها. نقّر على الزجاج يدعوها للاقتراب منه، هربت منه إلى الجانب الآخر. اختارت النباتات لتختبئ خلفها، وهو يبتعد، ضحك بشكل هستيري، متيقن بعدم قدرتها على الإفلات من يديه، وإنْ فعلت، فالموت فاتحٌ ذراعيه، بانتظارها. تركَ المقعد الوفير يحتضن جسده الضخم، مستسلمًا لأحلامه، نافثًا دخان سيجارته في الهواء، اقتربتْ منه حتى لم يعد يفصلهما سوى لوح الزجاج، استجمعت كل شجاعتها لتقول له: – هل حقاً يغريك منظري وأنا حبيسةُ الجدران؟! بماذا تحدثك نفسك، وأنت تعد عليّ خطواتي؟! ربما تحدثك بإنك صياد ماهر، أيّةُ سعادة تشعر بها حين تراني أتخبط في هذا العالم الضيق؟ عالمكَ الآسن الذي اخترته لي، وألقيتني فيه دون إرادتي. دعني أخبرك شيئًا: لن تستطيع ألواني انتشالك من عالمك الأسود، ستغرق في أنهار الدم التي سفحتها، وتخنقك رائحةُ الموت لتمسي مجرد ذكرى. لو كنت تقّدر الأنفاس التي تدب في صدرك، لما زججتني في عالم يعد عليّ أنفاسي. تقولون سمك يأكل سمكًا، و حقيقتها بشر يلتهم بشرًا. كنت أنعم بحياة لا تعرف الخوف، واليوم أنا أغرق فيه. لا تقل أنك تحبني، غريزة التملك التي امتلكتك، أفسدت فطرة الحب نفسه، فلا تهمس لي به، فأنت لم تحبني إلا لشيء يخصك. على الرغم من أني أسّيرتك، لكن ألمح في عينيك الرعب من المجهول الذي ينتظرك. هل كانت الحبال سلاحًا فتاكًا عندما ألتفتْ حولي و حملتني إلى أرضك الجافة؟ الأرض التي لوثتها حين وضعت أقدامك عليها ثم لوثت كل شيء مسته يداك، لكل صياد صائد، وليست كل فريسة يسهل اصطيادها. في الصباح وهو يرتشف قهوته .. حانت منه إلتفاتة صوب حوض الماء الذي امتلأ بجثث أسماكه الجميلة.