حوار مع الأديبة والشاعرة المغربية نعمية فنو..حاورها الشاعر وديع شامخ

شارك مع أصدقائك

Loading

 حوار مع الأديبة والشاعرة نعمية فنو

حاورها

الشاعر وديع شامخ

 

*-من هي نعيمة فنو إنسانيا وفنيا وإبداعيا؟ وكيف تتقاطع هذه الأبعاد في مسارك الشخصي والمهني؟

**نعيمة فنو، كاتبة وشاعرة وفنانة تشكيلية أتنقل بين أجناس إبداعية متعددة أراها مترابطة ومتكاملة في التعبير عن رؤى وجودية وجمالية، صدر لي في الشعر ثلاث مجموعات هي: عينان في جمجمة مقمرة، دولاب الحظ، وفلاسفة في ضيافة الشعر، التي تمثل تجربة خاصة تمزج بين قصيدة النثر والتأمل الفلسفي، وأسعى من خلالها إلى فتح أفق حواري بين الشعر والفلسفة والمسرح والتشكيل …

أعمل حاليًا على أعمال متنوعة قيد الطبع تشمل الرواية والدراسات الفلسفية والشعر، في إطار مشروع إبداعي يطمح إلى تجاوز الحدود التقليدية للأجناس الأدبية.

*-ما الذي دفع نعيمة فنو لخوض غمار الكتابة ودخول عالم الأدب؟

** الدخول إلى عالم الأدب لا يتم دائما بالفعل الواعي، بل أحيانا بالقوة؛ إذ تُفرض الكتابة كطاقة دفينة، تتجاوز إرادة صاحبها، وتنفجر في لحظة ما خارج أي تخطيط مُسبق. فالكتابة هنا ليست أداةً للتعبير، بل ضرورة وجودية، أشبه بآلية تفريغ داخلي أو بوح قسري لما تعجز اللغة اليومية عن احتوائه. بهذا المعنى، تتحول اللغة إلى ساحة صراع بين المكبوت والمُفصح، بين التَشكُّل والانفجار، الكتابة ليست ترفا في حد ذاتها بل تأسيس للوجود بواسطة الكلام أو بتعبير آخر ولوج حقل ألغام بأرجل حافية.

*-دخلت عالم الرواية عالم شائك كيف يمكن تفسير دخول الكاتب إلى عالم الرواية باعتباره عالمًا شائكًا، مع الإشارة إلى قول ألبير كامو أن الرواية هي الكاذب الذي لا نستطيع قوله في الواقع؟

**الرواية بالنسبة لي فضاء شائك ومعقد، لكنها تمنح الكاتب حرية لا يتيحها الواقع. ألبير كامو يقول إن الرواية هي الكذب الذي يقول الحقيقة، وهي عبارة تختصر الكثير؛ فالرواية، وإن كانت مبنية على الخيال والإبداع، فإنها تُمكّننا من قول ما نعجز عن التصريح به في الحياة اليومية. بهذا المعنى، لا تكون الرواية مجرد حكاية، بل وسيلة لفهم أعمق للواقع.

في الرواية، يمكن للكاتب أن يعبر عن مشاعر وتجارب إنسانية عميقة لا تجد لها مكانا في الواقع الملموس، لأن الحقيقة في الحياة اليومية غالبا ما تكون مقيدة بالقيود الاجتماعية والسياسية والدينية. لذلك، يصبح الخيال الروائي أداة لفضح ما يخفيه الواقع من تناقضات وصراعات، ويمنح القارئ فرصة للتأمل والتفكير في أبعاد جديدة من الوجود الإنساني.

*-هل لديك رواية واحدة صدرت؟ بعد منجز شعري ما الذي جعلك تصوبين موهبتك للرواية وانت صاحبة منجز شعري معروف؟

**الانتقال من الشعر إلى الرواية هو بمثابة عبور من عالم اللحظات الحالمة والمكثفة إلى فضاء ممتد يتسع للزمن والسرد متعدد الطبقات. الشعر يعبر عن جوهر اللحظة ويحتفي بالرموز واللغة المكثفة، بينما الرواية تتيح لي الغوص في تفاصيل الحياة، في سرد طويل يمكّنني من استكشاف النفس الإنسانية والعالم من حولها بتعمق أكبر الرواية فيض أفلوطيني. للإشارة لي رواية واحدة لحد الآن منعت ورقيا، الرواية الموؤودة التي منعت قبل طبعها وأخرى قيد الطبع.

هذا الانتقال ليس تخلّيا عن الشعر، بل توسعٌ في الأفق التعبيري؛ فأنا أنتقل من محاولة الإمساك بالحقيقة في صورة مكثفة إلى رحلة سردية أكثر اتساعا، تسمح لي بالاحتكاك بالواقع بكل تعقيداته وتناقضاته، تُعتبر الرواية وسيلة لإعادة إحياء الشعر وتقديمه للقارئ في أشكال جديدة ومتجددة، وهو أمر ضروري لاستعادة الثقة بين المبدع وقرائه، وعدم الاستسلام لتراجع الاهتمام بالشعر. وللأسف، تقلّ أعداد قراء الشعر وتنفر دور النشر من نشره وتوزيعه، لذا فإن توظيف الشعر داخل الرواية يشكل فرصة لإعادة إنعاش هذا الفن وإيصاله إلى القارئ بأساليب أكثر جاذبية.

