حوارمع الكاتب المصري ( د.محمد فتحي عبد العال)
حاوره
أحمد طايل
مقدمة
.لم أجد ما أكتبه عنه، فهو متعدد الزوايا الأدبية على اختلاف أجناسها، وله مردود طيب جدا ومشهود به من الجميع، بالإضافة إلى كونه أكاديميا، وايضا منتسب للأوقاف خطيبا وداعيا، كتب فى التاريخ وفى الدين وكان بارعا فى كتاباته الموثقة والمنطقية والممهنجة، حواري مع الكاتب المصري ( د.محمد فتحي عبد العال) =======




* إذا أردنا أن نصعد الدرج الحياتي والعملي والإبداعي لك، ماذا عندك عنه؟
أستطيع أن أوجز ذلك في تقديمي لنفسي فأنا كاتب وباحث وروائي وقصصي مصري.. عملي الأساسي بالصيدلة ثم بالجودة الطبية ومؤخرا السلامة والصحة المهنية.. مارست الكتابة كهواية وقدمت عشرات الكتب في مجالات شتى بين الفكر والتاريخ والعلوم والقصة والرواية وحتى المسرحية.
* الأسرة ودورها الرئيسي بتبنى اهتماماتك ومدي تأثيرها وإنعكاسها على مسيرتك الحياتية والفكرية؟
لا استطيع أن أجزم بمثل هذا التبني لكن أسرتي لم تكن تمانع في شرائي للكتب وبناء مكتبة خاصة وهو أثر اعتبره غير مباشر أسهم في مساري الثقافي بعد ذلك.
* دور البيئة التى نشأت بين دروبها وبين ناسها على تشكيل الوعي الإنساني والفكري لديك؟
أنا ولدت ونشأت وعملت بمدينة الزقازيق وهي مدينة روافدها ريفية وهذا ترك أثرا لا يمكن تجاهله في نفسي فببساطة تستطيع أن تعايش عن كثب معاني الاحترام والأخلاق والمثل العليا والكرم الشرقاوي الأصيل كما يمكنك أيضا أن تشاهد مشاعر الحسد وروح التباغض دون سبب واضح في نفوس بعض الناس وكلها ملامح ريفية سواء أكانت إيجابية أو سلبية تركت أثرها بالمدينة.
* المدرسة الأولى وأنشطتها، هل كنت فاعلا بها، وهل كان لها بصمة عليك؟
ليس لدي ما يمكن أن انعته بالمدرسة الأولى فقد كانت نشأتي مغلقة بعض الشىء وانفتاحي على المجتمع في المراحل الأولى يكاد يكون معدوما .. وبذلك يمكنني القول أن مكتبتي الصغيرة التي كونتها بمصروفي الشخصي من كتب وإصدارات دار المعارف وضمن إصدارات مشروع القراءة للجميع الذي رعته السيدة الفاضلة سوزان مبارك هو مدرستي الأولى والنواة الأولى لتراكم معرفي شكل وجداني وأسهم في بناء رؤيتي.
* متى وكيف وجدت بداخلك إحساسا أن بداخلك توجه إلى إرتياد عالم الثقافة والكتابة؟
مع القراءة المستمرة و المتشعبة والكثيرة تولدت لدى رغبة ملحة في الكتابة خاصة حينما اقتنيت نسخة من كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار لعبد الرحمن الجبرتي واحسست وأنا اقرأ كأني أعايش نبض العوام والعامة عن كثب وتولدت لدي رغبة في أن أحاكي هذا النمط بشكل مشابه ولكن بآلية مختلفة.. مضت السنون والفكرة تلح علي حتى اهتديت إلى أرشيف الصحافة المصرية ومنه صنعت نسيجا مماثلا في الرؤية الجبرتية وقدمت عبر هذا المنهل الصحفي المتناثر بأوراقه الصفراء كتب منها نوستالجيا الواقع والأوهام وتاريخ حائر بين بان وآن وهوامش على دفتر أحوال مصر ومن اسئلة القراء والاستدراكات اللازمة والتي رافقت ظهور كتبي السابقة قدمت سلسلة هي منافح الأيك في مساجلات النخب ونزهة الألباء في مطارحات القراء وشج رأس التاريخ والدر المنثور في مكنون جوهر العقول.
