لم تكن السينما المصرية في الخمسينيات والستينيات مجرد صناعة أفلام، بل كانت ساحة مفتوحة لصياغة صورة الرجل المصري كما لم يكن يُرى من قبل. خرجت السينما من نمط الرجل التقليدي، الفلاح البسيط أو الموظف الطيب، إلى مساحات جديدة، إلى رجالٍ من نوع مختلف، رجال يمثلون شكلا آخر من الرجال الذين يشكلون أحلام النساء كما يشكلون مخاوف الرجال في المنافسة على المساحة العاطفية، رجال يصنعون الأسطورة داخل وخارج الشاشة.
الصورة الأولى هي صورة رشدي أباظة الفتى السيئ، الذي لا تستطيع النساء مقاومته حتى وهن يعرفن أنه سيحطم قلوبهن. الثانية هي صورة عمر الشريف الوجه الرومانسي، الحالم، النبيل، الرجل الذي يمكن أن تسلم المرأة له قلبها دون خوف. الصورة الثالثة هي لأحمد رمزي المراهق الذي لم يكبر، الفتى اللعوب الذي يعيش بلا حسابات، الجسد الذي يسبق العقل دائمًا. أما الصورة الرابعة هي صورة شكري سرحان الرجل الجاد، القادم من الأرض، المتجذر في الواقع، الأخ، الزوج، الحبيب الذي لا يسهل عليه الخيانة.
أربعة رجال، أربعة أنماط مختلفة، كل منهم يمثل وجهًا مختلفًا للرجولة، وكل منهم أصبح حلمًا مختلفًا للنساء، ومثالاً مختلفًا للرجال في المنافسة العاطفية على النساء.
رشدي أباظة.. الفتنة الخطرة، الغواية التي لا تقاوم
لم يكن رشدي أباظة يشبه أحدًا. فلم يكن ذلك الفتى الطيب الذي يقع في الحب ببراءة، ولم يكن الفارس النبيل الذي يعيش من أجل امرأة واحدة. بل كان الرجل الذي العصي على النساء لكنهن لم يستطعن التوقف عن الحلم به. فهو لم يكن رومانسيًا مثل عمر الشريف، لكنه كان مغريًا بطريقة لم تكن بحاجة إلى عاطفة. لم يكن شبابيًا طائشًا مثل أحمد رمزي، لكنه كان يعرف كيف يسكر، كيف يرقص، كيف يمارس الحب، وكأن كل شيء في العالم وُجد من أجله. لم يكن واقعيًا وعميقًا مثل شكري سرحان، لكنه كان قادرًا على أن يبدو كما لو أنه يعرف سر الحياة، سر المتعة، سر الوجود. كان رشدي أباظة ذلك النوع من الرجال الذين تعرف المرأة أنهم قد يخونوها، لكنها تحبهم رغم ذلك. فهو الرجل الذي يمكن أن يهجر امرأة في الصباح، لكنها ستنتظر عودته في المساء. فهو الدونجوان، البحّار، المغامر، الرجل الذي لا يخضع لأحد، ولا يبقى مع أحد، لكنه يترك أثره على الجميع.
عمر الشريف.. الأمير النبيل، الرومانسية الهادئة
إذا كان رشدي أباظة هو الرجل الذي يكسر القواعد، فإن عمر الشريف هو الرجل الذي يضع لنفسه القواعد، ثم يلتزم بها باحترام. كان الوجه الرومانسي للسينما المصرية، الحبيب الذي تحلم به النساء، العاشق الذي لا يخون، الذي لا يجرح، الذي لا ينسى. كان رجلًا يشبه الأساطير الأوروبية، ليس فقط بسبب وسامته الهادئة، بل لأن عينيه حملتا حزنًا غامضًا، عاطفةً مكتومة، حبًا لا يحتاج إلى كلمات ليُفهم. كان عكس رشدي أباظة تمامًا:
فإذا كان رشدي أباظة هو العاصفة، فإن عمر الشريف هو النسيم. إذا كان رشدي أباظة هو الخطر، فإن عمر الشريف هو الأمان، إذا كان رشدي أباظة هو المغامر فإن عمر الشريف هو الأمير، لذلك، رشدي أباضة هو حلم النساء في السهرة لكنهنّ يرغبن الزواج من عمر الشريف في الصباح.
