سميحة رشدي
أيقظتها دقات المنبه منذرة بانتهاء ساعات النوم وبداية يوم جديد..! ساعات قليلة تلك التي حظيت بها بشق الأنفس للإسترخاء والراحة، بعد معاناة طويلة..! جربت خلالها كل أوضاع النوم يمينا ويسارا وحتى عكس الوسادة، بل وبللت ملابسها بالماء لتشعر برطوبتها وتنام لكن هيهات! كانت تحاول استعادة توازنها.. ولا تستغرقها الأفكار والذكريات التي تنازعها النوم كل ليلة ..! أرجع بعضهم سبب أرقها لإسرافها في شرب الشاي الذى تكاد تكون ادمنته ليلا ونهارا، ولكنها تعلم أنه ليس السبب الحقيقي..! فهي على هذه الحالة منذ طفولتها، من وقت ان كانت في السابعة من عمرها قبل أن تعتاد كثرة ذلك المشروب السحري..! حدث في المنطقة حادث مروع، قتلت خلاله أم وابنتها الخرساء ..! وتحولت المنطقة الهادئة التي يسكنها معظم عائلتها في بيوت متجاورة، مع عدد قليل من بيوت الجيران، إلى قلق وصخب دائمين..! وتغير الحال تماماً…! كان الحديث منصبا طوال النهار على الحاثة.. ومن الذى تجرد من انسانيته وفعل تلك الفعلة الشنيعة .. قتل وحرق أم وابنتها .. بعدها تردد على المنطقة الكثير من رجال الشرطة والمخبرين،. لمحاولة الحصول على معلومات، كانت الصغيرة تسمع الكلام و الحكايات وتختزنها بالنهار لتقفز الي ذاكرتها ليلا..؟ تسترجع مادار فى يومها من احاديث رجال ونساء وحتى اطفال البلدة ووجوه رجال الشرطة.. فتتولد لديها حالة من الرعب المختلط بالبكاء والخوف من النوم ..! وبرغم قراءة القرآن والرقيه تستمر حالة الأرق حتى الشروق..! وتفشل كل المحاولات للنوم..! أحيانا كان والدها يحملها إلى سريره ويبسط لها ذراعه ويهدهدها حتى تنام .. وما أن ينزع ذراعه قبل استغراقها في نوم عميق تهب مفزوعة فيحضنها ..! لتعاود النوم من جديد..! ظلت على هذه الحالة شهورا طويلة كانت أياما ثقيلة تمر عليها ببطء شديد .. وكان العذاب الأكبر أيام أن يضطر والدها أن يبيت خارج البيت في عمله، فأمها مشغولة عنها بأخوانها الصبية الصغار ومنهم وليد رضيع .. فلا تنام قبل أن تشرق الشمس، وتتغيب عن المدرسة، لأنها لا تستطيع الاستيقاظ بعد أقل من ساعتين من النوم…! بمرور الوقت تناست فجر حادثة القتل.. صارت تنام بشكل شبه طبيعي…! لكنه متأخر بعض الوقت، حتى عادت لها نفس الحالة في الرابعة عشر من عمرها…؟ إذ قرأت كتاب خيال علمي يتناول بعض الخوارق للطبيعة، وعالم الروح والجن .. ومن وقتها عاودها الفزع والرعب وفرط التخيل لكل ما قرأت..، فقد كانت لديها ملكة تذكر المعلومة من مجرد قرأتها مرة واحدة ..! ليالي طويلة فشلت فيها أن تنام إلا قليلا ثم تستيقظ مفزوعة….! أحضروا لها الشيخ والطبيب…! وأخذت الأدوية والمهدئات حتى تنام ..، وعاد والدها ينيمها على ذراعه لا يحركه..! حتى تستغرق في النوم وبرأت من الفزع والرعب..! انتظم نومها بعض الشئ ولكن ظل عزيزا يأتي بصعوبة ..! بعد أن تستنفذ كل أسباب جلب النعاس إلى عيناها المجهدة من قلة النوم ..! مرت الأيام وتخرجت فجر وتزوجت ..أصبح لديها الكثير من العمل الشاق والأولاد.. كل ذلك كان كافياً ليسلمها إلي نوم عميق بمجرد إقبالها على النوم ..! لكن حتى التعب والإجهاد لا يؤديان إلى النوم، الأرق يتحول لوحش كاسر ليس له علاج …! ظلت حالة الأرق تلازمها، تقل أحيانا تقل حين تشعر بالسعادة والفرح، وتزداد حدتها في حالات الحزن أو الضيق أو التعرض لخذلان أو إنكسار .. وقتها يصبح النوم ضربا من ضروب الخيال! وما بين ألم الأرق وراحة النوم تمر أيامها كالمعتاد .. ورغم العمر تحتفظ فجر داخلها بالطفلة التي تكره ساعات الليل، ومطاردتها للنوم كل ليلة، وتتمنى لو عاد والدها ونامت على ذراعه حتى تظفر بساعات من الراحة والهدوء ..!