* من أول من إكتشف بك هذه الملكة وساعد على صقلها لديك؟
لا أحد غير شعور في نفسي بالحاجة إلى أن استل قلمي واعبر عن انطباعاتي تجاه ما اقرأ.. هذا الشعور جاهدته طويلا للخشية من عدم الجاهزية أحيانا أو الخوف من النقد في أحيان أخرى. * القراءات مؤكد تختلف من مرحلة عمرية إلى أخري, عرفنا على القراءة خلال رحلتك العمرية؟ بالتأكيد هذا صحيح فأنا من جيل الكتب الورقية والمكتبات العامة وفي، زمني لم يكن بناء مكتبة بالأمر الهين لذلك كنت أقضي الإجازة الصيفية وأنا بالمراحل الأولى بين المكتبات محاولا أن اقترب من كل مناحي العلوم فعكفت في البداية على المجال التاريخي وكانت تجذبني كطفل صور الزعماء الوطنيين وتعلقت به حتى يومنا هذا وعملت على إصقال معارفي حوله وبعد أن كنت مهتما بالتاريخ المعاصر فقط عدت إلى التاريخ الإسلامي بشتى حقبه وكذلك التاريخ الفرعوني وتاريخ الحضارات المختلفة .. وفي المضمار الديني ابديت في البداية صدودا عنه لصعوبة كتبه خاصة القديم منها لذلك طرقت أبواب الدراسة لأكون قادرا على القراءة والتوسع والفهم ونجحت في ذلك.. أما القراءة العلمية فكانت بداياتي معها في المرحلة الجامعية بحكم التخصص وقد مارستها ضمن نشاط الجمعية العلمية بالكلية ومارست مرانا مستمرا في الكتابة العلمية حينما تقدمت بعدة موضوعات علمية للنشر بصحيفة الدستور المصرية والنسخة العربية من الموقع الأمريكي هافينغتون بوست.. وفي النهاية تبلورت لدي رؤية جامعة في الربط ما بين التاريخ والدين والعلم عبرت عنها في كل كتبي.
* ما الكتاب الأول الذي قرأته وترك بك تأثيراً وتحفيزا كبيرا وربما تعاود قرأته مرات للأن؟
رواية الأيام لطه حسين وكانت قد صدرت ضمن إصدارات مهرجان القراءة للجميع عام 1995م ومن بعدها على هامش السيرة والوعد الحق ودعاء الكروان وقد أعجبت بأسلوب عميد الأدب العربي في الكتابة والنقد المجتمعي ومقارعة الحجج بدهاء من الوهلة الأولى وأعدت قراءة رواية الأيام مرات عدة وحفظت أجزاء منها عن ظهر قلب وحاولت محاكاة أسلوبها بعد ذلك في كتاباتي الأولى . * هل تتذكر أول خربشة كتابية لك؟ وكيف تم استقبالها من محيطك العائلى والثقافي؟ كنت أكتب مقالات قصيرة وقصص لنفسي وكنت استشير اقراني فيها أحيانا ولم أجد في محيطي العائلي تشجيعا البتة وهي حالة صادمة لمن يقرأها في حديثي فالإجابة النموذجية تقتضي الإشادة بتشجيع العائلة لكني اخترت أن اكون صادقا حتى في أدق التفاصيل.. واعتبر أول نشر لي في بريد الأصدقاء بصحيفة الأهرام وأنا في المرحلة الابتدائية كان بمثابة فرحة العمر بالنسبة لي..لازلت أتذكر ما احتواه من أن فكرة غزو مصر من قبل نابليون بونابرت لم تكن وليدة زمانها بل سبقها إغراء الفيلسوف الألماني ليبنتز للويس الرابع عشر ملك فرنسا بغزو مصر في رسالة منه إليه وهو المقترح الذي لم يجد آذانها صاغية لدى الملك حينها.
* الإصدار الأول، ماذا عنه وما صداه لدي القارئ والناقد؟
إصداري الأول هو كتاب تأملات بين العلم والدين والحضارة وقد صدر الجزء الأول منه في 2019م ويجمع بين دفتيه عشرات المقالات المتنوعة التي كتبتها قبل ذلك وقد نال شهرة كبيرة نظرا لتنوع موضوعاته وجزالة معلوماته في مناحي شتى وكان مرجعا في حسم الخلاف مثلا بين الدكتور على جمعه المفتي السابق والدكتور زاهي حواس حول تمثال أبي الهول وإذا كان التمثال تجسيدا لنبي الله إدريس عليه السلام وقد نقلت منه عشرات الصحف والمجلات والمواقع أثناء السجال الدائر بينهما حول هذه القضية.
