حوار مع
د.محمد تركي الدعفيس
حاوره
أحمد طايل مصر
هو كاتب سوري مقيم بالسويد، كتب المقال والقصة والرواية وتفاعل مع الثقافة السورية والثقافة الغربية ولهةبها تمايز واضح. حواري اليوم مع .. د.محمد تركي الدعفيس
اضاءة
دمحمد تركي الدعفيس
“أن يذهب مقص الرقيب إلى الصدأ”.. هذا هي التوصية الأولى التي سيوصي بها أو يتخذها الروائي السوري محمد تركي الدعفيس لو قيّض له أن يتولى منصبا هاما مؤثرا بالثقافة، فيما بدا أنه دعوة مفتوحة نحو مزيد من أفق الحرية أمام الإبداع. والدعفيس الروائي الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية عن روايته “مدينة يسكنها الجنون” متعدد النشاطات الثقافية والأدبية بل هو واحد من نسيجها، يعمل بالصحافة، ويعمل بالإذاعة، وله العديد من الإصدارات المهمة. وفي حوارنا معه، يعرج إلى العتبات التي انطلقت منها تجربته الحياتية والإبداعية، كما يرفض الحديث عن القدوات في الأدب، حيث يرى أن كل عمل قرأه ترك أثرا، سواء تحريضا أو صدّا، كما يجزم أن علاقة الثقافة العربية بالغربية لم تعد ثنائية ضد، وأن الفضاء الثقافي والفكري يرزح تحت ضغط الاستقطاب، ومعاناة المؤسسات الثقافية من نقص التمويل وضيق أفق الرقابة والتضييق. ـــــ السيرة الذاتية ـ محمد تركي الدعفيس ـ روائي سوري، عضو اتحاد الكتاب العرب ـ فاز يجائزة كتارا للرواية العربية 2023 ـ خريج كلية الحقوق في جامعة دمشق ـ يعمل في الصحافة والإعلام منذ عام 1986 ـ صدر له: “مدينة يسكنها الجنون” رواية ـ فازت بجائزة كتارا للرواية العربية 2023. “البلم” رواية، عن دار ذات السلاسل الكويتية 2018. (القائمة الطويلة لجائزة الخطلاء، مبادرة إيجاز للغة العربية) . “هي والراهب” رواية، عن دار مدارك السعودية 2016 . “قوافل الريح” رواية، عن الدار العربية للعلوم اللبنانية ناشرون 2017 “الرصاصة تقتل مرتين” رواية، عن مؤسسة الانتشار العربي اللبنانية 2014 “رحيل” مجموعة قصصية، عن دار الأدهم المصرية 2014 . “لا وقت للحلم” قصص قصيرة جدا، عن دار الأدهم المصرية 2014
* إذا أردنا أن نمر على عتباتك الحياتية والعملية والإبداعية، ماذا لديك؟،
خذنا برحلة إلى مكان النشأة الأولى والحكايات التي ترسخت بوجدانك، حدثنا عن البيئة والأجواء الأسرية ومحيطك المجتمعي الذي كان له الأثر الأكبر بتكوينك الفكري؟
ـ الحياة عتبات متتالية، تُسلمنا إحداها إلى الأخرى، فنوغل فيها رويدا رويدا، وحين تتاح لنا فرصة لالتقاط الأنفاس يصعقنا ذاك المدى الذي قطعناه زمنيا دون أن ننتبه، وذاك القدر من الأيام والتجارب الذي تراكم ليجعل منا ما نحن عليه الآن. وحين أذهب بعيدا، أصادف ذاك الطفل الذي كنته قبل نيف ونصف قرن، وأتذكر تلك الدهشة الأولى، حين كنت أرى ذاك الرجل، يجلس في ركن غرفته، يحمل بين كفيه كتابا، وعلى عينيه نظارة، ويلتهم السطور والصفحات بلا توقف. بالكاد أتذكره بلا كتاب يطالعه.. ذاك الرجل، كان أبي. في بيتنا تراكمت الكتب، كانت تنتمي إلى صنوف شتى، كتب في التاريخ والفلسفة والأديان والسياسة، تزدحم إلى جانبها الروايات ودوواين الشعر، وترتفع فوقها بقليل لوحات لمخطوطات مكتوبة بالرقعة والنسخ والديواني وغيرها تحمل مقولات وحِكم كثيرة. وفي النشأة المبكرة، كانت هناك انتقالات جغرافية كثيرة، من أقصى الجنوب في سوريا حتى أبعد نقطة في شمالها الشرقي، وفي كل انتقال كانت هناك بيئة جديدة، ومعارف جدد، وتجارب خاصة، وارتحال، ومساحات واسعة من نقاشات، وثقافات تتباين. ومع مضي العمر توسعت دائرة الارتحال، تخطت الحدود، وصارت حتى عابرة للقارات، وترك كل منها في العقل أثر، وفي الروح نفحة، ومن كل حديث، ولو عابر، اكتسبت معرفة، ومن كل قراءة أو نقاش راكمت خبرة، وها أنا اليوم، خلاصة كل هذا العمر بكل ما مضى فيه، وبكل الأحلام التي ما زالت مؤجلة، أو مرهونة قيد الترقب والتحقق.
