أنا لَمْ أَكُنْ أنا
………..
أنا وَلَدٌ عاق
أستَشيظُ غَيْظاً وأنا أتَوالَد
أتَدَلّى من رَحَم زنبَقة
عَلَّني أطَأُ الأرضَ دونَ موسيقى ..
أُريدُ أن أضحَك
لكِنْ لا فَمَ لي !
. أتَسَللُ من بابٍ صغير
أدوسُ خَيْطَ ماء
أشْتُمُ الضَّوءَ .. كأنَّ شيئاً لم يَكُن .
لَـمْ تَلِدني أُمّي
-أقَلَّهُ ليس عَلَناً-
لِـذا رأسي لا يُشبِهُ رأسي،
وأنا لم أكُنْ أنا،
وَلِـمُدَّةٍ ليسَت بِقَصيرة ..
أقَلَّهُ لَم تَلِدْني في مقهى،
فَـأَعتادُ على ادمان القهوة
في رُكنٍ صَغير رائحَتَهُ :
تبغٌ وخَمرٌ ووجوهٌ غريبة ..
أنا لا أُشبِهُ أنا
ولا وَجهي يُشبِهُ المِرآة .
لا دورَ لي في ارتِطامِ المَوْجِ بالصُّخور
ولا في حَنينِها إلى النَّبع .
كانَ يُمكن أن أَكونَ حَجَراً
أحاطَهُ عنفوانُ الزَّبَد
أو أكونَ نَوْرَساً في مَرجوحَةِ الرِّيح
لا دَوْرَ لي في انتِحارِ القافِلة
وَلا في نَجاتي ..
وحيداً
فَـأنا لَستُ خَبيرَ مِلحٍ
ولا حارِسَ هَدير ..
كانَ يُمكِن أنْ أكونَ صيّاداً
غَمَرَهُ المَدُّ مِراراً
فَـأَضحى لا يَشعُر بِـبَردٍ أو بَلَل،
يَأخذُهُ النُّعاسُ متى شاء ..
كان يُمكن أن أَموتَ غَرَقاً
في فَمِ سَمَكة كان يُمكِن أن أموتَ حافِياً
كُلَّ يوم
كَـجائعٍ على بابِ قَصر
كَـمَريضٍ على بابِ مَشفى
كَـناسِكٍ على بابِ كَنيسة ..
لَمْ أَكُنْ أنا
مَن جَعَلَ مِنَ الحجَرِ مِدفَعاً
وقَضِية يَرشُقونَ بِهِ الطُّغاة
ويَكتبونَ مَلحَمَة الحُرية .
لَمْ أَكُنْ أنا
مَنْ جَعَلَ مِنَ الباقِين جَوارِباً مُهتَرِئة
.. مُرتَخِيَة .
لا دَوْرَ لي
في كُلِّ ما ذَكَرْت
وفي كَثيرٍ منَ الأوقات .
إنِّي لا شَيء،
قَد أكونُ مُجَرَّدَ حَجَرٍ
على حافَّةِ طَريق
يَتَفَيَّأُ في ظِلِّه نَمْلٌ أحمَر .
قَد أكونُ رَجُلاً عابِراً لِصُوَر مُرتَجَلة
هناكَ،
مَحشوراً بينَ الماءِ والسّماء
أُحاولُ احتِساءَ رعشَةِ الأمواج .
قد أكونُ واقِفاً في العَتبَة،
أُسَلِّمُ، مرَّةً أُخرى،
على الأرضِ والجَداوِل والمرأةِ التي أُحِب
.. أُسَلِّمُ على حَبلِ الغَسيل الرَّخُو،
أُسَلِّمُ على جُدرانِ منزِلِ أبي .
قَد أكونُ فراشةً صارعَتْ الأضواءَ الشَريدة
تَعِبَتْ،
غَفَتْ على خَدِّ قِنديل .
لا سُلطَة لِأَحَد على هذا الكَوْن،
سَأُطْفِىءُ كُلَّ هذا الضَّوْء
سَأُطفِىءُ كُلَّ هذا الضَّجيج …
وأَنام .