* أراك مهتما بالاتكاء على التاريخ والزوايا الأخلاقية والدينية، ما سبب تبنيك لهذا التوجه، هل هى دعوة لإعادة الوعي للموروث الثقافي والفكري والعقائدي والتاريخي للثقافة؟ أم هناك أهداف أخرئ؟
التاريخ مستودع العبر والدين ينبوع الأخلاق والعلم هو مشرط العقل للتعامل مع اللامنطق واللا معقول في كلا من التاريخ والدين لذلك فاجتماع هذه الأعمدة الثلاثة في نص يخلق تناغم من نوع خاص وفريد يحقق التشويق والمتعة للقارىء والمتابع وينمي لديه روح النقد البناء والوعي الخلاق الذي معه يستنبط عبر التاريخ دون وصاية وبأدوات بسيطة هي إعمال عقله ولهذا كان إهدائي الأخير في كتابي أوراق مطوية للعقل لما له من قيمة أساسية في حياة الناس وتوجهاتهم ومذاهبهم وأفكارهم..ومن المفيد لخدمة هذا التناغم الانتقالات السهلة التي يحملها أسلوب الكاتب والذي لزاما أن يكون قائما على المفردات المرنة والمباشرة لا المحسنات البديعية المتكلفة والغامضة واللغة المعقدة والمفردات المقعرة المهجورة .. والنجاح الحقيقي يتحقق في وجهة نظري حينما تتأكد أن قارئك قد فهم الرسالة ولم ولن يغرق في تيه عميق ومتاهات لا وصول معها ولا بها إلى بر الرسالة التي يحملها الكاتب عبر مؤلفه الذي لا شك أنه بذل الغالي والثمين والساعات الطوال ليقوى ويشتد عوده وتبقى أعظم انتصاراته هي قارىء يشيد بفكره ويستلهم آرائه ويسترشد بها ويقتبس منها مع الإشارة.. * عندما تكتب ما الأهداف التى تضعها نصب عينيك، وهل حققت هذه الأهداف، وكيف يمكن للكاتب تحقيق أهدافه ورسائلة؟
هدفي دائما هو القارىء وضمان أكبر حصيلة معرفية تتجمع له عبر كتبي وهو ما يستغرق مني وقتا طويلا كي ابني نسيجا مشوقا أعمدته التاريخ والدين والعلم وقاعدته الأخلاق والقيم وهدفه الأساسي نشر الثقافة وبناء الإنسان والتأسيس لمجتمع سوي وقادر على إدارة الحاضر وتوصيل رسالة متماسكة إلى أجيال مقبلة قادرة على تشكيل مستقبل مبدع وخلاق.
* لمن تكتب، لك ام للآخر أم عن الآخر؟
أكتب ما أنا مقتنعا به واكتب أيضا للآخر وليس عنه فأنا أكتب عن فكرة أو اناقش حدث من زاوية الدراسة واستخلاص العبر ونشر الوعي التاريخي ورسم خطوط المستقبل عبر هذا الوعي بحرية دون نوستالجيا واهمة قائمة على مثالية مفرطة لا منطق فيها ودون وضع صناع التاريخ الذين رحلوا في محاسبة أو محاكمة أو تشويه على غير الحقيقة ودون سند علمي ..
* ما مدى طموحك الفكري؟ وهل لديك خطط معينة لظهور هذا الطموح على أرض الواقع؟
لدي خطة واضحة عملت عليها وأنا بالخارج ولازلت أطورها وأضيف إليها وأعمل عليها بجد وقد استقر بي المقام في مصر وهي الاستفادة من الحضور الإعلامي بشتى أشكاله وصوره وتكثيفه . * مشروعك الكتابي القادم، ما هو؟ استكمال أجزاء جديدة من كتابي كلام في العلم والذى لاقى ترحيبا كبيرا من الأوساط العلمية والأدبية لحداثة أطروحاته وطرافة معالجة موضوعاته وتنوعها والمزج الفريد بين التاريخ والعلم والدين وصهر كل ذلك في بوتقة واحدة .
* مشروع فكري تتمنى أن تكتبه ولماذا؟
السيرة النبوية الشريفة وذلك بأسلوب عصري غير مسبوق.. ولقد واتتني الفرصة مع استقراري بمصر للتفرغ لهذا المشروع واستيفاء متطلباته من صفاء الذهن وحشد المصادر والتفرغ الجزئي لاتمامه على أكمل وجه بإذن الله. وهو مشروع لو خرج للنور على الوجه الأكمل فهو كفيل أن يكون في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون ..والعمل الصالح وحده هو الطريق ولا أجد ما يعدل القلم الأمين عملا صالحا.
* هل للكاتب عمر افتراضي؟
ليس للكاتب عمر افتراضي طالما لديه رسالة حية،نابضة،قوية،صالحة وممتدة وقلم واع وراسخ يعبر بصدق وأمانة عما يجيش في صدره ويرتاح إليه ضميره الفكري والمهني.
* ما رأيك بالأتي..