* ما تأثيرات التعليم بمراحله المتعددة على أن يستهويك عالم الإبداع والفكر؟
ـ التعليم هو السلاح والذخيرة ليس لاقتحام تجربة الأدب والسرد، بل حتى لمواجهة تحديات الحياة.. وعطفا على السؤال السابق، وما تعلق منه بجزئية العتبات، شكلت كل مرحلة في التعليم عتبة خاصة، لكن دراستي في الصف الثاني المتوسط كانت انعطافة بالغة الأهمية في مشواري، فقد وضعتني على مفرق طريقين، أحدهما يعاكس الآخر تماما. في الثاني المتوسط كتبت أول قصة في حياتي، وجاءت في ست صفحات من دفتر مدرسي. صادف أنه كان لدي معلم، كان شاعرا وخطيبا، وقبل ذلك وبعده كان محفزا ومشجعا. حيين صفق لما كتبت، وأطلق عليّ، لتنقل عنه المدرسة كلها لاحقا، لقب “الأديب الصغير”، فتح لي أبواب المضي قدما في عالم الأدب. اليوم أتخيل لو كانت ردة فعله معاكسة ومحبطة، ربما لسحبت قدمي من ذاك العالم، ومن يدري، ربما اكتفيت حينئذ، وفي أحسن الأحوال، أن أكون مجرد قارئ للأدب، وليس كاتبا فيه. كبُر نهم القراءة مع كل مرحلة في التعليم. كان شغفا لا يتوقف، وفي كل مرحلة تتسع دائرة المعرفة، لكن تعليمي جاء على خطين متوازيين، أحدهما ذاك الذي يمر عبر المسارات الرسمية وصولا إلى فرصة العمل، والآخر هو التعليم الذاتي المتمثل بنهم التثقيف، والجري خلف أي جديد لمعرفة المزيد. ومن توازن الخطين، كانت الحصيلة التي أنا عليها اليوم.
* ما الكتاب الأول الذي جعلك تحلم أن تدخل ضمن مضمار هذا العالم الرحب؟
ليس هناك كتاب بعينه يمكن أن نقول إنه أطلق شرارة الحلم، وقد قلت سابقا في حديث إعلامي لمجلة لندنية إن كل رواية قرأتها كان لها أثرها، سواء لجهة التحريض، أو الامتناع، أو حتى زيادة رصيد وثراء التجربة. وقلت كذلك إن هناك أعمال تستفزك، تشعر وأنت تطوي صفحتها الأخيرة أنها شحنتك بطاقة إضافية لاقتحام عالم الكتابة. ثمة أعمال كثيرة يمكن أن أقول إنها أثرت المشوار، لكنني أميل أكثر إلى الواقعية السحرية التي يكتب بها كتّاب أميركا اللاتينية، وتسحرني الروايات التي أجدها منسوجة بلحم ودم، والمشغولة بعناية في التفاصيل، وأنفر كثيرا من تلك التي تبنى على الصدف المحضة.
