وديع شامخ
…..
منذ زمن وأنا اتابع أخبار الفنانيين والفنانات العربيات ولاسيما من مصر ، وخصوصا في مجال الآراء الجريئة حول دور الفن في حياة المجتمع وايمان الفنان بدوره ورسالته ، وكذلك الجرأة والصراحة في المواضيع الشخصية الخلافية الإنسانية عموما والدينية والسياسية خصوصا ، وكانت الفنانة إلهام شاهين واحدة من الممثلات التي أرى فيها نموذجا لموضوع الجرأة فنا وحياة .
ومن مصادفات الحدث اني قد أنهيت مشاهدتي لحوار مع الفنانة شاهين ، عرضته قناة عراقية ” سامراء بلس” ومن خلال برنامج بعنوان :
“The night shift”
لمناسبة مشاركتها الأخيرة في مهرجان بغداد السينمائي، و كان المُحاو الإعلامي العراقي ملمّا جيدا بتاريخ الفنانة فنيّا وانسانياً وافكارها وآرائها في السياسية والفن والدين والحياة الإنسانية برمتها.
وقد جاء خطابها مفعما بالجرأة والحيوية والثبات على مبادىء راسخة ، عبر مسيرتها الفنية الطويلة ولحد الآن، وهي تحمل قناعات جمالية حول فنها ولم تندم على ايّ عمل لها سواء أكان جريئا أم غيره ، ولم تنحرف قناعاتها الفكرية حول دور الفن في أحلك الظروف التي مرت بها مصر، حتى بعد تسلّم الاخوان المسلمين الحكم في مصر ، ونصبهم لمحاكم التفتيش حول الفن والفنانيين ورفع دعوى قضائية تتهمم بالفجور تارة وبالتكفير تاره وغيرها من التهم المائعة التي يحفل بها الخطاب السياسي الديني حول كل مظاهر الجمال والفن في الحياة .. وقد تصدّت إلهام بكل عصامية لهؤلاء الظلاميين، وربحت قضيتها بكل شجاعة ، ولقد انتصر لها القضاء المصري وانصفها واستعادت بذلك شاهين هيبة الفن ورسالته السامية ، على عكس بعض الفنانات االلواتي تخفين تحت فتوى الحجاب وتحريم الفن، وبين تذبذب وبراغماتية البعض الآخر في السير ” جنب الحيط ” ، ولكنها تصدت وبكل نبل وشجاعة وصلابة لكل الأفكار السوداء حول الفن والحياة ، وأجابت بكل وضوح عن دور رجال الدين والسياسية في محاولة تطويع المجتمعات لأفكارهم ، وقالت : ان لا يوجد مقدس، وكلهم لديهم اخطاء وايجابيات معا ، ولاسيما حول شخصية جدلية جماهيرية مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي
، فلم تتهيب من نقدها لبعض آرائه ، وخصوصا في مكانة المراة في الأسرة، وضربها من قبل الزوج ، وتحريمه الفن ومساهمته في ابعاد بعض الفنانيين والفنانات عن الفن ، كما لم تكن أقل وضوحا في رأيها بالنظام السياسي المصري خاصة والعربي عامة ,
ولعل من أجمل ما تتميز به أيضا هي وضوحها وصراحتها وجرأتها في الإجابة عن حياتها الخاصة أسريا وعلاقتها بالأب والاخ والأم ، وكذلك زيجاتها وحبها لرجل متزوج وقبولها ان تكون زوجة ثانية ، وهذا الدرس نحتاجه الآن من المثل العامة وخصوصا الفنانين بان يكونوا بمثل هذه الجدية والصراحة والشفافية ، وهذا لا يعيب طبعا ممن يجعل من حياته الخاصة ملكا خاصا له ، لاني اتحدث عن الشفافية والوضوح وليس إثارة الفضائح .
وقد كانت شاهين صريحة جدا في استعداداها لقبول دور غرامي فيه مشاهد جريئىة وقُبلات ، اذا ما كان الفلم يحمل رسالة نبيلة والمشاهد تطويعاً فنيّا وليس لأغراض مشبوهة ، ورحبت بدور الرقابة الواعية لمنع اللقطات في الافلام التي تعتمد الجنس لغرض تجاري رخيص .
ولعل خير ما تختم به المبدعة الجميلة بوحها بالتفريط بالأمومة مقابل فنها ورسالتها ، وهو ثمن باهظ حقاً ، ولكنها أبدت رغبتها حاليا في الزواج والإنجاب اذا ما توافرت الظروف المناسبة والرجل الذي يستحق قلبها ، كما وانها لم تفتح نارها على ايّة فنانة سواء قديمة او معاصرة لها حتى في المسائل الخلافية الكبرى والتي تحمل هي قناعات مناقضة لزميلاتها ، وقالت لا تصلح ان تكون واعظة لهن وكل انسان حر في ارائه ، كما وكانت وفيّة للكبيرات من الفنانات وخصوصا شادية وموقفها الامومي منها في تأجيل تصوير لقطات لها امام شادية حتى تتمكن من اداء امتحاناتها في اكاديمية الفنون وهي في مقتبل عمرها الفني.
وخلاصة المقال أن إلهام شاهين كانت وهجاً من جرأة وحب ومصداقية، سوف نقدمها درساً لكل الذين يسلكون طريق الفن والجمال والمحبة والمصداقية في حياتهم المهنية والإنسانية .
………………