سامر حاكم
يحدث هذا في كل زمان ، وعلى أرض دائرة بنا جميعاً في نظام حتمي كل يوم .
بعد الوصول إلى واحد من المنعطفات الحادة في حياة بعض الناس ،،، تضعف الرغبة للمقاومة، لأن تيارات أقوى من قدراتنا على الاحتمال توشك على جرف النفس إلى دوامات عاتية، وأن تكون المحاولة الأخيرة قبل الغرق البحث داخل ذواتنا عن أسباب قوية للعودة للحياة، وكلما تداعت الأسئلة التي بلا إجابات ، يخفت الضوء ، ويزيد الأمر سوءًا رؤية الأشياء التي كنا نتوسم فيها الخير ” مركونة ” على الهامش ، فاقدة الأهمية والقيمة .
في وسط تلك العتمة تتجسد ملامح ، وتتوهج كشموس شخوص قد نعرف عنها ، وربما لا …قوارب هىَ في قلب الدوامات، ترمى للمقبلين على الغرق أطواقًا سحرية، تحفزنا للتشبث بها ،وتقدم فرصة للنجاة.
أحد هؤلاء الشخوص مكث في مقاطعة شمال شانغهاى على مسافة 14 ساعة و 42 دقيقة بحافلة صوب “بكين ” العاصمة
الصينية الحالية ، يزف لنا البشرى، وبيدٍ واثقة يغربل المشاعر السلبية ،يحول اليأس والخوف بعد مزجهما بجرعات من الأمل إلى درس عملي مفيد .
تقول ” سان ماو ” الأديبة التي وُلدت فى مدينة ” تايوان ، بمقاطعة جيجيانغ مركز منطقة شانغهاي 1943 -1991 ، بعد حزمة من التجارب المريرة في مرحلة من حياتها ، تقلّبت خلالها بين الألم والأمل حتى اكتملت لديها الخبرة :
” إن لم يمر الإنسان بليل طويل من المعاناة ، فلن يستطيع فهم الحياة .فلنجعل
هذه الألام درسًا ،وتعليمًا لنا ، إلى أن يأتي اليوم الذى نشعر فيه أننا نضجنا حقًا ، بل وحتى يمكننا أن نشكر هذه الألام على ماعلمته لنا .. ”
الشكر لدى ” سان ماو ” يمثل حالة ليست شبيهة بتلك لمتعبد زاهد في الحياة ، أدار لها ظهره ومضى، قاصدًا وجهة أخرى، يأمل في الأيام أن تنقضي كي يظفر في عالم آخر بحياة أفضل، وليس هو أيضًا القناعة والرضا بالمقادير ، استقرت بوعى شخص بعدما أفضى به التصارع مع الحياة إلى هزائم متتالية، بل كانت الفكرة في محتواها خلافًا لذلك ، دعوى عامة لكل الناس ، وبشرى سارة ترقى إلى درجة الإيمان بها كما بعقيدة .
هكذا ، وعلى نحو أقل بؤسًا وأكثر إشراقًا عاشت هذه الشخصية حياة حافلة بالنجاحات والإخفاقات ،انعكس أثرهما إيجابًا على الجزء التالي، والأنضج في حياتها ، بل وقبل اجتياز الألم كانت تجرى على لسانها كلمات الشكر مثلما في المسرّات كذلك في النكبات .
يحدث أيضاً أن يتشارك أصحاب الحكمة والرأي الرشيد حالة النسيان لعطية مجانية من أناس صهرهم الوجع ثم أعاد تشكيلهم من جديد.
بعد انقضاء 30 عامًا على رحيلها ، لايزال حديثها عن الدور الذى يلعبه الألم والمعاناة فى فِلاحة النفس وإنضاج الثمار يبعث برسائل للتفاؤل،ويضخ الدماء في الشرايين و الأوردة التي تكاد تتوقف فيها الحركة .
وفي أوقات بعينها ، يطل وجه “سان ماو ” مجددًا مع آخرين لكي يعيد على مسامعنا تلك الكلمات ، من دون وعظ كلاسيكي، وبأمل صادق للحزانى والمتألمين، مطالبة الجميع بفهم أعمق للحياة ، وقبول ألوانها المختلفة ، وتقديم شكر خاص للون الأسود حين تقودنا ظلمته إلى بقع من الضوء كثيرة