عزاء آل شامخ اليوم في سيدني

شارك مع أصدقائك

Loading

عزاء آل شامخ اليوم في سيدني

الأحبة جميعا

شكرا ومحبة لقلوبكم العامرة بالوفاء وهي تشاطرنا حزننا الوارف الدموع والألم والفجيعة  على فقدان أخينا وحبيبنا سلام  شامخ غريبا هناك  في هولندا ..شكرا لكل من حضر العزاء وقدّم التعازي شخصياً ولكل من اتصل اواعتذر  ولكل من لم يحضر لاسبابه الخاصة .

وهذه  كلمتي بهذا المصاب الجلل :  

  ليس مصادفة ابدا أن نقيم لسلام هذا العزاء اليوم وهو الرابع في تسلسل العزاءات ، فقد اقام اخي صباح   وابناء عمومتي واهلي في البصرة عزاء يليق به ، وفي بغداد اقاما اخي الدكتور ضياء واخي بدري عزاءً ثانياً ، وفي هولندا اقيم هناك  عزاء ثالث له حضرته أبن الراحل  أختي  الكبيرة وابنها يوسف وجمع من الاصدقاء والأحبة في امسترادم ، وها نحن نقيم العزاء الرابع للحبيب سلام ، وهو الغائب الرابع من شجرة عائلة آل شامخ ..  يا لها من فاجعة .. …

ولكن لابد لي أن اعترف لكم أن آل شامخ   لهم مع الموت صولات ومع ملائكة الهلاك جولات ..

قدر موقوت ، أم نزوة رجال لا يعشقون الحياة تحت درجة  صفر كرامة ؟

لسنا ابطالاً  ابدا ،  بل على العموم نحن ضحايا الموت اكان مجانيا ام مقصودا  ام مرصودا ام رغبة في الرحيل  ..

فكان المرض هو من قطف أبينا   شامخ ،في  سرطان الدماغ ، يا لنا من عائلة لا تموت إلا بأمراض على درجة من النجومية لا تليق بغير القامات الكبيرة.

ولأن الموت وراثة فقد ارتقى اخي شهيد الشعب صبري ابا فراس   منصة الاعدام عام 1983  لانه لم يُدجن في زمن سيادة  فحولة السلطة على مدنية وحضارة وفكر الحياة ، مات صبري  شامخا ضد  طغيان الطغاة وسواد الحياة بل قبر ولا جثمان !! لأن السلطات منعتنا من اقامة عزاء ولم تسلمنا جثمانه ابدا .

وهكذا بيقينا

كأفراخ  بذي مرخ 

زغب الحواصل لا ماء ولاشجر .

وكانت أمي الحاضنة  لنا كبيرا وصغيرنامع اختي الكبرى ، حتى جاءت السكتة القلبية لاحقا  لتحصد روحها  الطاهرة  بعنفوان صحتها وحيويتها ، وكأن  ملاك الموت عارف بوداعتها وطيبتها ، فلا يريد  لقلبها الرهيف ان يشهد المآسي المنتظرة ..

ماتت امي وهي تلاقي ربها  واقفة  للدعاء  ،  واسلمت الروح بهدوء وسكينة .

ايها الموت  :

أما شبعتً منا ؟؟

وأكملت غيمة الموت مطرها  على العراق دما  وجورا ونقمة ، آبان الحرب الصدامية – الخمينية ، فكان اخي جبار حصادها في معركة مملحة الفاو ، ذهب وربما اكلت جثته اسراب ”  الحوم ” الذي اراد لها شعراء الطاغية ان تأكل جثث الآخر الضحية في الجانب الآخر من جبهة الموت المجاني ، ” يا حوم اتبع لو جرينا”

وهكذا لحق جبار بصبري بلا قبر ولا شهادة ..

