الخطّارون و أنواعهم .. -٤- الخطّارون الموَلّفون

شارك مع أصدقائك

Loading

الخطّارون و أنواعهم

٤- الخطّارون الموَلّفون

وهنا اذكر مقالي عنهم

التوليف في الشعر…النص المخادع:

بعد ان اتسعت مساحة العمل الشعري بتعدد اشكال الكتابة وانفتاح النص على اجناس ادبية اخرى من جهة .. و زحف الهاجس المعرفي الى فضاء الخلق الشعري من جهة اخرى ، سقطت حواجز وانهدمت جدران كانت تعوق الطارئين او الخطّارين  على الشعر من الوصول الى مسرح الضوء حين كانت شروط الكتابة واضحة ومعايير الابداع على درجة من الدقة لا تجرؤ معها الاصابع الغريبة على العزف على وتر الشعر والاعتداء على فن القول العالي . هذا فضلا على هيمنة العيون النقدية الراصدة لتطور حركة الشعر والمشيرة بمتابعتها وتقويمها الجاد الى الاغصان الجديدة في شجرة الشعر و مشروعية انتمائها وحجم هذه الفروع ومدى تاثرها وتاثيرها وامتدادها في تكوين الهيكل العام للشجرة ، أي ان العملية تمر بمستوين و مخاضين يمثلان الصوت والصدى او الصورة وانعكاسها .

فالصوت هو شخصية الشاعر المشتملة على الموهبة – الاستعداد الفطري لخلق التعبير الشعري من صياغة وتصوير .. والثقافة التي تكتنز القدرة على استخدام اللغة والالمام بتراث الشعر و الاطلاع على التجارب الحديثة او المعاصرة .. ثم الوعي الثاقب باختيار الموضوع المؤثر المنطوي على تجربة انسانية عميقة والمشحون باللغة ذات الصور او الافكار الشعرية المنطلقة  على نغم الايقاع الداخلي او الخارجي المعزوف على اوتار الذات الشاعرة المتوقدة بالاحاسيس والاخيلة .. كل هذا يمثل الصوت او الصورة .

اما الصدى او الانعكاس فهو اخضاع هذه التجربة لمقاييس النقد سواء من القارئ كناقد اولي او من الناقد – الناقد الذي يتامل النص  ويمنحه فضاءات جديدة بالدراسة والتحليل واحالة العمل الشعري الى مرجعياته الفكرية والاستلهامية ومنحه درجة الشعرية بتحقيق الهدف الابداعي .. فيسمع الصوت في رحاب القول وتاثيره ويرى انعكاس الصورة على مرآة الزمن والقدرة على البقاء والتواصل .. هذا حين تكون مقاييس الابداع راسخة لا تسمح باختلاط التجارب الدخيلة بالاصيلة  ، وشروط العمل الشعري صعبة على وفق هذه  المقاييس سواء تلك الشروط التي يتطلبها النص كانجاز داخلي – مشغلي – للتجربة – او التي يصطدم بها هذا النص خارج حدود الانجاز .

اما حين تستسهل شروط الكتابة تحت لافتة القصيدة الجديدة الخالية من المتطلبات الصعبة للبناء الفني والمدججة او المشفوعة بمصطلحات حديثة مثل الايستمولوجية ومجانية التعبير والنص المفتوح والنص المركب .. الخ عندئذ يحصل شرخ في حرمة العمل الشعري  وفجوة يدخل من خلالها الطارئون .. هذه الفجوة تتطلب وتمهد لاستحداث فجوة اكبر منها هي فجوة التوليف في الشعر واعني به الاستنساخ المقنّع  للتعبير الشعري سواء كان ضمن قصيدة  العمود او قصيدة التفعيلة او قصيدة النثر ..

ولناخذ مثالين الاول من الشعر العمودي وليكن الشطر :

(( اثر الغبار واربك الاشياء ))

ياتي المستنسخ فيقول (( اثر الغبار واربك الاقلاما ))

او يبتعد قليلا فيقول (( اثر الغبار واطلق الاحلاما ))

او بدرجة استنساخ اقل فيقول (( اثر الكلام واطلق الاحلاما ))

وهكذا يستطيع تطبيق استنساخه على أي بيت شعري وفي اية قصيدة وباي اية درجة من الاستنساخ .

اما التوليف في قصيدة النثر فهو الاكثر انتشارا وخداعا لان قصيدة النثر يمكن ان تستفيد  من كل قصائد النثر في العالم او ان المولف -وليس المؤلف-  يستطيع ان يستفيد من كل شعر مترجم من الشعر العالمي المتاح  ذلك  لانه ليس امامه عائق الوزن او الايقاع والقافية فيكون التوليف اسرع واسهل واكثر تمويها  فيمكن ان يكون باستخدام التراكيب التي يعتمدها شاعر ما فمثلا ناتي للقول :

(( امشط الشوارع بالاسئلة ))

يضعه المستنسخ في جهاز التوليف فيقول (( امشط الشوارع بالفصول )) او بدرجة اقل (( امشط المتاهات بالفصول )) او يبتعد اكثر فيقول (( اداهم المتاهات بالفصول )) وهكذا يستطيع ان يعطي ما لا نهاية له من التعابير بجهاز التوليف اعتمادا على التعبير الشعري الاول .

