أفكار شائكة
عادل عطية
عالِم في علم الكلام!
لأننا أغنياء بأفانين القول؛ فقد تضمنت علومنا، علماً أُطلقنا عليه اسم “علم الكلام”!
أحببناه؛ حتى شكّلناه، ونغّمناه، وأسهبنا في استخدامه في أحاديث العنّعنة!
سقطتنا، أننا أعتبرناه علماً في الثرثرة والرطرطة، حتى أصبح كلامنا كأنه يتدفق غزيراً من “القاموس المحيط”، يجري على ألسنتنا، ويفيض، ويوشك أن يبرهن على أصابتنا بمرض، يسميه الخبراء النفسيون “السيلان اللغوي”!
لقد أدّمنا كثرة الكلام؛ حتى أصبح، في علاقاتنا الشخصية والإجتماعية، البدل والبديل، فبدلاً من تقديم وردة مُعبّرة لمن نحبه، نتحدث إليه بآلاف الكلمات المتناثرة عبر الهاتف الأرضي، والفضائي. وعوضاً عن القول “الله يسامحك”، لمن أساء إلينا، نقرأ عليه المئات من قصائد الهجو الصحراوية!
نعم، أدّمنا كثرة الكلام؛ حتى ضعنا من كثرته، فعندما نسأل على عنوان نبحث عنه، نجد من يتطوّع ليدلنا إليه، مستخدماً في ذلك كل الاشارات والاتجاهات الرئيسية والفرعية، فنتوه مرتين: مرة في كلامه المتهاطل، ومرة عن الوصول إلى مبتغانا!
نعم، أدّمنا كثرة الكلام؛ حتى صرنا “بياعو كلام”، نجيد عرضه، وتسويقه، واستهلاكه!
وحتى أصبحت صحفنا، مجرد “كلام جرايد”!
وحتى صار صوت الكلام، فوق صوت العمل المثمر!
وبعد كل ذلك نقول بعيون مفتوحة، وجريئة: “خير الكلام ما قل ودلّ”، ونهرب من الأشخاص الرغايين؛ وذلك لأننا نعرف أنهم يدخلون حياتنا، ويخوضون في الكلام الكثير فيما يعنيهم، وفيما لا يعرفونه!
ليتنا ننظف لغتنا من الأطناب والحشو والرطانة، ومن تشويش الذهن المختبيء خلف تراكيبنا اللغوية، والذ ي لم ينج منه أي كاتب!…