الطريق إلى طنطا
فاضل العباس
شاعر وكاتب عراقى
محطات السفر تترك فينا موجعات الذكريات وتنكأ جراحا في الأثر . الوافدون أو الراحلون للمدن ومنافي الاوجاع والمسرات منْ يحملون الخيبات والمستسلمون لقيود الزمن المترع بالقساوة ، والمتباهون باللذة في حواس الجسد. هنا يجتمع الخصوم والتناقضات فتتساقط الايام في خُرف الأعمار. ( محطة السلام) ملتقي العشاق على موعد أول والمتفرقون بوداع أخير، ضبيات البرية يتوافدنَ باتجاهات وعيون شاردة أنهن فرعونيات مصر ، هنا تجد كل الوان الجمال الملائكي الكوني ما لا تحجبه الشمس،في أهرامات مصر بين الخمري والثعلبي والثلجي والحنطي، تلعب الريح بكفوفها بشعرهن فترقص به في الاتجاهات الاربعة للكرة فتأخذه بعيداً عن الأجساد الشمعية .العيون أسرار تحملها الصبايا الجميلات ، أسئلة صعبة بلا أجوبة بين حسناوات وسيدات الالوان، الازرق يفوز يليه الاخضر والعسلي وو من شتى ارض الدنيا . طعم الارض والدم الفرعوني أمتزج بما حملته سفن الأسكندر من عسكره وصديقاتهم ثم لحقه نابليون بونابرت بسفن الجمال الفرنسي. كنت لهثا ابحث عن الباصات الصغيرة المتجهة لطنطا احمل اسمها واجهل معناه لكن اتذكر أن في الفلم المصري هي الأم.، لكن العم الرهيب جوجل اخبرني:( اسم قديم في التاريخ منذ آلاف السـنين…. أطلق عليها الفراعنة اسم { تناسو } وكانت إحدى بلاد المقاطعة الخامسة من مقاطعات الوجه البحري في مصر الفرعونية. في القرن الرابع قبل الميلاد أسـماها الأغريق { تانيتاد } ولما آلت مصر إلى الرومان عرفت باسم { طنتثنا }). هي من المدن القديمة ذكرها أميلينو فى جغرافيته فقال: إن اسمها القبطي Tantatho طنتاسو، وذكر جوتبيه فى قاموسه ناحية باسم .Tantnoقال: إنها ناحية من نواحي الدولة القديمة غير معينه ولم يرجعها إلى ما يقابلها من القرى الحالية . ومن ينظر إلى اسم Tantantويقارنه بالأسماء العربية القديمة الاتي ذكرها لمدينة طنطا هذه يتبين له بكل وضوح أن هذا هو الاسم المصري القديم لهذه المدينة .كانت قبل الإسلام أسقفية كبيرة ذات مركز سام يحكمها أسقف خارج عن سلطة البطريركية. وأصبحت في صدر الإسلام حكمدارية بها دار الحاكم وعساكره وكانت عامرة بالسكان وبها عدة أسواق وجوامع أشهرها جامع البوصة والمرزوقي. وفي عصرنا الحالي هي عاصمة محافظة الغربية وتقع في قلب دلتا النيل، وتتمتع بشهرة دينية وتجارية. وبها قرية خرسيت الفرعونية وكان اسمها خورست – أرض عبادة الالهة ست عند الفراعنة – إله الشر. وبها مسجد العمرى (بنى مع الفتح الإسلامي وبها قرية تلبنت قيصر والتي كان بها قلعه للرومان الذين كانوا يحتلون مصر قبل الفتح الإسلامي. زادت أهميتها منذ أن نزلها واستقر بها القطب الكبير السيد أحمد البدوي شيخ الطريقة الأحمدية. ويرجح اللغويون ان معنى طنطا من؛أطَّنَى الشجرَ أَو ثمرَ النخل،وأطنأ :ما ل. وطنطا من طنى يعني التُّهَمَةُ، والرَّمادُ الهامِدُ، والمَرَضُ، وغَلْفَقُ الماءِ. وكل هذه المعاني لاتصل بصلة لاسم المدينة كما أظن. وهناك من يرجعها الى علو الصوت اي الطنين من شهرتها بدق النواقيس. الزمن هنا عندي اعده بالساعات اسابقه ليمنحني فرصة للنجاة والوصول لمبغاي في طنطا يدق الهاتف من صديق قريب للقلب انه الروائي احمد طايل في انتظاري. في قلبي الكثير من صناع الجمال في مصر من السيد حافظ وجابر بسيوني والسيد شليل واشرف الخضري وابراهيم محمد وحمور زياد واحمد عبد النعيم والمعذرة من عدم السعة في ذكر الآخرين، لكن هذه المرة أنه احمد طايل القريب للقلب. في هذا الثراء والنعيم الذي انا فيه عشقت مصر منهم . السيارة تلهث كالحفاة ومشاهد السهول الخضراء تلتف يمينا وشمالا من حولي .ألتفت ليمن زجاج السيارة كانت هناك صبية تشدني لجمال وصفاء ونقاوة بشرتها وأنوثتها متوقدة تبسمت لعجوز مثلي، ربما ادركت حراجة النظر والتدقيق بتفاصيل الجسد وتضاريسه .خجلت وطرحت الإحتمال الثاني أنها كانت تشعر أني استحق العاطفة. مالت برأسها على زجاج الباص فاغمَ على شعرها ليسقط طريحا مغطيا إنارة وجهها البلوري. المدن نهايات بلا نهايات عيوننا من تنقل صورها ونحملها في أذهلننا . إلى مدن اخرى وأزمنة قادمة . المكرو باص يسرع هذا ما يتميز به سواقين النقل العام وصاحبي يرن عليّ مستفسراً عن مكاني ليتفق مع السائق بمحطة الوصول. كان كبري جابر هو مكان الانتظار وفعلا كان الروائي احمد طايل بسيارته (نصر)في انتظاري انه احمد طايل البسيط المتواضع الكريم المحمل بجمال الروح وخفتها ، هاهو يحضنني اخا مشتاقا للقاء. في السيارة قدم لي منهاج الرحلة بين التنقل في معالم المدينة لنبدأ بزيارة مكتب الحاج فؤاد بدران لعسل آل بدران وهو يصدر منه لشمال العراق ثم السيد البدوي وقدم رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم و ومقهى ليمونس الذي كان ولازال يجلس فيه كبار الادباء والمفكرين والفنانين كمصطفى صادق الرافعي ومحمد فوزي. و بعد شرب الشاي عدنا للسيارة ليكون لنا موقف ظريف ان يطلب منا احدهم ثمن وقوف السيارة (كراجية).تحركت السيارة في طريق باتجاه قرية مسقط رأس الروائي وهي مشهورة بإنتاج العسل ليكون الغداء في قرية (حصة شبشبر) عند دار الحاج أحمد أبن شقيقة الاستاذ، وهنا القى ترحابا جما ومائدة من الرز الفلاحي واللحم والفطير المشتت والجبنة القديم والقشطة انها ملذات الله ونعمه وجمال الوجوه لنحمل بعدها معنا اكياسا محملة بخيرات القرية. عدنا للسيارة لنزور مقابر الاهل والاحبة من كبارها ونتواسى عليهم ولنغادر وهي تلهث بعيدة عن القرية وطنطا لأودع المضياف بعد ان اصر على توصيلي لباب الباص.عادة السيارة وانا التفت خلفي استعرض وجوه من قابلتهم وقلوب من استوطنتهم . واسال من هؤلاء الناس ومن أنا لأحظى باهتمامهم؟