ساهرة سعيد
الرواية تنثر العالم
الكتابة منحتني عمرا جديدا
حوار… منى سعيد
مهاد
( الرواية تنثر العالم) مثلما يذكر أدونيس وهاهي الأديبة العراقية المغتربة ساهرة سعيد تنثر تجربتها عبر ستة كتب توزعت بين القصة القصيرة والرواية فضلا عن كتاب جديد لها قيد الطبع ، رغم شروعها بكتابة السرد جاء متأخرا ، بعد تجربة طويلة في العزف على آلة العود والتنفيس عن النفس بدندنة الغناء.. حول تجربتها كان لنا الحوار التالي للتعرف على خفايا أفكارها وما تضمره من أراء تجاه العالم والناس.
*لماذا تكتبين وماذا تعني الكتابة بالنسبة لك؟
– طالما كتبت في المجلات والجرائد منذ الثمانينات، متناولة موضوعات مختلفة، إلا إنها كانت كتابات عابرة هامشية غير عميقة ، توقفت بعدها لفترة طويلة، للمراجعة وللتأمل ، وبقي الحنين يشدني إلى الكتابة ، يراودني من حين إلى خر رغم انشغالي بتعلم العزف على آلة العود على أيدي فنانين متخصصين في مصر وسوريا ، وبعد مرور نحو ربع قرن من التشتت والتجوال في بلدان المهجر، عدت من بريطانيا عام 2006 لوطني العراق لأمارس وظيفتي كمدرسة للغة العربية.. درست في إحدى مدارس القرى النائية في واسط لمدة ثمان سنوات حتى حصلت على التقاعد.حينذاك لذت بالاستقرار النفسي صادة الأبواب بوجه كل المنغصات مختلية بروحي مسترجعة ما مررت به من مصاعب جمة، حينها لجأت إلى كتابة. مصممة على أن أنظر للماضي بعين المتفحص، مركزة على ما يدور في بلدي من عسف، وفقر وتخلف، وفي أوضاع مزر ية للمرأة العراقية، حتى أدمنت. أدمنت الكتابة.. وهكذا تجديني منذ العام 2015 وحتى الآن أكتب كل يوم صباحاً دون كلل بل وأشعر أن اليوم الذي لا أكتب فيه ليس من عمري..
* مررتِ بتجربة الفن عبر الغناء و العزف على العود ، إلى إي مدى يلتقي الفن بالكتابة؟
-الكتابة والغناء و العزف على آلة العود صنوان يكمل بعضهما الآخر، وحنيني إليهما لا ينقطع، ففي كثير من الأحيان، في يومياتي، بعد أن انتهي مما أردت كتابته، ينتابني الحنين إلى طفلي المدلل (العود) الذي اسطر عبره مشاعر الحزن والغضب والذكريات بحلوها ومرها، وغالبا ما تختلط دموعي بالضرب على أوتاره، اعتقد أن القدرة الكونية منحتني موهبة الموسيقي والكتابة لتنزع عني لواعج الحزن الجارحة. إن يدي اللتين أنزل بهما حروفي على جهاز الحاسوب، هما نفسهما اللتان تعزفان على أوتار العود. العود والكتابة توأما روحي وأنا صديقتهما الوفية.
* هل كانت كتابة الرواية اختيار أم مجرد تنفيس وما عدد كتبك ألا تعتقدين بمغامرة كتابة الرواية ، قبل التجريب بكتابة القصة مثلا؟
– كتبت خمس مجاميع قصصية قبل كتابة الرواية، وهي حكايات من وطن ومنافٍ، الطبيب پانديا ، الرغيف الأخيرة ،عوالم السيدة ميساء، برج العقرب. كنت حينها متخوفة جداً من الكتابة كونها مهمة صعبة بحاجة إلى جهد وإمكانيات عالية، وكنت مثل ممثل موهوب، لكنه لم يتمكن من أداء دور البطولة في فيلم . وفي الحقيقة شجعني كثير من الأصدقاء المقربين من مثقفي دول المهجر، بعد اطلاعهم على مجاميعي القصصية وزادوا من همتي وخففوا من ترددي، فتجرأت وكتبت رواية (أرض الكنوز) فلاقت نجاحاً لم أتوقعه، ثم كتبت رواية ( امرأة من رماد ) وهي تحت الطبع .. وهكذا كانت كتابة الرواية اختيارا بعدما وجدت فيها مساحة واسعة للتعبير عن خوالجي ومفاهيمي.