*-ما رأيك في المشهد الروائي المغربي ومن هو مثلك الأعلى في الرواية؟

**أرى أن التجربة الأدبية هي مسار شخصي وفردي يتشكل عبر التجربة والقراءة والتفاعل مع العالم. لكل كاتب خصوصيته وأسلوبه الذي ينبع من رؤيته وتجربته الذاتية، ولذلك أفضّل أن أكون صوتا مستقلا دون أن أتبع نموذجا جاهزا أو نسخة محددة.

أما المشهد الروائي المغربي، فهو بحق فضاء غني ومتنوع يعكس تعقيدات المجتمع المغربي وتاريخه الممتد لأكثر من اثنا عشر قرنا، ويجسد صراعات الهوية والتقاليد والتحديث. ما يميز هذا المشهد هو الجرأة في طرح القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية، والبحث المستمر عن صياغات سردية جديدة تعبر عن هموم الإنسان المغربي بصدق وعمق.

أجد في هذا المشهد مصدرا مستمرا للإلهام والتعلم، وليس قالبا يجب أن أتبعه. الأدب بالنسبة لي هو حرية في التعبير واكتشاف الذات، والرواية تمثل الوسيلة الأوسع والأشمل لتحقيق هذا الهدف.

في النهاية، أؤمن بأن الكمال في الأدب لا يأتي من تقليد مثل أعلى، بل من الصدق في التعبير، والابتكار في الأسلوب، والجرأة في طرح الأفكار التي تهم الإنسان وتلامس وجدانه ولم لا التغريد خارج السرب.

*-بدأت شاعرة اصدرت المجامع الثالية ماهي ر,يتك للشعر كجنس ابداعي وهل حققت ما تصبين اليه في هذه المجاميع

**في تجربتي الشعرية، لم أكتفِ بالخروج عن النمطية والتقليدية في قصيدة النثر، بل توجهت نحو بناء نصوص فلسفية ممسرحة، حيث أصبح المنطوق شعريا يحمل عمقا وجوديا وفكريا. هذا الانتقال جاء كرد فعل على الزقاق المغلق الذي وصلت إليه القصيدة من حيث عدم المقروئية والسطحية في بعض التجارب، لذلك بدأت أشتغل على قصيدة مغايرة ذات بناء مختلف، تعبر من خلال الومضة الشعرية ثم الحوارات بين فلاسفة ومتخيلات أدبية، ما يتيح لي توسيع دائرة التأمل والبحث في قضايا الوجود والهوية والكينونة.

هذه النصوص الممسرحة ليست مجرد عروض أدبية، بل هي فضاءات للحوار الفكري، حيث تلتقي الفلسفة مع الشعر في شكل يجمع بين الإيقاع اللغوي والجمال التعبيري، وبين العمق الفلسفي والتجربة الإنسانية. بهذا الشكل، أرى أن شعري يختلف كليا من حيث الموضوع والبناء والنظرة الفلسفية العميقة، مما يفتح آفاقا جديدة في القراءة والتلقي، ويعيد تعريف القصيدة كجسر بين الفكر والإحساس، بين التأمل والوجد أحاول دائما في أعمالي الشعري الإفلات من النمطية وتأسيس قصيدة النثر على نصاب جديد.

*-مر الشعر العربي الحديث بثورتين تجديديتين تورة السياب ونازك الملائكة والبياتي والحداثة الثانية جائة في سنتيات القرن المنصرم قصيدة النثر التي كان من روادها انسي الحاج توفيق صايغ ادونيس ولا حقا الماغوط ورسالة مجلة شعر تحديدا ماهو رأيك في مستقبل الشعر العربي في ضوء هاتين الحداثتين؟

**مرّ الشعر العربي الحديث بثورتين تجديديتين حاسمتين، شكّلتا منعطفا جذريا في وعي الشعر العربي وأدواته التعبيرية. الثورة الأولى، التي قادها السياب ونازك الملائكة والبياتي، كانت بمثابة تمرد على الهيكل التقليدي للشعر العمودي، إذ حررت الوزن والتفعيلة، وأدخلت مضامين معاصرة تعبّر عن هوية الإنسان العربي وصراعاته التاريخية والاجتماعية. هذه الثورة كانت تأسيسا لوعي شعري جديد، حاول دمج التراث العربي العميق مع روح الحداثة، وجعل من الشعر صوتا جامعا للتجربة الانسانية والمجتمعية.

