الضحايا

شارك مع أصدقائك

Loading

كامل عبد الرحيم

الصدفة وحدها جعلتني أكتب اليوم ماله علاقة بآخر وصلة لي التي كانت تتساءل( هل أنا شيوعي ) فتعليقات الأصدقاء سرعت من قراءتي لرواية كنت أقرؤها بتمهل وهي رواية( الضحايا ) للكاتب فاضل خضير الذي أقرأ له لأول مرة ولا أدري إن كانت له أعمال أخرى ، كان تعليق الأستاذ محمد خضير مهما وملهما عن فاصل 68 وأهميته على فاصل 63 وكان محمد خضير نفسه نبهني لرواية الضحايا بمقال له منشور في جريدة( الشرق الأوسط ) ، تلك الرواية التي حصلت عليها على أنها تتحدث عن( فاصل 63) وفق تصنيف محمد خضير الدقيق فأهملتها حتى قرأت مقالة خضير في الشرق الأوسط ومن الممكن أن ما سأكتبه عن رواية الضحايا بمثابة حوار أو مقاطعة ، سنرى .

تتحدث الرواية وتكرس متنها لتجربة( القيادة المركزية ) في العراق وهو ما أشار إليه محمد خضير بفاصل 68 ، ومثلما أشار خضير إلى الروايات التي تحدثت عن هذا الفاصل وهي( وليمة لأعشاب البحر ) لحيدر حيدر و( الحلم العظيم ) لأحمد خلف وقد كتبت عنها سابقا و رواية( ممر إلى الضفةالأخرى) لأحمد الباقري التي للأسف لم أطلع عليها وأتمنى من يدلني على طريقة للحصول عليها ولا أدري لماذا لم يذكر محمد خضير رواية جنان جاسم حلاوي( أهل النخيل ) وهي مكرسة بالكامل لتجربة الكفاح المسلح في الأهوار وينطلق بطلها من البصرة أيضا كما أني وجدت جنان حلاوي الأكثر محاولة للكتابة وفق مدرسة محمد خضير .
تبدأ رواية الضحايا بهجرة( سعيد ) من البصرة صوب بغداد للبحث عن فرصة عمل وفور وصوله إلى بغداد نقع في أحابيل وخيوط شبكة شخصيات الرواية ومن المستحسن تصنيفها إلى مجاميعها الهوياتية .
أولا : حميد وحامد وجاسم وعبد الله وهم أعضاء منتمون بقوة لتنظيم القيادة المركزية
ثانيا : فؤاد وسعيد ، فؤاد يمثل المثقف الوجودي/السارتري أما سعيد وهو الذي يجعله المؤلف يلعب دورالراوي العليم في القسم الأكبر من الرواية وسعيد يمثل المثقف غير الملتزم لكن غير المتفرج ولنقل أنه المثقف غير المؤدلج .
ثالثا : أبو حسام الوجيه الغني والوفي لمدرسة الباشا نوري السعيد وابنته البكماء سهام والخادمة جوهرة
رابعا: النساء ، وهن عذراء وسهام وساجدة و وسن و أفراح .
تختلف رواية الضحايا عن مثيلاتها مثلما اختلف مع الأستاذ محمد خضير فهي مكرسة ل( أبطال ) القيادة المركزية ولا توجد ظلال قوية ل( الماركسيين التقليديين ) ؟ نعم هناك شذرات هنا وهناك عن اغتيال عضو باللجنة المركزية وصدى للجبهة الوطنية بين البعث واللجنة المركزية لكن ( أبطال ) القيادة المركزيه يتحركون في مسرح ( الثورة) لوحدهم وهم أبطال حتى في هزيمتهم مثلما يحصل مع حميد ، في رواية( الحلم العظيم ) لأحمد خلف هناك تقاطعات وجدل بين الفريقين أما في الضحايا فالصوت الأوحد هو لهؤلاء( الأبطال ) .
حسنا فعل الكاتب فاضل خضير بعدم إنهاك النص بصور عن الأهوار أو تجربة الكفاح المسلح نفسها واكتفى بمتابعة الأرواح القلقة المتوثبة والمعذبة رغم ثوريتها ، عبد الله يتطوع للقتال مع المقاومة الفلسطينية وسرعان ما يستشهد وصور الكاتب محاولة تشييعه من مقهى( المعقدين ) تصويرا بارعا .