بيد ان هذا التوليف –  على سعة احتمالاته وايهامه – ساذج ومكشوف خاصة عند المتطلعين او الراسخين في الشعر ..

غير ان هناك توليفا اكثر خطورة وابعد مرمى واعمق ايهاما من توليف التعابير الشعرية الا وهو توليف التجارب الشعرية او مزج مقاطع شعرية مختلفة  مع بعضها   في تركيب جديد .. وهذا توليف معرفي يتطلب من صاحبه – عديم الموهبة او ضعيفها – الماما بتاريخ الشعر واطلاعا على تجارب متميزة في الشعر القديم والشعر الحديث العربي منه والغربي .. فمثلا ياخذ من  رسائل اخوان الصفا او من شعرية النص الصوفي او الكتاب المقدس – ولا سيما نشيد الانشاد – فيربطهما بتجارب متميزة من الشعر العربي او العالمي مثل تجربة كفافي او اودن او باحدى تجارب سلسلة الشعراء الفرنسيين الذين عرفوا بالفوضوية او التدميرية او البحث عن المجهول او البحث عن المطلق وصولا للسرياليين منهم أي من بيرتران حتى بريتون مرورا ببودلير ورامبو ولوتريامون ومالارميه او وصولا الى تجارب هنري ميشو وايلوار وشار او حتى جاك بريفير .. او من بعض تجارب الكتاب المحدثين الذين يجد حتى القراء والمختصون من ابناء جلدتهم صعوبات فيما كتبوه وذلك للاغراق في التجريب والرمزية والتجريد مثل جويس وباوند وكيروترودشتاين وغيرهم .. بعد ان يجري عليها التوليف الاولي فيعطيك ( نصا جديدا ) مخادعا مشحونا بالقوة الخفية للنصوص التي اخذ منها بطريقة التوليف – الملصق – وهذا النص سيخلق شاعرا مزيفا بعد ان (  خلقه ) الشاعر المزيف ونفخ فيه روح العبث والخيال المزيف ، وهنا نذكر تاكيد سوزان بيرنار على الاصالة في التجربة الشعرية بقولها : (( اذا لم يكن اليوم شيء اصعب من ان يكون شاعر نثر اصيل ، فربما ليس هناك اسهل من ان يدعي المرء كونه شاعرا )) .

والان قد يقول قائل .. هذه مرجعيات و لا باس ان يظهر تاثيرها في تجربة شعرية ما . فنقول له هذا صحيح لو كانت هذه المرجعيات مهضومة ومتمثلة في عملية خلق فني جديد على طريقة – الاسد مجموعة خراف مهضومة – او – التناص – الذي تحدث عنه جارجينيت او جوليا كرستيفا .. عندئذ ندخلها في باب التاثر والاقتباس لان المعنى الشعري عمل مبتكر يبقى في ذاكرة الادب فلو نظرنا الى النقد العربي القديم وصرامته لوجدنا مثلا قول ابي تمام :

لو خر سيف من العيوق منصلتا                              فليس الا على هاماتهم يقع

العيوق : نجم ،

عّد هذا البيت  سرقة من قول كعب بن زهير :

لا يقع الطعن الا في نحورهم

وما لهم عن حياض الموت تهليل

غير ان الامدي دافع عن ابي تمام وقال : (( ان المعنى الذي اراده كعب انهم قوم لا يولون الدبر ، اما ابو تمام فحين سئل عن معناه قال : اخذته من قول نادبة : لو سقط حجر من السماء على راس يتيم ما اخطأ ! ومعنى ابي تمام بعيد عن معنى كعب ))  اقول هذا المعنى البعيد عد سرقة مما حدا بالامدي للدفاع عن ابي تمام في – الموازنة – فكيف حين يدخل الشعر في جهاز التوليف سواء اكان توليف تعبير شعري او توليف تجربة .. ساعدت الظروف والملابسات التي ذكرناها على انتشاره في المشهد الشعري الان ولا سيما بعد ان كثرت نوافذ النشر مما ساعدت تجارب التوليف على الرسوخ السلبي .. بل صار بامكان احد الطارئين او الخطارين  على الشعر ان يؤلف كتيبا عنوانه ( كيف تتعلم الشعر في ثلاثة ايام بدون معلم ) !

……………………………………

 

شارك مع أصدقائك