* خربشاتك الأولى كيف كانت وعلى من قرأتها ومن رد الفعل؟
ـ ذكرت أن أول “خربشة” كتبتها عرضتها على معلمي في الثاني المتوسط.. بخجل دسستها في كفه، مثل تلميذ يتهيب رهبة امتحان، وانتظرت. لم أعلم أنه استغرق الوقت قبل أن يقول لي رأيه فيها بالاتصال بوالدي ليستفسر منه ما إن كنت قد تلقيت مساعدة منه في الكتابة، لكن الوالد كان متفاجئا أكثر أنني أكتب قصة. في عيني الوالد حين راح يحدث أصدقائه بالحكاية لمحت فخرا جميلا، وحين صفق لي المعلم ولقّبني “الأديب الصغير” رأيت ذاك الصدى.. كان ذلك يعني كثيرا ليافع يخطو خطوة أولى في عالم لم يكن يمتلك أدنى فكرة إلى أي مدى سيوصله، لكنه كان فرحا بذاك الصدى، متذوقا لحلاوة أن يكون مختلفا، وربما لاحقا، مبدعا.
* من كان القدوة والمثل أمام ناظريك وتمنيت أن تحذوا حذوه، ولماذا؟
ـ لا يتعلق الأمر بقدوة بعينها، فكل عمل قرأته ترك أثرا، سواء تحريضا أو صدّا، وكل سرد طالعته زاد في رصيد وثراء التجربة، لكني لست من أنصار الحماسة للقدوات في الأدب، وقد قلت مرة إنه لكل منا عالمه وتجربته، ولكل منا رؤيته الخاصة للتفاصيل والأشياء المحيطة، ولكل منا خيالاته وإبداعه، ولا يمكن لأحد تقمّص الآخر، وإلا لتطابقنا، والتطابق ليس من مصلحة الأدب، وهو يتنافى أساسا مع الإبداع.
* أول نص قراته على جموع من المثقفين والمتلقين، وكيف كان رد الفعل من النقاد والإعلام؟
ـ مبكرا جدا، ومنذ الثاني المتوسط رحت أنشر نصوصا مما أكتب في بعض الصحف.. في الثالث الثانوي دأبت جريدة “الفرات” السورية على نشر نصوصي. لاحقا توقفت لسنوات خلال فترة دراستي للقانون وبدء عملي في الصحافة والمحاماة. كانت تلك سنوات للقراءة فقط، سنوات استمرت أكثر بكثير من عقد كامل، ثم عدت لأكتب وأنشر عبر الصحف ومنصات التواصل، كان التفاعل معقولا، لكنني كنت أزنه بمقياس عادل واع لقيمته، فليس كل تصفيق على هذه الوسائل يمكن التعويل عليه. في عام 2015 شاركت في مؤتمر أول للقصة في نادي الباحة السعودي، قرأت فيه على الحضور بعضا من النصوص. كانت ردة الفعل مشجعة. بعد تسع سنوات منه التقيت في الدوحة بأحد حضور ذاك المؤتمر، ذكرني بقصة قرأتها، كان يتذكر قفلتها كأنه سمعها بالأمس. تلك شهادة لا تنسى. أما على مستوى النقد، فربما أخذت أعمالي، على الأخص الأخيرة بعض حقها. لكنني أجزم أن الجغرافيا ظلمتني. كثيرا ما يكون بعدك عن المركز (العاصمة) ظالما لك.. ففي بيئة ما زال للمعارف والعلاقات الشخصية مساحات واسعة فيها ينحصر النقد، أو لنقل يتركز، على من هم في عين المركز، ولا يتمدد خارجا إلا بحدود أقل. ولهذا فإن عموم تجربتي الروائية لم تأخذ ذاك النصيب من القراءات النقدية. كما لا يمكن أن نغفل جانب “العدوى” في القراءات النقدية، فكثير من الأعمال بقيت مركونة على الرغم من أهميتها إلى أن قيّض لها ناقد درسها وحللها وكتب عنها، فأثار فضول آخرين، راحوا بـ”العدوى” يفندون ما فيها، فنالت ما تستحق حتى لو بعد حين، ولنا في رواية “موبي ديك” للأمريكي هرمان ملفيل مثال واضح، فقد نشرت عام 1851، ولم تجد القبول حينئذ، وبعد عقود طويلة بدأ النقاد وأساتذة الجامعات يهتمون بها ويكتبون عن جماليتها فصارت في مقدمة الروايات العالمية، ومثلها رواية “غاتسبي العظيم” التي نشرت عام 1925، وهي من تأليف إف سكوت فتزجيرالد، وقد انتظرت أكثر من عقدين ليكتشف النقاد أنها تُحفة أدبية، حتى صنفت في المركز الثاني ضمن أفضل مائة رواية أمريكية.