حامد ابن الطبقة الوسطى والذي يفضل ويتمنى اللحاق ببؤرة الكفاح المسلح في الأهوار تاركا خلفه زوجته الحامل بطفلهما الأول ، يصاحبه جاسم الذي لن يسترسل الكاتب في ملامحه وبعد أن تقشل محاولته مع حامد بالالتحاق بالأهوار يلتحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الأردن ، حميد المنكسر المهزوم لأنه لم يحتمل بشاعة التعذيب الذي أشرف عليه الجلاد ناظم كزار بنفسه وهو يحمل بيده منشارا مهددا بقطع ساق حميد من أعلى الفخذ فينهار حميد وجراء اعترافه يقتل ثلاثة من رفاقه . فؤاد الوجودي لكنه القريب للجميع وحامل همومهم والسباق لخدمتهم وبصداقته لسعيد وعبر حواراتهما يعبأ المتن بشحنة عالية القيمة مستعرضا أبطال وفلسفات( دروب الحرية ) لسارتر و( الجحيم ) لهنري باربوس و( المحاكمة ) لكافكا وحتى(هكذا تكلم زرادشت ) لنيتشة ، وحتى لا أفسد استرسالي سأثبت ما اخترته من بعض نصوص الرواية في أسفل المقال وهو ما فعله أيضا الأستاذ محمد خضير .
لكني ورغم انحيازي وانتمائي يوما لتيار القيادة المركزية ، أقول أني قرأتها كغنائية عن بغداد
فسعيد ، البطل الراوي الصاعد من البصرة إلى بغداد تستقبله هناك ثلاث هويات لبغداد عبر ثلاث نساء .
ساجدة التي يتعرف إليها في القطار وهي هاربة من زواج مفروض عليها برسم التقاليد البالية والتي تلجأ للعمل كممرضة فتقتل غسلا للعار في مكان عملها وسهام البكماء ابنة( أبو حسام ) وهذا الأخير يمثل هوية بغداد التقليدية عبر تقديسه وتبعتيه للباشا نوري السعيد والأهم من الاثنتين عذراء .
عذراء يجعلها الكاتب في النهاية ابنة أخ( أبو حسام ) ولم يكن ذلك مهما .عذراء يتعرض أبوها إلى الاعتقال والتعذيب ومن ثم الاغتيال دون التطرق لتوجهه ، تتعرض عذراء نفسها إلى الاعتقال ومن ثم الاغتصاب المتكرر وبذكاء الانثى المقموعة تجعل هذا الجسد مختزلا للضابط المسؤول عن فرقة التعذيب ، تجربتها تجعلها تفلسف( جسدها ) فتجرده من الدنس لتجعله صفحة تكتب عليها بيان حريتها ومن تحرر فكرة الجسد الذي استخدمته لتكون لها ثروة ومكانة ومال وبنفس الفلسفة فصلت ما تفعله عن مفهوم العهر ورغم كل ذلك اختار لها الكاتب اسم( عذراء ) ليس سخرية بل تكثيفا لفكرة( بغداد )
( بغداد ما اشتبكت عليك الأعصر ..إلا ذوت و وريق عمرك أخضر )
بغداد التي تعلوها وتكسوها طبقات الاحتلال وبساطير الغزاة واغتصاب المغتصبين فهي( عذراء ) في جوهرها .
عذراء( بغداد ) تقتح بيتها لحامد الهارب من الأهوار فتؤويه مع زوجته مع علمها بخطورة ذلك ، بغداد التي تذهب إلى الحارس ناصر لترتيب خلواتها المريبة فتخرج أكثر جمالا ، عذراء أو بغداد التي تريد أن تملي دورها وتكتب حريتها وتخطب سرديتها في مسرحية سعيد وهي كناية عن سردية كل الحالمين في بغداد .
( أبطال ) القيادة المركزية نزحوا من مدنهم ليحرروا بغداد وفي الواقع هم يحاولون التحرر من أثقالهم وتقاليدهم فيقعون في (عبودية) بغداد ، حامد من المشخاب، الشهيد عبد الله من الحلة ، وحميد من الناصرية وكم اقترب سعيد( الصاعد من البصرة ) من عذراء( بغداد) ليشم عطرها ويتأملها في جمالها وبياض وجهها المورد بإحمرار ، يكاد يلمس تكويرة نهديها ويختلي معها في غرفة نومها وتوحي له بأنه على وشك الحصول عليها ، مخرج المسرحية يقول له وهو كاتب المسرحية بأن لاوجود لدور لعذراء وهي تخطب بيان حرية جسدها إلا بإعلان الزواج منها في المسرحية التي هي الحياة نفسها ، يقتنع سعيد ولما اختليا في غرفة نومها مرة أخرى هاربين من العالم فيفاتحها سعيد بفكرة الزواج( وتلك نهاية الرواية ) تقول له بغداد أو عذراء ، أنها ليست لأحد ولن تنام بتخت واحد مع رجل ، جسدها تحرر من رغبة ودنس وبالتالي هي لنفسها ولن تكون لأحد ، طردته في نهاية غير متوقعة .
