وقت مستقطع من الحرب
إعداد: سعيد منتسب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحاول أن نسد فوهة المدفع بوردة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هناك من يعتبر «الحرب محاولة متأخرة للحياة». غير أن آخرين، وهم كُثْرٌ، يرون أنها خزان كبير للوجع. وبين هذا الموقف وذاك، يشتغل الأدب على الحرب بتأنّ بارع وهدوء مخاتل، ويضعنا على الطريق السريع للمتع الطائشة، إلى درجة نوع من الإشباع السام. في الحرب، تمتلئ النصوص الأدبية بالجثث والخرائب والدماء، كما يحتشد الورق بالقنابل المتعددة الصنع، وحُفَر الحرق، واليورانيوم المنضب، وأيضا بالآثار الفورية للعمى الهائل. كل الحواس تنتبه حين يضغط الموتُ بكل عبثيته على الممرات والجسور والأبواب، وحين تصبح الحشرجة «علامة تجارية». صحيح أن الحرب يصنعها، عادةً، مغامرون أو رماةُ نرد. غير أن السؤال المطروح هنا هو: «هل يمكن الذهاب إلى المستقبل بدون حرب؟»، وهل بوسع الأدب أن ينمو خارج الدماء الهائجة لما يمكن أن نسميه «لحظة الاشتباك مع العدم»؟ الحرب، أيضا، شرخ عظيم في الكينونة، في الشرط الوجودي، كما أن «الضرورة» تجعل منها معضلة أخلاقية مكشوفة، لا يمكن تجاوزها فكريا. في هذه الشهادات عن الحرب، مع الكتاب والمبدعين والمثقفين والفنانين، نشعر بأن إشعاعاتها لا تستثني أحدا، سواء أكان في قلبها أم على هامشها، قريبا أم بعيدا، عسكريا أم مدنيا، مناصرا أم معارضا، حيا أم ميتا. نشعر بالدخان والغبار يصل إلى الحلق، ونقاسي شح التموين، ونحس بانقطاع الماء والكهرباء، ونسمع لعلعة سيارات الإسعاف، وتتخاطر في أحلامنا الدبابات والمقنبلات والصواريخ المضادة للطائرات، وكل الخرائط تبدأ في الفركلة داخل رادارات عسكرية، تتهددها بالخراب المبين..
زكية المرموق:
نحاول أن نسد فوهة المدفع بوردة من المؤكد أن للحرب أثرا كبيرا على الأدب يعود إلى ما قبل الميلاد؛ فقد شكلت الحرب دوما مصدر إلهام ومادة خاما للأدباء بدءا من هوميروس في رائعته «الالياذة والاوديسة» مرورا بسيرفانتيس «دون كيشوت»، تولستوي»الحرب والسلم»، إميل زولا»الهزيمة»، وصولا إلى كتاب حداثيين أمثال هيجل، سبينورَا، سارتر، كامو… لكن في البداية، كان أغلب الأدباء يمجدون الحرب وصناعها، يجعلون من أبطالها شخصيات أسطورية وملحمية مثل روايات الحروب الصليبية، حيت تم توصيف الملك ريتشارد على أنه شخصية خارقة… بعد ذلك، ظهر نوع آخر من الأدباء كرسوا مفهوم الشوفينية ورفعوا شعار الفرد في خدمة الجماعة، وبالتالي تمت التضحية بالكثير من الأفراد في خدمة سياسات عبثية ومتطرفة. بعد الحربين العالميتين، شهد أدب الحرب قفزة نوعية بعد ظهور حركة تنويرية إنسانية تزعمها أدباء ناهضوا الحرب وانتصروا للانسانية بعد الدمار الذي عاشوه خلال الحرب وبعدها من قتل وإبادات جماعية ومآسي… فلا قوة استطاعت أن تواجه سلطة الفناء والزوال إلا سلطة الإبداع، إذ أن المثقف هو ضمير الأمة والاديب مرآتها. يكفي أن نقرأ «الحرب والسلم» للروسي تولستوي، «وداعا للسلاح» للأمريكي همنغواي، «الثلج الحار» لونداريف، «عداء الطائرة الورقية» للأفغاني خالد حسيني، وغيرهم من الادباء من شرق الأرض وغربها. حاليا هاهو كابوس الحرب يلوح لنا من جديد بسبب ما يحدث بين روسيا واوكرانيا، وبسبب ما يحدث في الصحراء المغربية.. وهذا جعلنا نعيش بشاعة الحرب دون أن نعي ، ونصبح أبطال أفلام وروايات؛ فنحن سكارليت في فيلم «ذهب مع الريح»، نعيش، مأساتها والتمزق الذي عرفه الشعب الأمريكي بين شماله وجنوبه بكل التفاصيل في النوم واليقظة، ونعيش ماعاشه توم هانز في فيلم»أين ريان» فنتحول إلى طرائد في أدغال الفييتنام… ثم بعد؟ والى أين؟ فلا أحد يخرج منتصرا في الحرب إطلاقا… نحن الذين لم نخرج بعد من براثن كورونا أصبحنا نعيش على إيقاع الأخبار في القنوات التلفزية، وما تبثه من مستجدات حول الحرب الدائرة في الجهة الشرقية من أوروبا، هذه الحرب التي إن استمرت ستأكل الأخضر واليابس في العالم كله، إذ لا أحد سيكون في مأمن بعدها… لهذا نرفع صوتنا بالشعر كي لا نعيش فجائع وفظائع ماعاشه العراق، الشيشان، اليمن سوريا، من كوارث إنسانية وتراجيديا النزوح والاغتراب… نوفع صوتنا بالشعر والحب كي لا نتشرد وتأكلنا الطرقات، وتقفل في وجوهنا الحدود وتخذلنا الجوازات وتبيعنا الديموقراطيات المزيفة.. كي لانفقد أطفالنا تحت أنظارنا ونحن لا حول لنا ولاقوة.. نحاول ونحاول عسى سلطة الحياة تكون أقوى من سلطة الموت نحاول ونحاول أن نسد فوهة المدفع بوردة فهل من مستمع؟ فهل من بصير؟ فهل من مجيب؟