أحمد رمزي.. الفتى الشقي، طاقة الشباب، الجسد الذي لا يهدأ
كان أحمد رمزي يمثل جيل الشباب الذي لا يهتم بالقواعد، لا يخشى المستقبل، لا يفكر في العواقب. فإذا كان رشدي أباظة يمثل الإغواء الرجولي، وعمر الشريف يمثل الحب الرومانسي، فإن أحمد رمزي هو الولد المشاغب، الولد الذي يجعلك تضحك، الولد الذي يعرف كيف يعيش اللحظة بلا حسابات. لقد أتقن هذا الفتى المبتسم أدوار الفتى الشقي، الرياضي، الطالب الجامعي الذي يركب دراجته النارية، الذي يسهر حتى الفجر، الذي يغازل الفتيات ببراءة، الذي يهرب من الحب لكنه يقع فيه دون أن يدري. فالجسد هنا هو الأكثر حضورًا من العقل في شخصيته السينمائية، لم يكن عميقًا مثل رشدي أباظة، ولم يكن رزينًا مثل عمر الشريف، لكنه كان ذلك الفتى الذي تريد الفتيات أن يقعن في حبه قبل أن يكبرن، قبل أن يتزوجن، قبل أن يتحول الحب إلى مسؤولية.
شكري سرحان.. الرجل الحقيقي، العمق والواقعية
وأخيرًا، كان شكري سرحان مختلفًا عن الثلاثة. لم يكن مغامرًا مثل رشدي أباظة، لم يكن حالماً مثل عمر الشريف، ولم يكن ممثلاً لطيش الشباب مثل أحمد رمزي. فهو الرجل الذي يشبه الرجال الذين يعيشون بيننا، الرجل الذي يمكن أن تراه في الشارع، في المصنع، في البيت. فهو يجسد الرجل الجاد، الصادق، الذي لا يلعب، الذي لا يتلاعب، الذي يحب بصدق، ويقاتل من أجل حبه. كان قويًا لكنه لا يُظهر قوته، عاطفيًا لكنه لا يغرق في الرومانسية، كان وسيمًا لكنه لم يعتمد على وسامته. فهو الأكثر صدقًا، الأكثر واقعية، الأكثر إنسانية. لم يكن نجمًا بنفس بريق رشدي أباظة، لكنه كان الرجل الذي تصدقه النساء. الرجل الذي لا ينتمي إلى الأحلام، بل إلى الحقيقة.
ختامًا.. أربعة رجال، أربعة أحلام، أربعة وجوه للرجولة المصرية
رشدي أباظة هو الأسطورة التي لا تُمسك، الرغبة التي لا تكتمل، الرجل الذي لا يُملَك. أما عمر الشريف فهو الأمير الحالم، العاشق الذي لا يُنسى، أما أحمد رمزي فهو الفتى الطائش، الشاب الذي تعيش معه المرأة مغامرة الحب الأولى، لكنه لا يبقى طويلًا. أما شكري سرحان فهو الرجل الحقيقي، الذي يمكن للمرأة أن تعتمد عليه، الذي يمكن أن يكون شريكاً حتى النهاية.
كل واحد منهم كان حلمًا مختلفًا لامرأة مختلفة، ورمزًا مختلفًا لعصر مختلف. ولو اجتمعوا في فيلم واحد، لرأينا كيف تتعدد أشكال الحب، وكيف يختلف الرجال، وكيف تظل النساء في النهاية، عالقات بين الحلم والواقع، بين المغامرة والأمان، بين العشق والتملك.



All reactions:
Rasmai Mohibes, عبدالسادة البصري and 15 others