الروائي و الناقد حسن الموسوي
يبدأ السرد من معاناة البطل من جفاء النوم ، و هذا الشعور يحدث و يتفاقم عندما تستولي الهموم على حياة الإنسان بحيث تجعله يفقد القدرة على التفكير و إصابته بحالة من الاحباط . العنوان هو العتبة النصية الأولى و هو المدخل الذي من خلاله نلج إلى المتن السردي .
يشير بسام قطوس إلى أن العنوان هو سمة العمل الفني أو الأدبي الأول من حيث انه يضع النص الواسع في حالة إختزال و يختزن في بنيته أو دلالته أو كليهما في آن واحد . و العنوان هنا يتكون من كلمة واحدة و جاءت على صيغة الجمع و معرفة بأداء التعريف . الغلاف هو العتبة النصية الثانية و يظهر فيه أناس و هم يسيرون على طريق واحد و يراد به استمرارية الحياة و ديمومتها ، فيما نظرهم للأمام في إشارة إلى تطلعهم إلى المستقبل .
اما أجسامهم فقد بدت كالظل في إشارة إلى الحالة الضبابية . المقدمة هي العتبة النصية الثالثة حيث يقول الكاتب في مقدمته { يخلق من الشبه أربعين ، جملة تتردد دوما بكثير من الأمور الحياتية ، الغالب الأعم يقولها بشكل أقرب للعبثية ، غير قانع انها حقيقية ،
بالفعل لكل منا من يشبهه ، ملامح ، روحا ، فكرا ، فليبحث كل منا عن المتشابهين معه ليستأنس بهم } .
و التشابه ليس بالضرورة بالملامح فقط و لكن في كثير من الأحيان يكون التشابه في السلوك و التصرفات و حتى على مستوى التفكير .
الرواية اجتماعية والرواية الاجتماعية هي رواية تناقش عبر شخصياتها المشاكل السائدة في المجتمع و تسلط الضوء على العلاقات بين الأفراد و الغاية منها هي حل المشاكل الاجتماعية و من خصائها أن الكاتب يسهب في ذكر الشخصيات و الأحداث و لا يستثني شيئا ،
كذلك يقوم الكاتب بالتنقل في جغرافية المكان و الأسماء ، فالرواية متخمة بالشخصيات و الأمكنة و الأحداث .
يقول الروائي الأمريكي ارنست همنغواي { من أجل الكتابة عن الحياة فيجب أن نعيشها أولا } . يتحدث الكاتب في هذه الرواية عن الحفاظ على تقاليد الأسرة و عدم الانجرار إلى الحداثة التي ابتلعت كل شيء حيث يقول الكاتب { كان صغيرا يجلس بين الصغار الأكبر منه أو الأصغر منه يشاهدون المشهد اليومي ، الأب و الأعمام كل منهم يستجيب لنظرة الجد ، يرفعون الآنية إلى افواههم ، يرى من يتجزع و من يمتعض و من يتلذذ و من يغمض عينيه هربا من هذا } ص 40 .
يستعرض الكاتب صورا حسية من المجتمع ، فهو من هذه البيئة التي ترعرع فيها و تعايش معها و تتداخل الأصوات الذاتية مع الحالة النفسية السائدة .
