محمد علي مدخلي
مَسْغَبَة
امتلأتْ الحجرة بالضجيج. حملتْ الأم طفلها الملفوف بالخرق إلى السرير. ظلّت ترضعه نادبةً حظها وفاقتها. أخذَ نفساً عميقاً من السيجارة وسحق عقبها تحت قدمه، وهو يخاطبها : سأتصرف.
دمدمت بتذمر: مثل كل مرة!.
ذَبّ الذباب عن أنفه وهو يطحن الفكرة مع نفسه.
– أعدكِ، سأجلب الطعام.
حمل معه مصباحًا يدويًا. لحقت به جلبة كلاب حتى نهاية الشارع. وصل المستودع، شدّ القفل بيده اليمنى وأدخل رأس المبرد في الرزة، حرك ذراعه عدة مرات حتى استجاب. فتح الباب مواربة ودخل.
كان الممر مظلماً. راح يحرك المصباح يمنة ويسرة بحثاً عن صناديق المؤن. مشى بحذر حتى وصل. لفّ حاجته في لفافة وهم بالانصراف.
ظهر ظِلٌّ أمامه!.
قفز متخذاً وضعية المتأهب…
– لن تخرج من هنا.
– أرجوك، دعني أغادر.
تشبث الحارس بدرفتي الباب، حاول المُعْسِر إزاحته جانبا. تعاركا حتى بدآ بفقدان قواهما. زفر الحارس حنقاً، وثب على ظهر خصمه فسقطا معاً.
تناثرت على الأرض حبات أرز وتدحرجت زجاجة حليب…!
نظر كل منهما في عيني الآخر… أفلتَ الحارس يده من قميص الآخر. جمعَ ماسقط من لفافته؛ مجرجراً قدميه للخارج، يتحسس رعاف أنفه
…
1) صِراع
تذهبُ إلى مسكن صديقك بإلحاحٍ منه . تجده ملتزماً جانب الصمت بوجهٍ بالغ الشحوب.
يهمس لك بصوتٍ أبح مكتوم : “الشرف لا يحتمل الانتظار “.
يظل يتلعثم ويبكي. تطمئنه برقتك المألوفة : “إن بعض الظن إثم”.
تودعه عازماً على قطع علاقتك بزوجته …!
2) بورتريه
كان المقهى شبه خالٍ، والمذياع يبث أحاديث مملة. طلبتُ قهوة في انتظاره .
أتى متأخراً، اعتذر بخجل، وتقوقع في مقعده.
شرعتُ برسمه… ملامحه جميلة، يملك شعراً سبطاً وعينين ناعستين.
تناول لوحته بفرح… ودعني، متلمساً بعصاه باب الخروج…!
3) ماذا لو عُدتَ معتذراً
سأدعكَ تطرق الباب مراراً، وعندما تهم بالانصراف، أفتح لك بوجه عبوس.
تقتربُ مني، فأتظاهر بالغضب. أسحبُ يدي إذا ما أردتَ تقبيلها.
يعقدُ الندمُ لسانكَ، وتُطْرقُ للأرض. اختلسُ النظر إليك، وجهُك متعبٌ، وغير حليق. ارتعشُ أمامك، وأفقد توازني. تُسنِدني إلى المقعد، وترتمي في حُضني…
أقرّعك بقسوة، حتى يزدادُ نحيبك..
حينها، سأمسح على رأسك، وأخبرك بأني أعددتُ حساءك المفضل…!
4) طبع
ساء الجو…انزلقتْ أمتعة الركاب وأصبحت الطائرة مهددة بالسقوط.
اختلط صراخ النساء ببكاء الأطفال.
كنتُ خائفاً، استعرض تاريخي بكثير من الندم والتوبة.
لما مضى الخطر، ابتسمتُ لإحدى المضيفات، ابتسامة خبيثة…!
5) خبط عشواء
تنغمسُ في مكان مزدحم، متكئاً بظهرك إلى جدار متصدع .
ترمقُ عيناك الفراغ، وتشمّ رائحة خوفك.
تضرب الفوضى أطنابها في الخارج…!
تنهضُ إلى النافذة الصغيرة، تحبسُ أنفاسك وتختلس النظر.
هدير محرك حافلة قادمة!.
يترجل منها كبيرهم بصدره العاري!.
يُفتح له الباب، يتجاوز بنظره جميع من حولك، ويقع الاختيار عليك!.
تُقاد إلى الحافلة معصوب العين
……..