(شوقي مسلماني في مهرجان الجواهري)
شوقي مسلماني شاعر أسترالي من أصل عربي ـ لبناني. عمل عقوداً في محطّات قطارات سيدني وبلاط جلالة الشعر. له العديد من المؤلّفات التي منها: “حيث الذئب”، “من نزع وجه الوردة”، “عابر يواريه الضباب”، “أحمِرة وحمُرات”، و”كونين لطائف وطرائف”. في المسرح له: “نحنا بخير طمّنونا عنكم” و”عنزة ولو طارت”، وفي الترجمة له أوّل أنطولوجيا عربيّة للشعر الأسترالي بعنوان: “عندما ينظر الله في المرآة”. رئس تحرير مجلاّت: “الرابطة”، “الدبّور” و”أميرة”. راسل صحفاً كثيرة منها: “النهار”، “المستقبل”، “التلّغراف” و”الأخبار” الأستراليّة و”السفير” و”النهار” و”الأخبار” البيروتيّة و”الحياة اللندنيّة” و”إيلاف الباريسيّة” والعديد من الصحف والمواقع الورقيّة والألكترونيّة. وهو كما يقول في مدوّنته على التواصل الإجتماعي: “صيّاد سمك في نهر يابس”. هنا نصّ من مشاركته في مهرجان الجواهري دورة الشاعر صلاح فائق ـ سيدني بعنوان: “كلام الفيل فيل الكلام”:
لا عِلم ولا مَنْ يتعلّمون،
لا نهضة ولا مَنْ ينهضون.
مدارس حداثويّة
مدارس ما بعد حداثويّة،
وجميعُها لم تستطع أن تفتحَ نافذةً
في مدرسةٍ واحدةٍ خبْطَ عشوائيّة.
هل يروق أن لا يكفّ الدجاجُ عن نقدِنا؟.
هل يروق أن ينكسرَ الموجُ على الصخر
وكلّ قصدِ البحرِ أن يصيبنا بالرذاذ،
علّهُ يزيل بعضَ الأدران، كما يقولُ بالهديرِ، عنّا؟.
هل يروق أن تكركرَ العصافيرُ بالزقزقة
والأنهرُ والسواقي بالخريرِ والأشجارُ بالحفيف
والأبقارُ بالخوارِ والأغنامُ بالثغاء والحميرُ بالنهيق
والخيولُ بالصهيل والذئابُ بالعواء والكلابُ بالنباح
والأفاعي بالفحيحِ ضحكاً منّا وعلينا؟.
هل يليق ألاّ تكفّ الضفادع ُعن النقيق
لكي تحرمنا النومَ الهانئَ العميق؟.
هل يليق أن نغدو لقمةً سائغةً
يعلكُها الأسدُ أو الفهدُ أو النمِر أو الضبع
أو إبن آوى أو إبن عرس وكلّ إبن عرص؟.
هل يروق أن تجترَّنا الأبقارُ والجِمالُ والأغنام
وأن تتهامسَ الفراشاتُ مع الزهورِ أنّنا أجلاف وعلوج؟.
وأنا في سبيلي إليكم
حظي بي فيل وقال لي بالرنيم:
أيّها الضالّ كيف يموت واحدٌ منكم
ولا يشيّعه إلى مثواه الأخير أحد منكم؟،
ألا يوجد في جنسِكم دمّ؟،
ألا تسلكون مسلكاً طيّباً؟،
ألا تصنعون صنيعاً طيّباً؟،
ألا تشربون فراتاً طيّباً؟،
ألا تقولون كلاماً طيّباً؟،
ألا تقلعون عن الخزي والعارِ
الذي أنتم فيه؟.
الكبيرُ والصغيرُ والمقمّطُ في السرير،
مِنَ القطبِ الجنوبيّ إلى القطب الشماليّ،
يبلغهم خبرُكُم المشين،
والنارُ تأكلهم قهراً منكم
مثلما تأكل النارُ في الهشيرِ أو في الهشيم.
قلْ لقومِكَ الأشرار مثلك
إنّي كما نفى أفلاطون قوماً
مِنْ جمهوريّتِه الفاضلة
يوماً سأنفيكم مِنْ مملكتي”.
وكان في الجوارِ غرابٌ،
ذاته الذي أضرمَ النيرانَ مرّةً
في بيتٍ خشبيٍّ فقيرٍ كان يؤويه،
قال لي بالنعيبِ: “أيّها النكِرة
قلْ لأهلِكَ النكرات مثلك
إنّ كلامَ الفيلِ هو فيل الكلام”.
لماذا كلّ ذي أنفٍ أو منقارِ أو خرطوم
يريد أن يدسَّ أنفَه أو منقارَه أو خرطومَه بشؤونِنا؟.
مرّة، مثالاً، وبعد كدْحي كدْحَ حميرٍ مجتمعة،
آويتُ مع غيابِ الشمسِ إلى مرقدي،
وإذ خفّاشان ضئيلان حقيران
مِنْ جنسِ الخفافيش مصّاصةِ الدماء
يهبطان إليّ مِنْ طاقةٍ قريبةٍ من السقف،
ومن فورِهما جرحا عقباً لي بمباضع لهما
وخدّراني موضعيّاً
وتداولا على اللّعق مِنْ دمّي وشتم أبي وأمّي.
وأحدهما يقول لصاحبه: “يا لهؤلاء التافهين،
لأكرعنّ مِنْ دمِهم ما حييت”.
وبعدما امتلأ بطناهُما
طارا عبْرَ الطاقة ذاتها إلى شأنيهما،
وأنا طوال الوقت لم أحرّك ضدّهما ساكناً،
آملاً بالصبر أن أتعلّم عليهما لغتهما الوطواطيّة،
فافهم عنّا كيف يفكّران؟، وماذا يقولان بنا؟،
واقسم لكم إذا هما رجعا إليّ أنّي سأدوسهما،
سأفعسهما، سأمعسهما، سأهرسهما.
كيف أغارُ لِمَنْ لا يغار لي؟.
كيف أفرح بِمَنْ لا يفرح بي أو لي؟.
وكيف أشتاق للذي لا يشتاق لي؟.