حوار عن
صحيفة “الجريدة” الكويتية في 4/7/2011
يعتبر الشاعر اللبناني وديع سعادة أن دور النشر العربية تهضم حقوق المؤلف، ويعتقد أنها قضية كبيرة، بل مشكلة واسعة، مذكراً بأن جريدة في ألمانيا راحت تبحث عن عنوانه في أستراليا لمدة ثلاثة أشهر لترسل له مكافأة عن قصيدة نُشرت فيها… معه هذا الحوار:
* في زمن غابر وزّعت ديوانك الأول “ليس للمساء أخوة” بخط اليد، وفي المدة الأخيرة وزّعت كتابين إلكترونياً هما “تركيب آخر لحياة وديع سعادة” و”من أخذ النظرة التي تركتُها أمام الباب”. ما هو برأيك تأثير التحوّل في النشر على القصيدة نفسها؟
– لا تأثير للنشر على القصيدة مهما اختلفت طريقة هذا النشر. الفارق الوحيد أن النشر الإلكتروني يوصلها الى عدد أكبر من القراء، ومجاناً.
* نشرت أعمالك الشعرية ضمن مجلد لدى “دار النهضة”، كيف تنظر إلى تلك الأعمال مجموعة في “قفص” واحد أو مقبوضاً عليها بين جلدتين؟
– أكثر من كتاب لي كان إصداراً خاصاً ووزّعته على الأصدقاء فحسب، وكان غائباً عن السوق وعن قراء لا أعرفهم، لذلك رحبتُ حين طلبت مني “دار النهضة” أن تصدر أعمالي الشعرية في مجلّد يوصل إصداراتي الخاصة إلى أصدقاء آخرين لم أكن أعرفهم. هكذا فحسب، وببساطة، أنظر إلى هذا الذي تسمّيه “قفصاً”.
* أخبرنا عن “قضيّتك” إذا جاز التعبير في ما يتعلّق بكتابك الأخير “من أخذ النظرة التي تركتُها أمام الباب”، وما سبب نقمتك على دور النشر؟
– ليست لديَّ قضية مع دور النشر العربية سوى أنها تهضم حقوق المؤلف، وأعتقد أن هذه القضية ليست صغيرة.
* ألا تعتقد أن القراءة عبر الإنترنت فيها قدر من التسطيح والنظرة السريعة إلى الكلمات كما لو أنها مجرد صور على شاشة، على عكس الكتاب الذي يجبر حامله على القراءة ببطء؟
– هذا أمر لا يعود إلى الكاتب بل إلى القارئ، إن كان يقرأ فعلاً أو أنه يتصفّح فحسب. في أية حال، يمكنك أن تطبع ما على الشاشة وتقرأه على مهل، وبكلفة أقل بكثير من كلفة شراء كتاب مطبوع.
* ألا تعتقد أن أزمة نشر الشعر لا تقتصر على العالم العربي فهي في كل مكان، والناشرون كلّهم في العالم تجار بالدرجة الأولى، لكن ثمة اختلاف في أن الدور الأجنبية تحترم نفسها من خلال معرفة اختيار ما تنشر؟
– لا. وأعطيك مثلاً: ترجم لي المستشرق الألماني شتيفان فايدنر قصيدة من سبعة أسطر فقط ونشرها في جريدة ألمانية، وبقيت إدارة هذه الجريدة ثلاثة أشهر تبحث عن عنواني في أستراليا، وحين اهتدت إليه كتبت لي رسالة تطلب مني فيها رقم حسابي المصرفي كي ترسل لي بدلاً مادياً عن نشر تلك القصيدة الصغيرة. هل يحدث هذا في العالم العربي؟
* قلت يوماً “وداعا للكتابة” وعلى رغم ذلك ما لبثت بعد سنتين أن أصدرت مجموعة “غبار” ثم “رتْق الهواء”. وقلت “الوقت، الوقت. ماذا أفعل بالوقت؟”. هل يعني ذلك أن الشاعر أو الروائي من المستحيل أن يعتزل، على عكس المهن أو المواهب الأخرى؟
– قد تكون الكتابة هي وهْم استدعاء الجمال، وماذا سيبقى للكاتب إن غادر هذا الوهم؟
* هل تعيش الشعر أم تكتبه فحسب؟
الشعر حياة وليس كتابة فحسب.
* هل تشهر في أستراليا بأنك مزدوج الهوية؟
– ما أشهره في مكان ما، أشهره في الأمكنة كافة. وأعتقد أن هوية أي شاعر هي هوية عالمية وليست هوية بلد بعينه.
* هاجر كثر من لبنان وكتبوا بلغة بلاد المهجر، لماذا ما زلت تحافظ على اللغة العربية؟ هل لأنها لغة الطفولة، أو لأنك لم تجد نفسك في لغة المنفى؟
– ليست اللغة التي نكتب بها هي المهمّة، بل المهم أن نشعر ونفكّر باللغات كافة.
* يحضر في شعرك دائماً طيف الشعراء الأميركيين، من آلن غينسبرغ إلى جاك كيرواك. كشاعر، هل يمكن أن تعيش نمط حياتهم (الجهنمي) أو أن صلتك فيهم نصّية فحسب؟
– أعيش حياتي، وهي قد تشبه حياة كثيرين غيري. وأعتقد أن بيني وبين الذين ذكرتهم، وسواهم من الذين يشبهونهم، صلة روحية وكتابية معاً.
* في شعرك أثر فلسفي، بمعنى آخر يحضر طيف نيتشه في بعض نصوصك، هل لديك طموح إلى مقولة الشاعر الفيلسوف؟
– لا أعرف من يحضر ومن لا يحضر في شعري ولا أفكر في حضور أحد حين أكتب. أكتب ذاتي فحسب، بلا طموح إلى أية مقولة أو أي فلسفة أو مشروع.
* هل ما زلت عند مقولة إن وطنك هو الوهم وإن الكتابة لم تكن على مدى التاريخ سوى وهم أو سراب؟
– ما زلت.
* هل تعتقد أن قصيدة النثر انتهت لتولد أجناس أدبية أخرى قائمة على النص المفتوح؟
– لا أقول انتهت، بل أقول إن للشعر امتدادات أخرى مفتوحة على الآداب والفنون كلّها.
* هل لك تلامذة في الشعر، وهل تحب هذه الظاهرة؟
– أحب أن أبقى تلميذاً لا أن أصبح أستاذاً.