يقول بارت { نحن لا نجد في أي مكان من العالم شعبا بلا قصص فلكل جماعة انسانية قصصها التي غالبا ما يتذوقها أناس تتفاوت بل و تتعارض مستوياتهم الثقافية } . يتحدث الكاتب عن القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع المصري بوجه خاص و في بقية المجتمعات العربية على وجه العموم و مدى التمسك بها مثل آداب الطعام و الحرص على أن يكون الجميع حول مائدة الطعام في اشارة الى التماسك الأسري ، و عدم البدء بتناول الطعام إلا بعد أن يأذن لهم كبير العائلة ، و أهم شيء هو شكر الله على هذه النعمة، حيث يقول الكاتب{ الجميع ينتظر أن يرفع كميه و يمد يده ، يتناول اول لقيمات الطعام و هو يرفع صوته بالحمد لله حتى يقتدون به } ص 51 . يتطرق الكاتب الى مسألة في غاية الأهمية تتمثل في الطرق الخبيثة لتهديم المجتمعات حيث يقول{ إهدم الأسرة بتغييب دور الأم ، بجعلها تخجل من وصفها ربة بيت و أهدم المعلم بألا تجعل له أهمية في المجتمع و قلل من مكانته حتى يحتقره تلاميذه و طلابه و أهدم و أسقط القدوات و المثل و الرموز الدينية } ص 98 . و هذه الأمور عمل و ما يزال يعمل عليها الاستعمار في بلداننا العربية بعد ان فوجئوا بتماسك الأسرة و احترامها لرموزها الدينية ، لذلك عمدوا إلى كسر هذه الأواصر الاجتماعية المتجذرة في حياتنا ، و الغاية من هذه الأعمال هي تسهيل مهمة استعمار الدول بغية نهب و سرقة ثروات و مقدرات البلدان المستعمرة . من الأمور المهمة التي تطرق إليها الكاتب هي مسألة الحصول على تقرير من الطب الشرعي لحالة عذرية الأبنة المطلقة و التي لم يستطيع زوجها من الدخول بها في ليلة الزواج ، و كما هو معروف فإن هذه الحالة تمثل ثقافة و هوية البلد الإسلامي بعيدا عن حالة الضياع التي تمزق بلدان الغرب التي لا تضع اهمية لعذرية الفتاة و لا حتى الاعتراف بالأبناء في حالة مقززة لما تعاني منه المجتمعات الغربية من انحلال أخلاقي و تفكك اسري ، حيث يقول الكاتب { أتوا إليها بالتقرير ، قرأته الطبيبة عليها ، أتى بالتقرير أن لا أحد اقترب منها مطلقا و انها كاملة العذرية و ان غشاء البكارة لم يتعرض لأي من محاولات الايلاج } ص 134 . و لعل الزوج كان مصابا بداء الوهم ، و الوهم كما يعرفه الفلاسفة هو حالة عقلية مضطربة ، و هو سوء تقدير للشعور الحقيقي . و كما هو معروف فإن من طبيعة الإنسان محاولة الخروج من أي مأزق قد يواجهه في مسيرته في الحياة و البحث عن الأمان بعيدا عن المخاطر . و كل حالات الوهم هي اتجاه ذهني يخشاه الفرد و يرافق الوهم انغعالات حسية و عصبية ، و هذا ما صوره الكاتب من خلال شخصية الزوج المريض الذي كان مصابا بداء الوهم و قدرته على الزواج رغم مرضه . و هنا استطاعت الفتاة أن تنتصر لنفسها و تنهي علاقة زوجية ولدت ميتة رغم خطورة الوضع ، يقول شكسبير { غادر كل من حطم فيك شيئا أو أطفأ بك توهجا و اترك من خذلوك ، لا تشاركهم حديثا أو مكانا ، أعبر بقلبك لمكان آمن و لا تبحث عن سعادتك بالمكان الذي فقدتها فيه } . نجد في هذه الرواية حلول لمشاكل اجتماعية متجذرة في المجتمع ، يقول سقراط { أن الإنسان الذكي هو الذي يتعلم من كل شيء و من كل أحد ، و الإنسان العادي يتعلم من تجاربه ، أما الغبي فهو الذي يدعي انه يعرف كل شيء أحسن من غيره } . يتطرق الكاتب الى مسائل فلسفية حول الحياة تعكس ما يؤمن به من افكار حيث يقول { الحياة خطان ، خط يفهمه من يملك البصر و البصيرة حينها يكون متوازنا يقف على أرض صلبة واثق من خطوته محدد الطريق و الهدف و آخر من لا يتبين الخيط الأبيض من الأسود } ص 294
. يقول تشارلز بوكستون { في الحياة كما في لعبة الشطرنج .. النظرة البعيدة هي التي تكسب } . اسهب الكاتب كثيرا في تناوله لقضايا المجتمع المصري سواء كان في الريف أو في المدينة . بقي ان أشير إلى أن هذه الرواية هي من إصدارات دار نشر سمير منصور للطباعة و النشر و التوزيع / غزة / فلسطين و تتكون من 299 صفحة و من القطع المتوسط.