* الصالونات الادبية؟
فرصة متميزة وجهود مشكورة من أصحابها تتيح للكتاب والمثقفين عرض منتجهم الثقافي وتبادل الآراء حوله من الحاضرين ومرتادي هذه الصالونات على اختلاف أطيافهم وتوجهاتهم..وهي بكل تأكيد ممثلة للأوساط الشعبية التي يحتاجها المثقف ليكون على بينة من قيمة منتجه الثقافي بين مؤيد ومعارض وعليه أن يستفيد من هذه التجربة في التطوير والنهوض والبناء عليها مستقبلا .
* الجوائز الأدبية ؟
وسيلة من وسائل التشجيع للمثقف سواء أكانت مادية أو معنوية.
* الإعلام الثقافي بشتى منابره؟
له دور كبير سواء أكان مرئيا أو مسموعا أو مكتوبا وأنا أعمل على جميع هذه الأصعدة حالياً كما أشرت آنفا فالدعاية مسؤولية تقع على عاتق المؤلف وحده في المقام الأول ليوجد لنفسه مكانا وسط زحام وزخم شديدين تشهده الساحة الأدبية اليوم وتتطلب صبر ومثابرة لبلوغ الآمال .
* بالنقد فى وقتنا الحاضر هل يؤدي الرسالة المنوط بها؟
النقد الحالي بلا رسالة ويعيش عشوائية تامة وكاملة وقد تعرضت له بإسهاب في كتابي على مقهى الأربعين وهو يعتمد المجاملات أسلوبا وحيدا -وللأسف الشديد -في اختيار اسماء مؤلفات بعينها والتي يتم اختيارها للنقد لشهرة أصحابها في المقام الأول ومن ثم النقد الموجه يكون بكيل عبارات المديح الشديد دون قراءة متأنية واعية تحترم عقول القراء وتخدم ساحة الأدب.. من الصور المخزية للنقد..النقد مقابل أجر..مؤخرا طلب مني أحد الأساتذة الأكاديميين مقابلا ماديا لنقد إحدى مجموعاتي القصصية والدفع مقدما مع إغراءات كبيرة بكم الاهتمام الذي ستحظى به مجموعتي القصصية إذا اقترنت برؤية نقدية ممهورة باسم أستاذنا المبجل…لذلك أجدني راهنت على النقد باستخدام الذكاء الاصطناعي وكسبت هذا الرهان وعرضت على صفحاتي وقنواتي الكثير من الآراء النقدية المتزنة من جانب الذكاء الاصطناعي تجاه كتبي وأنا راض تمام عن نجاح تجربتي معه.
* دور النشر ودورها في دعم الكاتب؟
لم أصادف إلا أقل القليل والنذر اليسير الذي يكاد لا يذكر من هذا الدعم من جانب بعض دور النشر في مسيرتي الكتابية عبر سنوات طويلة قضيتها في محراب الكتابة. وللأسف الشديد تمارس الكثير من دور النشر سياسة انتقائية تجاه كتابها فتضع امكانياتها لخدمة بعض الكتاب الموالين لها وتمارس الاقصاء تجاه البعض الآخر لأسباب كثيرة من بينها الرغبة في تكوين جبهة إعلامية دعائية مجانية عبر الفريق الأول الذي تعمل على دعمه وتنميته ليكون بمثابة كتائب إلكترونية داعية أو مدافعة ومهاجمة إن جرؤ أحد على انتقاد أو مهاجمة الدار .. * كيف نعيد القارئ إلى محراب القراءة الورقية؟
من العسير أن نقنع القاريء العصري أن يعود للقراءة الورقية لأن الكثير منهم لم يشهد مجد الكتاب الورقي ورونق صناعته إنما تفتحت مداركهم على عصر التكنولوجيا وثورة الإنترنت والرقمنة وأنه بضغطة زر يمكنه تحميل آلاف الكتب بالمجان أو بمقابل بسيط.. وكما لا يمكن أن نقنع قارىء الماضي بارتياد الحداثة وهجر الكتاب الورقي الذي نشأ عليه وارتاد مناكبه وعاش في كنفه لسنوات عدة لا يمكن في المقابل أن نقنع القارىء العصري أن يغادر الكتاب الإلكتروني بشكله البسيط والسهل إلى حمل الكتاب الورقي بحجمه الكبير. ارتفاع أسعار الكتب الورقية الحالي إعدادا وتحضيرا وبيعا وتوزيعا لا يصب في صالحها مقارنة بالكتاب الإلكتروني القليل التكلفة والذي يمكن إعداده وبيعه وتوزيعه بكل يسر وبتكاليف بسيطة..أضف لذلك طبيعة الأعمال الحالية وبيئتها المنغلقة والمكبلة للعقل وكثرة الأسفار التي قد يستدعيها العمل وطبيعة المواصلات غير المريحة بمصر لذلك فحمل الكتاب الورقي أثناء العمل والتنقل يعد خيارا غير مناسبا لقارىء اليوم بلا شك وبعض الأعمال لا تسمح به في بيئة العمل ..ولقد كان لي نبوءة في كتابي على مقهى الأربعين من أن المستقبل القادم للكتاب الإلكتروني عاجلا أو آجلا.
