Blog

هل انتهى زمن الزعيمات؟….سفانه الديب

شارك مع أصدقائك

Loading

هل انتهى زمن الزعيمات؟

النّساء القائدات بين وهج الماضي وظل الحاضر

سفانه الديب

 

في العقود الأخيرة من القرن العشرين ، كان العالم يحني رأسه لنساءٍ تسلّمن مقاليد الحكم بثقة ، وتكلمن بلغة القرار، وكتبن أسماءهنّ في ذاكرة الزعامة العالمية بمداد القوة والحضور .

أنديرا غاندي في الهند ، ومارغريت تاتشر في بريطانيا، وأنجيلا ميركل في ألمانيا… لم تكن مجرد زعيمات عابرات ، بل علامات فارقة في التاريخ السياسي لعصرهنّ ولأزمنة لاحقة .

كان وهج الزعامة النسائية آنذاك واضحًا، جريئًا، يلامس حدود الصدام أحيانًا ، ولم تكن الزعامة حكرًا على الرجال ، كانت هناك نساء يمسكن بالخيوط الكبرى .. مثلاً ،

إنديرا غاندي ، ابنة الهند الحديثة التي واجهت الفقر والحروب والانقسامات العميقة وتركت إرثاً وأراً لايمحى .

مارغريت تاتشر، “المرأة الحديدية” التي قادت بريطانيا في عصر النيوليبرالية صاحبة المعجزات السياسية والأرقام القياسية .

أنغيلا ميركل ، مهندسة التوازن الأوروبي في قرن الاضطراب

وبهدوئها واتزانها حكمت ألمانيا ستة عشر عاماً بنهضة وحكمة ونجاح .

 

كُنّ زعيمات لا خلف الستار، بل في صلب المسرح السياسي ، يُحسب لهن حساب ، تُنقل كلماتهن على الهواء مباشرة، لا عبر همسات دبلوماسية .

لكن أين الزعامة النسائية اليوم؟ هل خمد الصوت؟ أم تغيّر الشكل؟

من بلقيس إلى ميركل دعونا نتناول الزعامة كقوة ناعمة وصلبة

فالتاريخ لم يبخل بنماذجه الكثيرة ، بلقيس، الملكة التي فاوضت سليمان بالحكمة لا بالسيف ..

سميراميس، التي حكمت آشور بيد من حديد ودهاء ،

،  كليوباترا، التي أدارت الإمبراطوريات لا العواطف فقط

الملكة أُطوانيت، رمز الغطرسة الأرستقراطية، لكنها كانت فاعلة في قلب تحوّل أوروبا .

النساء لم يكنَّ دومًا ضحايا التاريخ، بل صانعاته .

لكن الفرق بين التاريخ القديم والحديث هو المنبر ، ففي السابق، كانت الزعامة تُنتزع بالقوة أو النسب ، أما اليوم تُنتخب وتُحاصر بألف معيار أخلاقي وإعلامي وثقافي !

من هي المرأة التي يُحسب لها الحساب على طاولة الأمم؟

أين ذهبت الزعامة النسوية التي كنا نعرفها؟

 

ربما لم تنسحب النساء من السياسة، لكن المؤكد أن شكل الزعامة تغيّر ، صار العالم يبتلع الأسماء بسرعة ، يرفع صورًا أنيقة ، ثم يطويها في صمت .

ظهرت أسماء نسائية واعدة لكن انسحبت مبكرًا ، لأسباب تتفاوت بين ضغط الإعلام وتحديات الداخل وتوحش السياسة الحديثة .

اللافت أنهن لم يُهزمن بسبب ضعف ، بل ربما بسبب تَغيُّر معايير القيادة ، فالعالم اليوم لا يحتفي بمن يتقن فن الحكم ، بل بمن يتقن إدارة الصورة .

لا يبحث عن زعيمة صاحبة مشروع ، بل عن وجه لطيف لا يُربك النظام السائد .

وكأننا دخلنا عصر “الظل” بدل “الضوء” ، عصر تغيب فيه الزعامات الواضحة ، ويُستبدل التأثير المباشر بشبكات قرار معقّدة، تُقصي الرموز وتخفي البطولات .

فهل نحن أمام فراغ قيادي نسائي؟

أم أن النساء يخضن اليوم معركة مختلفة، أعمق وأكثر صمتًا، في ظل أنظمة سياسية خانقة، وعالم إعلامي لا يرحم، واقتصادات لم تُعد تصمم مقاعد القيادة لتسع النساء؟

القيادة النسائية لم تختفِ ، لكنها لم تعد تشبه سابقاتها ، لم تعد تقتحم أبواب السلطة كما فعلت تاتشر، أو ترسم ملامح أمة كما فعلت ميركل . بل تمشي بحذر في هوامش القرار، وتُطاردها العدسات أكثر من أن تُنصت لها المجالس .

 

في زمن تتشابك فيه الأزمات وتتشظى فيه المواقف ، يبدو أن العالم بات بحاجة ماسّة لصوت المرأة، لا بوصفها “مكمّلة”، بل بوصفها رأسًا حقيقيًا في ميدان القيادة .

نحن لا نحتاج فقط لامرأة في الحكم ، بل لزعيمة تُعيد تعريف القوة،

توازن بين الحكمة والحدّة ، بين الحزم والرؤية ، بين الحضور والإنصات .

قد لا تعود زعيمات يشبهن غاندي أو تاتشر أو ميركل، لكن العالم ينتظر نمطًا جديدًا من الزعامة النسوية ، زعامة تفهم لغة هذا العصر، دون أن تتخلى عن المبادئ التي صنعت من قبلها التاريخ .

فهل نحن في طور الغياب المؤقت؟

أم أن الزعامة النسوية تُعيد ترتيب أوراقها، وتُحضّر لعودة أقوى، تُفاجئ هذا العالم الصاخب… من حيث لا يتوقّع؟

الزمن سيُجيب .. وإلى حينه نقول :

في زمن الانهيارات، لا نحتاج فقط إلى نساء في المناصب ،

بل نحتاج إلى نوعٍ جديد من الجرأة

جرأة بلقيس في مساءلة الحكمة،

دهاء زنوبيا في قراءة الجغرافيا،

وثبات ميركل حين تصمت، فتقود

 

نحتاج إلى نساء لا يتنافسن على فتات الزعامة… بل يُعدن تعريفها

ربما تكون الزعامة النسائية قد انسحبت من الواجهة، لكنها لم تغب

هي تُعيد ترتيب أوراقها، وتبحث عن منبر جديد، أكثر إنصافًا ، و أقل استهلاكًا .

 

 

شارك مع أصدقائك