* ما رأيكم بالمشهد الثقافي والفكري العربي الراهن، وكيف نصنع توازنا مع الثقافة الغربية؟
ـ لنتفق أولا أن علاقة الثقافة العربية بالغربية لم تعد ثنائية ضد. ثمة تشابك، وثمة سيلان من الغرب للشرق، يتزامن معه ولكن بدرجة أقل تسرب من الشرق إلى الغرب. عربيا، يزدحم الفضاء الثقافي والفكري بتيارات شديدة التنوع، لكنه يرزح تحت ضغط الاستقطاب السياسي والفكري، وتحت ضغط معاناة المؤسسات الثقافية من نقص التمويل والدعم، وقبل ذلك، وأهم منه أنه يعاني من ضيق أفق الرقابة، ومن التضييق، وهما عاملان مؤثران سلبا على حرية التعبير والإبداع، ناهيك عن العامل الأحدث تأثيرا في الثقافة، وهو وسائل التواصل الاجتماعي التي انحدرت بالمشهد الثقافي وخلطت المحتوى التافه بذاك القيّم، مع تغليب جمعي للتافه لدى الشارع مما يعزل النُخب، أو على الأقل يحجم صوتها ويخنقه أمام فوضى الأصوات الأخرى.
* ما هدفك من الكتابة، وهل حققت هذا الهدف؟
ـ هذا واحد من الأسئلة المربكة، فنحن نمارس فعل الكتابة على مدى سنوات طويلة، لكن حين يواجهنا سؤال لماذا نكتب، فإنه يوقعنا في حيرة. بالنسبة لي أرى في الكتابة متعة. هي المتعة الأكثر وضوحا في حياتي. متعة صنع عوالم كما أتصورها وأتخيلها، أهيمن عليها حينا، وتتمرد عليّ أخرى. والكتابة من حيث كونها فعل بوح، عوضتني كثيرا عن قلة الأصدقاء. ومع شخص كثير الترحال مثلي، وربما كثير الخيبات بالآخرين، كانت الكتابة ملجأ.
* كيف تري المشهد النقدي بالوقت الحالي، وهل له تأثير إيجابي على الحياة الثقافية؟
ـ ما زلت عند موقفي من أن النقد في العالم العربي توقف في أغلبه عند التجارب الأدبية المعروفة، وأحجم عن تناول التجارب الإبداعية أو حتى الأعمال الجديدة.. وما زلت أراه يفضل “اللعب في المضمون”، ويبقى أسير المجاملات، والشللية. لكن هذا لا يلغي أبدا أن هناك محاولات جادة من نقاد، وإن كانوا ما يزالون قلة، للبحث بالسراج والفتيل عن الإبداع دون أن يعنيهم تكرار نقد أعمال أشبعت تحليلا وتشريحا، وعلى أمثال هؤلاء يكون التعويل في إحداث أثر إيجابي في الثقافة. * ما رأيك بالمعارض والجوائز الأدبية والإعلام الأدبي، ومدي تأثيرهم على الواقع الثقافي؟ ـ المعارض والإعلام الأدبي مهمان للتحريض على القراءة، فالمعارض سوق ينشر العدوى المحمودة، وهو مناسبة لتجديد العلاقة مع الكتب. والإعلام الأدبي ضرورة، فهو لا يقتصر فقط على نشر وترويج الأعمال الأدبية والفكرية، وإبراز دور الأدب وتأثيره، بل يلعب دورا مؤثرا في تنمية الذوق الأدبي على الأخص في عالم يموج بمحتوى مبتذل. بدورها، تلعب الجوائز دورا مروّجا لهذا العمل الأدبي أو ذاك، ويمكنها أن تعوض قليلا عن قصور النقد في اكتشاف أعمال إبداعية ربما لا يجيد أصحابها لعبة التسويق، ولذا فأنا أراها بوصلات دافعة للقراءة، ومجاهر لاكتشاف مزيد من المبدعين، أو على الأقل منحهم فرصة تقليص الزمن الذي يحتاجونه لتحقيق الانتشار.