ولكي  لا يمنحنا الموت فسحة  للسلام ، جاء  موت الأوسط   فينا   طالب الصيدلية علي ،  في حادث دهس مشكوك فيه  بسيارة اسعاف عسكرية مارقة ،  وحسبنا انه فاز بقبر  .. كما أمه وابيه ..\

وتفتق قلب العائلة وابتدأ  موسم الهجرات ، فسبقنا سلام الى المغامرة  ، من الاردن الى اليمن الى اصقاع الارض حتى مستقره في هولندا ، ولحقت به انا واختي علياء  الى استراليا ولاحقا اختي الكبرى وابناؤها الى امريكا ..

هكذا توزع آل شامخ بين العراق  اللافظ لابنائه وبلاد   الشتات ..

واذ نحن في بلدان الحرية والأمن الحياة الرغيدة والكفاح الجميل ، لم يمهلنا  الملاك الحارس لقدرنا ، وبدأ  يغازل سلام في خيار المنيّة ، وسلام كان مغامرا لا يبالي بالموت ، انه الذي رفع راياته البيضاء ليهبط ملاك الموت على قلبه  المترع بالألم ..

فكان للقطاف حين ، وطار سلام محمولا على اجنحة ملاك الموت / لا أشك انه  كان فرحا /  بهذا الكائن المطواع للرحيل بلا ضجيج ولا عويل .

ولأن سلام ابا امير الاقرب اليّ عمرا ومزاجا ونفورا وتمردا ،  وطفولة وجنونا ،  فكنّا على تواصل حتى ايامه الأخيره   صوتا وصورة ، نتعاتب ونتذكر طفولتنا ،  لكنه بقى العنيد الذي اعرفه ، لا يطاوع نصائح الاطباء ، ولا ينحني للعاصفة حين تكون  مرضا ،  وقف وبيده   معولاً  لتحطيم كل الوصايا ،  ذاهبا لقدره بحبور عجيب ..ويقول لي  ” وديع اتصير نباتي لو ما تصير ، تشرب وتدخن لو  ما تشرب ،  تاكل دسم لو ما تاكل ،  وديع حبيبي تمتع بحياتك ، الموت قدرنا الأكيد … انت مو تؤمن بالله ، ؟؟ فالموت هو سر ربك .. ،  دعني اذهب الى الهناك قبلكم  / كما بدأت مو سم الهجرات على قولك.  ”

سلام الى اخر لحظة وانا اراه يذوي كشجرة يابسة في خريف ارعن ، عبر التواصل ، صورة وصوتا ولاحقا عن طريق صديقنا المشترك عباس الشمري .. الرجل النبيل –  الذي يبعث لي بكل الفيديوات في كل لحظة حتى لحظة  موته الأثيره ،  وهو  يودع الحياة بزفير عجيب ،  وكأنه يستقبل شهيقا آخر في عالم الهناك ..

آخر فيديو لسلام  وهو مسجى في التابوت وهو مفتوح العينين .. اذهلني فعلا ، كل الموتى تسمل اعينهم إلا سلام ، ذهب الى قبره بعينين مفتوحتين وظل ابتسامة وجمال اكيد على محياه  .

ايا ايها القدر الماثل على ارواحنا

لقد نتفت  اربع ريشات ذهبيات من جناح آل شامخ

ارجوك كفانا هذا القصاص

ترفق بنا  يا الله ودعنا نلهو قليلا في رياض ما تبقى لنا من شجرة الحياة

…..

. شكرا  للموت الذي يجعلنا نتفكر في قيمة الوجود هنا أو هناك

شكرا للموت السؤال الأكيد  على وجودنا الحر ازاء يقين خائر القوى ..

لقد  وعدتني ان نلتقي في مطار امستردام كما كان اللقاء العام السابق  ، ونذهب الى حدائق زهور هولندا ، ونحتسي الحياة بكامل العافية ،  عذرا اخي سأزورك لاحقا لأقرأ على قبرك  الأخضر المترع  بالزهور ، حكايات لا يعرفها  غيرنا واسرار سوف تشاطرنا الزهور بسهرة ماطرة بالعطر..

سلام  انتظرني هناك

.

شارك مع أصدقائك