أستراليا على حافّة التحوّل : انتخاباتٌ حاسمة
سفانة الديب
تدخل أستراليا مجدداً في موسم الانتخابات الدورية في ظاهرها ، والفارقة والمتحولة في جوهرها ، ولاسيما في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية للبلاد.
ففي الثالث من مايو 2025، لن يكون الأستراليون أمام مجرد انتخابات فيدرالية جديدة ، بل أمام لحظةٍ مصيرية ، قد تعيد رسم ملامح السياسة الداخلية والخارجية لعقود قادمة ، فما يجعل هذه الانتخابات استثنائية بكل المقاييس ، أن قضايا مثل الطاقة ، الأمن ، وتكاليف المعيشة ، والأزمات الحياتية ، هي اليوم أكثر اشتعالًا وأولوية من أي وقت مضى ، في بلد يُعد من أكثر الديمقراطيات استقرارًا في العالم، فهموم المواطن الأسترالي اليومية في قلب هذه الانتخابات، هي عناصر لا تقل أهمية عن الطاقة والدفاع . وهنا تتنافس الوعود الانتخابية بين تخفيضات ضريبية، برامج الدعم ، والإصلاحات في سوق الإيجارات وغيرها .
وما أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة تبيّن أن الناخب الاسترالي لم يعد يكتفي بالشعارات ، بل يريد خططًا ملموسة ، وشفافية تنعكس على حياته بكل أبعادها .
وهنا يبرز صراع العمال والأحرار .. حزب العمال بقيادة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي والائتلاف المحافظ بقيادة بيتر داتون، في معركة قد تعطي شكلاً جديداً للسلطة في البلاد ، وتجعل من هذه الانتخابات نقطة تحولٍ حقيقي ومصيري .
وفي تفاصيل المنافسة ، يراهن حزب العمال على سجله في تحسين خدمات الصحة والتعليم ، ومواجهة التغير المناخي، بينما يعتمد حزب الأحرار على خطاب الأمن والاستقرار الاقتصادي ، وخفض التكاليف عن الأسر والشركات .
وهو مايحول كل من الصحة، والاقتصاد، والهوية الوطنية إلى ساحات مواجهة مباشرة بين مشروعين سياسيين يمثلان رؤيتين متباينتين لأستراليا المقبلة .
ولكن مايميز هذه الانتخابات أيضاً انه هناك قوة ستكون بيضة القبّان وستلعب دوراً حاسماً في تشكيل الحكومة المقبلة وهي الأحزاب الصغيرة والمستقلون حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن حوالي عشرين بالمئة من الناخبين يفضلون التصويت لأحزاب صغيرة أو مستقلين وهذا يزيد من احتمالية فوزهم وتأثيرهم في البرلمان ، وبالتالي مع تقارب النتائج المتوقعة بين حزب العمال والائتلاف قد لا يتمكن أي منهما من تحقيق أغلبية مطلقة .
فمثلاً بعض الأحزاب الصغيرة، مثل حزب الخضر، قد تفرض شروطًا لدعم تشكيل الحكومة، مثل تبني سياسات بيئية أكثر صرامة وغيرها من التفاصيل .
إذاً الأحزاب الصغيرة والمستقلون ليسوا فقط جزءًا من المشهد السياسي، بل قد يكونون العنصر الحاسم ليس في تشكيل الحكومة المقبلة فحسب بل بتحديد سياساتها أيضاً .
في الحقيقة هذا اختبار حقيقي لهوية أستراليا القادمة: هل ستكون أمة أكثر خضرة وانفتاحًا، أم أكثر حذرًا وتقليدية ؟ هل تختار التحول، أم تثبّت أقدامها في واقعية محسوبة؟
عالمياً تأتي هذه الانتخابات في سياق إقليمي ودولي مضطرب وموقع أستراليا الجغرافي يجعلها في قلب التوترات الجيوسياسية في المحيطين الهندي والهادئ. ومع تصاعد التنافس الصيني-الأمريكي، تزداد الضغوط على صناع القرار في كانبيرا للانحياز بوضوح ، ولا سيما بعد اتفاقية “أوكوس” الأمنية ، التي أثارت نقاشاً وطنياً حول السيادة، والأمن، والهوية الاستراتيجية للدولة ، فأي أستراليا ستخرج من هذه الصناديق ؟ أصوات الناخبين اليوم ليست مجرد أوراق في صناديق الاقتراع ، بل هي ثمثل قوة فاعلة ومؤثرة ، توجّه من سيقود البلاد في زمن عالمي تحكمه الصراعات والنزاعات ويسوده الاضطراب .
إذاً بدأ العدّ ا