* ما تأثيرات الغربة والاغتراب على كتاباتك؟
ـ من البديهي أن تترك تجاربنا بصماتها فيما نكتب.. إنها تتسرب كما يفعل ماء من غربال ضيق لتبلل أوراقنا ودفاترنا. وكشخص حمل حقيبة السفر لأكثر من ربع قرن، ميمما نحو المشرق حينا، ونحو الغرب أخرى، لا شك أن التأثيرات كانت وفيرة، وأحيانا مضجرة. لكن هذا التأثير لم يكن نمطيا، فعمليا لم أنفصل عن الوطن، فهو ما يزال شاهقا في كل ما كتبت، حاضرا بشكل حميم في كل أعمالي، ففي نهاية روايتي “قوافل الريح” الصادرة عن الدار العربية للعلوم “ناشرون” كتبت: “الأوطان لا تغدر، لا تطلق الرصاص على أبنائها، لا ترفض عودتهم إلى أحضانها”.. وفي روايتي “الرصاصة تقتل مرتين” كتبت “الوطن ليس بضعة أشخاص ترتبط الوطنية وجوداً وعدماً بالولاء لهم”.
* عملت بالصحافة وبالإذاعة وامتهنت الكتابة، أي منهم أقرب إليك؟
ـ لكل عمل لذته، وأدواته، وكل ما عملته كان قريبا مني، حتى مهنتي التي عملت بها لسنوات تزامنا مع الصحافة وهي المحاماة كان دافعي إليها الرغبة والحب قبل أي شيء آخر.
* العمل الأدبي من قائمة أعمالك له الأثر الأكبر عليك؟
ـ كل الأعمال كانت في وقتها بمثابة اكتمال في مشروع مستمر.. لكني مع كل عمل جديد أحاول الارتقاء خطوة، فالمراوحة في المكان تراجع. أحب رواية “البلم” فقد كانت خاتمة لمشروع أدبي عملت عليه، وتعلق بأحوال الثورة السورية وانعكاساتها على المجتمع، وعلى الأخص الضحايا فيه، فقد كانت رواية “الرصاصة تقتل مرتين” التي صدرت مبكرا عام 2014 بمثابة النبوءة لبعض المآلات بعدما رصدت إرهاصات انطلاقة الثورة، وجاءت رواية “قوافل الريح” لترصد مأساة أولئك الذين اضطروا للهروب من جحيم الحرب إلى دول الجوار فوجدوا أنفسهم في مخيمات بغيضة، ثم جاءت رواية “البلم” لترصد انكسار أحلام من ركبوا البحر هربا من تلك الحرب ساعين خلف حلم العيش بأمان ليجدوا أنفسهم أوراقا في لعبة أممية ولتتحطم أحلامهم على صخور أسوار الأسلاك الشائكة التي نصبت في وجوهم. كما أحب “مدينة يسكنها الجنون” التي فازت بجائزة كتارا للرواية العربية، فقد رصدت أن المدن المنسية التي تركن إلى التهميش، فلا تنتفض لتدب فيها الحياة هي مدن غارقة في الجنون، موغلة في الفجيعة، من يبقى فيها يغرق معها، ومن يغادرها مختارا أو مجبرا يفر إلى النجاة، وقد ختمتها بـ:”المدن التي لا تتعلم كيف تنبي السدود لا تنجو أبدا من الفيضان”. * مشروع فكري تتمنى أن تكتبه؟ ـ ربما كانت الكتابة عن الواقع السوري خلال الثورة ورصد التغيرات الاجتماعية والنفسية التي عصفت بالبلد ككل هو مشروعي الذي ركزت عليه. وحاليا، لا أدري، ربما أكتب عن الواقع الجديد. عن بلد ترك إرثا دمويا ومقيتا طويلا، تاركا لأجنحته أن تحاول استعادة ذاكرة التحليق بحرية.. ربما يكون هذا مشروع مقبل، من يدري.
* عمل إبداعي لآخر تمنيت لو كنت أنت كاتبه؟
ـ دعنا نتفق على أن تجربة كل كاتب تختلف عن الآخر، ولا يمكن لأحد تقمّص الآخر، وإلا لتطابقنا، والتطابق يتنافى مع الإبداع. هناك روايات أعجبتني عوالمها، مثل “شرق المتوسط” لعبدالرحمن منيف، و”عرس الزين” للطيب صالح، و”اللاز” للطاهر وطار، “وفرانكشتاين في بغداد” لأحمد السعداوي، و”ساق البامبو” لسعود السنعوسي، و”ترمي بشرر” لعبده خال، و”آخر حقول التبغ” لطاهر الزهراني.
* لو شاءت الأقدار أن تتولى منصبا هاما مؤثرا بالثقافة ما هي أول توصياتك؟
ـ أن يذهب “مقص الرقيب” إلى الصدأ.