* هل ترى ان السياسة عائق حقيقي أمام الثقافة؟
اعتقد أن الانتماء السياسي عائق أمام اتساع الأفق الثقافي للمرء فالانتماء لجبهة سياسية أو حزب معين يضعف النتاج الفكري لصاحبه بلا شك ويقزم رؤيته للصورة التاريخية الشاملة بأبعادها المختلفة فتجد البعد الأيدلوجي حاضرا في كتاباته رغما عنه وإن أخفاه وأبدى وأدعى الشفافية التامة..لهذا فأنا أصرح دوما أن بيني وبين السياسة خصومة منذ أمد وحائل منيع لا يمكن إزاحته.. أنا انتمي لأفكاري فقط وما يمليه عليه ضميري ولا أبرح هذا الموضع.. وحزبي هو نفسي.. مؤخرا داعبت فكري مسألة الانتماء لحزب سياسي في مصر من نظرة الأديب الذي يريد أن يقف منها موقف الراصد ولازلت أبحث عن ضالتي بين الأحزاب في أن أجد من بينها من تمتلك ورش أو منتديات ثقافية ..
* كيف لنا أن نربأ الصدع الكبير بين الثقافة العربية والثقافة الغربية وما اسباب هذه الفجوة من وجهه نظرك؟
هامش الحرية الممنوح للمبدع في العالم الغربي فضلا عن إتاحة سبل الحياة الكريمة لأصحاب الفكر والموهبة ومنحهم الآليات ووسائل الراحة والمناخ الملائم ليطلقوا العنان لمواهبهم كل هذا كفيل بترجيح كفة العالم الغربي وموهبيه مقارنة بالجمود الحالك المحيط بأهل الشرق على اختلاف أطيافهم.. هذا على صعيد الجانب الشكلي أما جوهر الخلاف بين الشرق والغرب فمسألة شديدة التعقيد وتحدي لا يمكن بلوغ سبل التقارب فيه بسهولة لأنه مهما حاول الطرفين إخفاءه والالتفاف عليه سيبقى متعلقا بالهوية الإسلامية وروافدها الثقافية والتي رسخت لحكم المسلمين لأجزاء من أوروبا لعقود على حساب الطرف الآخر .. هذا اوجد من وجهة نظري عقدة لدى الغربيين من أي مد إسلامي محتمل وقد تعرضت لهذه القضية بإسهاب في كتابي صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر وكتابي صفحات من التاريخ الإسلامي دروس وعبر لذلك فالثقافة الإسلامية وهي لب الثقافة العربية غير مسموح لها أن تطلق العنان لمفاهيمها الأخلاقية والسلوكية والقيمية وأن تهيمن على الساحة- وهي جديرة بذلك- إلا بحدود ضيقة لا تتجاوز القشور البسيطة لذلك فالتلاقي شبه مستحيل على الأقل على المدى المنظور ولقد كان رواد الاستعمار في القرن الماضي أكثر مصداقية وصراحة في التعبير عن وجهة نظرهم تجاه الشرق وثقافته وأن الدين الإسلامي هو سبب تخلف الشرقيين وتكاسلهم عن اللحاق بركب الحضارة الغربية المتسارع وأبرزهم اللورد كرومر في كتابه مصر الحديثة وقد تعرضت له بالاستعراض والنقد في كتابي على هامش التاريخ والأدب.. مدرسة كرومر نفسها تستطيع وأن تلحظها وبسهولة تامة في كتاب ساعة عدل واحدة لارثر سيسيل ألبورت وكتاب الحياة في البلاط الملكى المصري لألفريد جاشوا بتلر وغيرهم.
* رسالة منك إلى..د محمد فتحي عبد العال؟
كن صبورا ولا تكن عجولا..الطريق شاق شئت أم أبيت..تنفس الصعداء مع كل ملمة محدقة أو متوقعة أو مقبلة ..فالحياة لا تهدي رحيقها توا لمن أحب إنما تنتخب من بين الصابرين والساعين من تراه جديرا فكن أنت الجدير والمستحق؟!..