الثورة الثانية، المتمثلة في قصيدة النثر التي بزغ نجمها في منتصف القرن العشرين مع انسي الحاج وتوفيق صايغ وأدونيس، جاءت لتعبر عن مرحلة متقدمة من الانفصال عن القوالب التقليدية، حيث تحول الشعر إلى فضاء رحب للحرية اللغوية والتعبيرية. لقد فتحت قصيدة النثر افاقا جديدة لطرح الاسئلة الوجودية والذاتية، وسمحت للشعراء بالانغماس في تيارات فلسفية وفكرية مستحدثة، وتجاوزت حدود الإيقاع التقليدي إلى إيقاعات ذاتية تتماهى مع نبض الحياة المعاصرة.

في ضوء هاتين الحركتين، أرى أن مستقبل الشعر العربي يكتنفه التحدي والفرصة في آن معاً. فالتحدي يكمن في كيفية المحافظة على الهوية والعمق الثقافي وسط زخم التغيرات السريعة والانفتاح على عوالم جديدة من التعبير. أما الفرصة فتتمثل في إمكانية استثمار هذه الثورات كنقطة انطلاق لاختراق آفاق جديدة، من خلال التجريب المستمر والتفاعل مع اشكال فنية متنوعة مثل المسرحة الشعرية، والمنطوق الشعري، والتقنيات الرقمية، التي يمكنها توسيع دائرة التلقي وجذب أجيال جديدة.

ان الشعر العربي، ليبقى حيويا وفاعلا، لا بد أن يكون مرايا تعكس تناقضات الواقع وتحديات الانسان المعاصر، معتمدا على ثراء لغته وعمق فكره، ومتحررا من القيود التي قد تعيق تدفق الابداع. بهذا المعنى، الشعر ليس مجرد كائن لغوي، بل هو فعل وجودي مستمر، ونضال دائم لاستكشاف الذات والعالم في آن واحد.

*-  كيف تفسرين ظاهرة منع روايتك في المغرب، في ظل كونها قضية رأي عام تمس حرية التعبير والإبداع؟ خاصة وأن المغرب يملك أفقًا حداثويًا نقديًا وروائيًا واضحًا، فمن هي السلطة التي نصبت نفسها وصيًا على التعبير الثقافي والمبدعين، وكيف تعامل الإعلام والمبدعون مع هذه الفضيحة الرقابية

**في الواقع، منع روايتي غوانتيندوف من الحصول على رقم الإيداع القانوني يطرح إشكالية عميقة تتجاوز حالتي الشخصية لتلامس بنية العلاقة بين السلطة الرمزية للمؤسسات الثقافية وحرية التعبير والإبداع في المغرب. فالإيداع القانوني، كما هو متعارف عليه، ليس مجرد إجراء إداري، بل هو فعل اعتراف مؤسساتي بالعمل الإبداعي، مما يجعله جزءا من حق المؤلف، ومن منظومة الحريات الثقافية التي يكفلها الدستور المغربي.

ما حدث مع روايتي يكشف، للأسف عن استمرار وجود آليات رقابية غير معلنة تمارس سلطتها من داخل مؤسسات يُفترض أن تكون حامية للإبداع لا مقيدة له. فالمكتبة الوطنية، بصفتها الهيئة المانحة لرقم الإيداع، تحولت في هذه الحالة من مؤسسة للتوثيق وحماية حقوق المؤلف إلى سلطة مانعة، وهو تحوّل نشاز يثير القلق لأنه يطعن في جوهر الوظيفة الثقافية للمؤسسات العمومية ويفتح المجال أمام ممارسة رقابية غير مأسسة ويضرب عرض الحائط الدستور المغربي الذي ينص على احترام الحق في التعبير.

الرواية المغربية، منذ بداياتها، لم تكن يوما محايدة أو منزوعة عن سياقها الاجتماعي والسياسي، بل كانت دوما مرآة للتناقضات وصوتا للتعبير عن المسكوت عنه. وبالتالي، فإن أي محاولة لكبح هذا الصوت تحت أي ذريعة هي انتكاسة لمسار طويل من الحداثة الأدبية والفكرية والحقوقية في المغرب. المنع، كيفما كانت صيغته، لا يمكن أن يُفهم إلا باعتباره تقويضا لحق المؤلف وانزلاقا نحو تقييد المجال الثقافي وتحجيم دور الأدب في مساءلة الواقع.

من موقعي كمبدعة، أرى أن هذه الحادثة يجب ألا تُختزل في بعدها الفردي، بل ينبغي أن تفتح نقاشًا عموميًا أوسع حول حدود الإبداع، ووظيفة المؤسسات الثقافية، ومكانة حرية التعبير في السياسات العمومية. إن الدفاع عن الحق في الكتابة والنشر لا يعني الدفاع عن نص بعينه، بل هو دفاع عن الفضاء الثقافي كفضاء للحرية والاختلاف والتعدد.

رغم الجمود الذي يَشُلّ اتحاد كتاب المغرب، لم تتوقّف الأصوات الحرّة عن رفع الكلمة والدفاع عن الحق في التعبير. فقد حظي الموضوع بدعم واسع من المبدعين والكتّاب، ومن فعاليات المجتمع المدني، إلى جانب أقلام حرّة عبّرت بوضوح عن موقفها الرافض لتكميم الأفواه ووأد الإبداع .

 

شارك مع أصدقائك