شخصية ( أبو حسام ) هو الخيار الآخر لبغداد وكان الكاتب قاسيا معه بموت( أبو حسام ) نفسه وجعل ابنته سهام خرساء ومن يتكلم عنها بالنيابة أو الأصالة هي( جوهرة ) وهي كناية عن الصوت الكثيف والعالي للنازحين من الجنوب .
الضحايا ، يتم تعريفهم بحوار قصير بين سعيد وفؤاد حين يقول سعيد( المثقف غير المؤدلج) ، ( إذا ما قام عزيز الحاج بحركته ، سيكون هناك ضحايا ) والضحايا هم عبد الله و حامد وحميد و جاسم .
( فاصل 68 ) الذي تحدث عنه الأستاذ محمد خضير طغت فيه وعليه إضافة لمفهوم البؤرة الثورية والكفاح المسلح ، مفهومان آخران .
الجسد كخريطة للحرية
والجنس سياسيا وهو ما يتجلى بمشاركة فؤاد في جنازة زوج عشيقته( أفراح ) المشلول وزاوج حميد من المطلقة السوداء وسن وبنكوص عذراء عن كل سرير يجمعها برجل وتلك هي بغداد وختاما هذه بعض ما اخترت من نصوص رواية ( الضحايا) وكل ما كتب عن الجسد كان على لسان عذراء .
(( أعني لم أكن جادا في اتباع أي مذهب من مذاهب الماركسية ، الماركسية تشظت حسب مفهوم المجاميع المنتمية إليها)) على لسان سعيد
((ربما أنت لا تعرف ، كان الحزب يتهيأ للإطاحة بنظام عارف وفعلا جهز قوات متدربة وبالتعاون مع الضباط الأحرار ، إلا أن المنشقين أفسدوا المخطط ))
((التجأت إلى التبرير مع الذات وأقنعت نفسي بأن هذا الجسد هو مالي الخاص ، لي حق التصرف به ، هو هبتي فلماذا لا أستخدمه في ظرف كهذا ، لم تعد تعنيني المحرمات ، طالما لا أحد قادر أن يتبرع في صيانتها ، كنت بلا شفيع ، لا أملك غيره وأنا حرة به ))
(( الجسد هو الجسد ، ليس أكثر من إني انتزعته من قوانين قوم اجتهدوا في الدفاع عنه …أني حررته ))
(( يبقى حلمه مظللا بخيبة آمالها المضنية وشقاء رقعة جسدها الممتلئ بالمدنسات ، شعر أنه أمام قلب طري ، ساذج داخل جسد مشوه فكان كمن يذعن لرغبة حارقة تقوده إلى المجهول .))
(( قال سعيد: حفزني اهتمام سارتر بجان جينيه أن أطرح عليك سؤالا : لو كان سارتر ، جدلا عائشا في العراق ، هل يؤيد عزيز الحاج في توجهه نحو الأهوار ))
(( ستمتد المقاومة إلى كل الأنظمة العربية .
أجاب سعيد في الحال ؟: هذا شعار التروتسكيين العرب
– أتعتقد هناك نضجا واضحا للتروتسكية عند اليسار العربي ))
(( كان عبد الله الوحيد الذي أنصف موقفي وتضامن مع محنتي ، نعم وعدني بأن ينتشلني من مأزق حيرتي ، كان صادقا فقد أقسم بمبادئه على أن يبعث برفيق من هناك ، من الجبهة كي يرتب أوراق رحيلي ، كان حلما ورديا بأن أجاهد في خندق واحد مع عبدالله .)) حميد المنكسر يتحدث عن الشهيد عبد الله .
((فقدت الأول الذي يشبهك في قطار الموت والثاني اغتيل في الشارع . نذرت نفسي لخدمة الحزب بعد ما عرفت باستخدام السلاح في الأهوار لاسقاط النظام الفاشي .)) على لسان امرأة عجوز تدعى أم الحزب حولت بيتها الصغير في الشطرة إلى محطة لوجستية لنقل الثوار إلى الأهوار .
(( أنا أرى الجسد حالة ذاتية لها نوازعها الداخلية….طالما الجنس ليس لوثة ))
(( أهمية الجسد كقوة فاعلة و مؤثرة بمثل قوة الجمال وقوة المال والذكاء ))
((أقرنت حريتها في التملك والتصرف وحرية السلوك لهذا الجسد بمنأى عن الآخرين ))
(( همها الأساسي أن تفرض احترام الآخرين لتجربتها لأنها تملك أكثر من مبرر للإقناع بخصوصيتها ))
(( الخطورة تكمن في ماهية الجسد وتجريده من قيود متعاقبة تاريخيا .))
((لم أفكر قط بأي ارتباط رسمي ، ثم أني فقدت شهية النوم مع أي رجل….
وهنا شعرت بالاختناق ، فقد أفصحت عن فقدان أنوثتها .))
شارك مع أصدقائك