مصير مجهول…. زينب الفضالي

شارك مع أصدقائك

Loading

مصير مجهول

زينب الفضالي
مصر

قال أحدهم والغضب يكاد يفتك به:
لا أتصور أبداً أن يتركونا هكذا!
رد عليه صوت ضعيف باكي من بعيد:
هذه هي الدنيا ..! دوام الحال من المحال..

رد آخر متعجباً:
أظن انكما تهولان المسألة!
رد أكبرهم حجماً بغيظ وحنق:
نهول المسألة !! كيف؟ وقد سمعناهم بالأمس يتفقون على اخلاء
بيتنا الخشبي منا وطردنا منه واستبداله بأشياء أخرى أحسن شكلاً كما يدعون ..!
ترى إلى أين سيكون مصيرنا؟
ثم أكمل بحسرة:
ما الذي لا يعجبهم فينا؟! لماذا لا يبقون علينا؟
ألسنا أصحاب فضل عليهم وعلى أبائهم واجدادهم؟!!
أهذا هو رد الجميل؟!
أليس هذا بالظلم البين؟!
أين صديقنا الطيب؟
هو الوحيد الذي يستطيع ايقاف هذه المهزلة!

جاء الصوت الضعيف الباكي وهو على وشك الانهيار:
نعم هو الوحيد الذي كان بيده إنقاذنا من مصير مجهول ينتظرنا..

فهتف كبير الحجم:
إن رحيله المفاجئ لفجيعة كبيرة لنا جميعاً
لم نتسطع تجاوزها رغم مرور شهوراً طويلة..
ثم بكى وبكى الجميع..

وقال أخر بصوت رزين:
الأدهى انه تركنا لهؤلاء الأبناء القساة..كم تحملنا اهمالهم وسخريتهم ثم ختموها بهذه المؤامرة الحمقاء!!
قالت أخرى بآسى وحسرة:
كنا نتمنى أن يقدرونا ويقدروا قيمتنا ولكننا في نظرهم للأسف مجرد أشياءًا لا قيمة لها..
قال أحدهم مندفعاً بغضب:
يالهم من جهلاء..أغبياء..ألا يكفيهم أنهم تركونا نعاني كل هذه الفترة الطويلة من الاهمال والوحدة حتى تراكم علينا كل هذا التراب وأصبحنا على هذا الحال المزري!
قال آخر بحزن عميق وحنين صادق:
اتذكرون صديقنا الراحل ..كم كان حريصاً علينا محباً لنا..

وهتف آخر بنبرة باكية منتحبة:
كم نفتقده ونفتقد صحبته الطيبة..وسهراته بيننا
كان رقيقاً..عاكفاً علينا..يعاملنا باحترام وتقدير
يفضل صحبتنا على أي صحبة أخرى
كم أئتنس بدواخلنا وأفكارنا وكنا دائماً محور أهتمامه وأحاديثه..

وبينما يبثوا أحزانهم وشكواهم لبعضهم البعض..
وإذا برجال أشداء ينهالون عليهم جذباً ونزعاً ورمياً وألقوا بهم في حاويات كرتونية كبيرة..
صرخوا..استغاثوا ولا مغيث..حتى قال أحدهم معزياً بنبرة تحاول أن تكون متفائلة:
صبراً أيها الرفاق لعل الأيام الآتية تحمل لنا الخير!
وبعد وقت ليس بقصير كانوا كلهم قد أنتزعوا من بيتهم الخشبي الأنيق وتكدسوا فوق بعضهم البعض في فوضى موجعة ومهينة..وبدا بيتهم الخشبي موحشاً فارغاً من دونهم
فبعد أن كانت تعلوه الهيبة والوقار أصبح عارياً بائساً أمام الجميع…

قال كبيرهم وكانوا قد أختصوه بحاوية منفصلة بعد أن انشغل عنهم الرجال:
أيها الرفاق سنتفرق الآن
ثم هتف بتأثر بالغ:
أوصيكم بالأمل ..فنحن أصحاب رسالة لمن يقدرنا ويقتنينا ويحاول فهمنا..
أرجو لكم ولنفسي السلامة ..وداعاً..
ثم جاءت فجأة يد حملته بعيداً.. وتوالت الأيدي الخشنة المتربة على الحاويات يحملونها في همة محدثين هرجاً بصيحاتهم العالية وأصواتهم الجهورية وألقيت نكات بذيئة وضحكات وقحة حتى أمتلأت العربة عن آخرها ورأوا بيتهم يتبعهم على عربة أخرى فسمعت آهات مكتومة
واستقرت في القلوب حسرات حارقة..التصقوا ببعضهم البعض في خوف وجزع، وأحتضن كل منهم صفحاته حرصاً عليها في ارتعاشات مؤثرة ..ولَفَهم صمتٌ ثقيل..وأخذ كل منهم يفكر في مصيره المرتقب .. فإما أن يكون محظوظاً فيعيش مقدراً بين يدي أحد الكرماء وإما أن يتلطم لقيطاً مترباً على أرصفة الشوارع ينتظر من يشتريه، أو يبقي ما بقى من عمره مغموراً تائهاً بين زحام الرفاق القدماء وضجيج المارة على أحد رفوف سور الازبكية ينتظر من يكتشفه، أو ينتهي به الحال – النهاية التي يخشاها الجميع – ممزقاً مهترئاً لتتحول صفحاته إلى قراطيس تتشرب زيوت الطعمية والبطاطس في أحد الأحياء الشعبية…

 

 

شارك مع أصدقائك