طارق حنفي
مفكر وأديب مصري
من الطبيعي أن يسر الواحد منا لتفاعل الآخرين -إيجابيًا- مع ما يكتب أو يقول، على الأخص ذوو المواهب كفنان من نوع ما، أو صاحب كلمه كشاعر أو كاتب… إلخ كذلك العالم في مجال ما؛ فيعمه بالسرور لأن موهبته أو كلمته نافعة، وتلقى استحسان الآخرين..
ومواقع التواصل الاجتماعي -ومنها الفيسبوك- يحقق له الكثير من ذلك..
لكن، وكما أن للفيسبوك بغض المزايا، فهو يحوي الكثير من الثقوب السوداء التي تجذب رواده إلى بؤر المساوئ والخطايا!.
هو ببساطة عالم افتراضي، فراغ لا نهائي يتيح للجميع تفريغ طاقاتهم، السلبية منها والإيجابية، كما يستطيع الجميع إشباع صفاتهم وأهوائهم من هنا وهناك..
يعطي الفرصة -للبعض- ليعبر بالكلمات والتفاعلات عما لا يستطيع التعبير عنه في العالم الحقيقي، يقول ما يتمنى بالطريقة التي يتمناها.
لكن، هناك من يجاهد -بشتى الطرق- لكي يصير محل الاهتمام، يجذب الآخرين إليه؛ ليلتفوا حوله، ويدورون في فلكه..
يبذل قصارى جهده للوصول إلى هدفه، قد يلجأ للاستظراف المبالغ فيه، الكتابة في الدين وذكر سيد المرسلين، الكتابة في السياسة والرياضة، ادعاء العلم ومن ثم النصح والإرشاد، قد يأتي بفقرات جاهزة من هنا وهناك وينسبها لنفسه..
حتى أنه قد يتحول إلى (الميكس) وكل شيء والعكس.
وتكمن الخطورة عندما يتطور الأمر -مع البعض- لأكثر من ذلك، عندما يستدرجهم الفيسبوك لاستخراج المكنون والتعبير عن الذات..
يستدرجهم للتعبير عما يرون أنهم يستحقونه -من وجهة نظرهم- وليس الحقيقة! تظهر انحرافاتهم النفسية وعقدهم، أشياء -ربما- لا يجرؤن على مناقشتها مع أنفسهم لقلة حيلتهم وواقع حياتهم، لكنها تبقى منزوية بداخلهم تنتظر الفرصة، البيئة المواتية للظهور والإعلان عن نفسها..
ومنها الغرور والنرجسية؛ فيعمد إلى صناعة الدراويش، أولئك المجذوبون به المنجذبون إليه، يتحكم بهم، يعيشون في ظله، يمجدونه، يغذون الغرور والنرجسية المنزويين خلف الأقنعة.
أما الطامة الكبرى، حين يحاول صاحب موهبة حقيقية -من أصحاب تلك الانحرافات النفسية- تطوير الأمر، محاولا الخلط بين العالمين الواقعي والافتراضي؛ فيعمد إلى المكسب المادي عن طريق المتاجرة بالأحلام، كأن يفتتح دارًا للنشر..
تخيل واحدًا مثل هذا بنكهة روائي أو شاعر موهوب، وما يمكنه أن يفعل! سيتاجر بأحلام الدراويش أيَّما تجارة..
سيعد كل من يأتيه غرورا، يصنع له حلمًا داخل العالم الافتراضي، ويزين له الدخول من باب الأوهام ليصل إلى النجاح في واقع الحياة!..
وفي مرحلة ما بعد أن يصطدم الحلم بالواقع ويتضح مدى زيف الحلم لشخص ليس درويشا مثل أتباعه ولا يهدف إلى صنع الدراويش مثله، يرى هذا الشخص عدم جدوى استمراره معه؛ فيقرر الابتعاد عنه..
هنا، نجده ينقل مثل هذا الشخص -ببساطة- إلى خانة الأعداء، فهو من وجهة نظره النرجسية -لا محالة- درويش، إن لم يدُر في فلكه سيدور في فلك منافسه.
قد ينسى سبب الخلاف والعداوة، لكنه سيظل أبد الدهر يذكره بالسوء، حتى بعد مرور السنين، سيصبح حلقة في سلسلة أعدائه..
سيعمد إلى تشويه صورته بين دراويشه الذين يقومون بمهمتهم المقدسة -دون تفكير- بنشر كلمته عنه في ربوع الفيسبوك، سيعتبرونه عدوهم، كيف لا وهو عدو لكبيرهم! حتى أنهم قد يورثون عداوته درويشًا بعد درويش.
تستطيع أن تتعرف على مثل هؤلاء النرجسيين من سيماهم، على سبيل المثال: عند ذكر منافس له بالخير، أو عند اختلافك معه -وإن كنت على حق- حول الأمور المادية أو غيرها..
ستبرز مخالبه وتنمو أنيابه ويسيل الزبد من شدقيه، لا تكاد تميز له كلمه من شدة عوائه..
مثل هؤلاء يسقطون وإن عظمت مواهبهم؛ لن تتسع ذاكرتهم لتحوي كل كذبهم، وسيظهر مدى انحيازهم لأنفسهم، كما سيظهر -كذلك- مدى انحيازهم لدراويشهم وإن بدا غيرهم أكثر استحقاقا..بمرور الوقت سيتعرى جزء منهم بعد جزء أمام الدراويش، كلما طلبوا منهم التطبيل والرقص..
والأهم، ستذبل موهبتهم؛ لأن الموهبة تحتاج الصفاء لتتلقى الإبداع وتعبر عنه بطريقة طبيعية وليست مصطنعة.