*ما ثيمة كتبك جميعا، وما نسبة الخيال إلى الواقع فيها؟
– جوهر كتاباتي سرد أدبي لما يعانيه الناس في البلدان الشرقية الفقيرة والمتخلفة وخصوصا المرأة التي تعاني من عبوديتها تحت هيمنة رجل يعاني هو الآخر من العبودية، فأصبحت عبدة العبد. أما عن الواقع فيشكل نسبة ٧٥بالمائة من كتابتي .
*كيف تصنفين رواية الاغتراب مقابل الرواية الصادرة في البلدان العربية، من حيث السمات الفكرية والتقنية؟
– العمل الأدبي الجيد، ليس بالضرورة أن يأتي من كاتب يكتب في وطنه،إذ هاجر الكثير من الأدباء وكتبوا روائع لا تحصى، وأعتقد بأن على الكاتب قبل كل شيء الاختلاط بمحيطه وناسه والإطلاع على أجوائهم ومعاناتهم، أما إذا كان في منفى وليس له مفاتيح اللغة الأجنبية فلا يمكن أن يبدع أبدا.
*إلى أي مدى يمكن أن تتحلي بالشجاعة وبحرية التعبير، وكيف تعاملت مع المسكوت عنه؟
-بدأت بالكتابة الجادة قبل عشر سنواته، ولم أخف من بعض المحاذير وردة فعل القراء. كتبت بجرأة لا بأس بها وتطرقت إلى موضوعات يخشى البعض تناولها، لكني في الوقت نفسه امرأة شرقية لا أبالغ بالجرأة فلجأت إلى كثير من التقية والحذر. لا أكتم سراً، وأقول: لدي رغبة البوح بالمسكوت عليه، حينما تأتي الفرصة المناسبة ربما بتقدم العمر فالمحتضر لا يكذب.
*هل حسبتِ حسابا للمتلقي أثناء الكتابة؟
– بعد كتابي الأول ( حكايات من وطن ومنافٍ ) تعرضت لانتقادات كثيرة من الذين تضخمت (الأنا) عندهم، مدعين بطولات فارغة، ولكنني بحت بالمزيد بجرأة اكبر بعدذاك، فسمعت من أطراف أخرى إطراءات محببة لجرأتي و علق أحد النقاد المنصفين على ما كتبت، ذاكرا ( لقد رميتِ حجراً في بركة مياه راكدة).
*ما مدى تأثرك بالموروث الشعبي والأسطورة في سردك؟
– يمكنني القول إن لدي موروث شعبي كبير وأساطير حفظتها عن أجدادي، انعكست في كتاباتي. متأثرة أولاً بجدتي من أبي،إذ حفظت عنها أمثالا شعبية وحكايات ومواعظ دينية ، ومن جدي لأمي المثقف قياسا لبساطة عائلتي. إذ كان مدمنا على الاستماع لمحطة ال بي بي سي البريطانية ولم يبخل علينا بما يتداول من أخبار ،أحببته جدا فحفظت عنه أخبار الأولين من كتاب وأدباء، ومذ طفولتي كنت اقطع مسافات طويلة مشيا لأستمع إلى أساطير وحكايات زوج خالتي التي لا تنتهي. كان بطيئا في سرده ويؤجل حكايته إلى اليوم الثاني، فأعيد الكرة مشيا على الأقدام لكي أصل إلى نهاية الأسطورة. عشت في حي شعبي وتعرفت على خليط غريب من البشر. رأيت فلاحين وفلاحات يأتون لبيع محاصيلهم في بغداد، أكراد مهجرين من الشمال إلى الجنوب في عهد صدام حسين، واجهوا أنواع الذل والاحتقار ومن سماع طرائف قاسية للحط من قوميتهم. وغالبا ما كان حيّنا يستأجر غجرا لإحياء المناسبات ، فراقبت امتهان الراقصة الغجرية وخصوصا من ذوات السحنة الداكنة.. كل هذا عكسته في كتبي.
* ما الحلم الذي يراودك دوما؟
– من أمنياتي الكبيرة أن يطول بي العمر لكي أنثر كل أوراقي، وأقول كل شيء بصراحة أدبية محببة.
*متى شعرت بأنك في مأزق وكأنك تريدين التخلي عن الكتابة؟
– لم أشعر يوماً بأنني بمأزق في الكتابة، بل لدي الكثير على طاولتي للكتابة ، ولن أتوقف أبدا لأن الكتابة أعطتني عمرا جديدا، وحثتني على الاطلاع والقراءة وتطوير ما أكتبه، ولن يأتي اليوم الذي استهين فيه بعقلية القارئ، فالقراء الجيدون هم الذين يصنعون كاتبا جيداً مطلعاً دؤوباً، يراقب ما يدور في بلده وفي العالم من أحداث صغيرة وكبيرة وبهذا لن يموت.