حاورها الشاعر عبد الكريم الخالقي
…
المعلاوي :
أحمي الشّعر بالإلهام من الافتعال وأحميه بالصّنعة من اللّانظام والفوضى
ارتكبت خطيئة الكتابة وأنا على يقين أنَّ نصوصي تليق بعقل القارىء
مقدمة
الشاعرة التونسية نهاد المعلاوي بنت اللغة وشقيقتها…محبتها للضاد وشغفها الانتمائي جعلها تتخصص فيها …حريصة على سلامتها ..وعاملة على انتشارها…أحبتها فبادلتها الحب …مربية محبة لمنظوريها ومحبوبة منهم…شاعرة تكتب نصها وتمضي … لتعيد اللقاء به في سماع متابعيها في مناشد الشعر أو في عيون قرائها..ودهشتهم، أحبت منطقة (سجنان) من ولاية بنزرت بتونس
.بطبيعتها وأجوائها وتضاريسها شكلت جزءاً مهماً من شخصيتها المتواضعة تواضع العلماء …المريدة في أزمنة الجفوة…الواقفة في زمن غابت فيه النخوة …شاعرة تتبعها القصيدة …وتجاورها اللغة العربية …أم تعيش لبناتها وفيهن حياتها …بارة بوالديها … يعاب عليها قلة الظهور لكنها تؤكد أنَّه اختيار عن وعي ..
التقيتها على تخوم ممالك الشعر، وكان هذا الحوار :
* كيف تقدّم نهاد المعلاوي، الشّاعرة، نفسها إلى القرّاء؟
ـ نهاد المعلاوي، شاعرة تونسيّة، من مواليد ١٩٧٨ بسجنان من ولاية بنزرت، عثرت أمّي على اسمي بمحض الصّدفة بين دفّتي قصّة رابضة على إحدى حاملات كتب المكتبة العموميّة بسجنان، عندما كانت أمينةً لها… ومنذ تلك اللّحظة، صرتُ أسيرة عالم الكلمات، أتّحد بها، وبها أكون، وأخوض صراعاتي، وأتحيّز منزلة في هذا الوجود.
أكاديمياً ، أنا مبرّزة في اللّغة والآداب العربيّة، وحاصّلة على الدّكتوراه في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة، في اختصاص الأدب الحديث.
إبداعيّاً، نشرت مجموعةً شعريّةً أولى وسمتها “كيوبيد أضحى بلا جناح”، عن دار خريّف للنّشر. غير أنّي أرتكب خطيئة الكتابة منذ المرحلة الجامعيّة، دون أن أشحذ عزمي على نشر ما أكتب. ولم أفعل إلّا عندما صرتُ على يقينٍ من أنّ نصوصي صارت تليق بعقل القارىء وتحترمه.
*كيف ترتكب نهاد المعلاوي خطيئة الشّعر؟ بوصفه مهنةً أم إلهاماً؟
ـ الشّعر يسير على التّخوم. يضع قدماً هنا، وقدماً هناك. إذ الشّعر في وجهٍ من وجوهه قواعد وصناعة ودربة، وهذا ما يشدّه إلى الصّنعة. لكنّ الشّاعر الحقيقيّ، في نظري، هو ذاك الّذي لا يترك لجام القواعد والصّنعة مرخيّاً، وإنّما يحكم شدّه، ويخضعه للإلهام، فتصير الصّنعة خادمةً للإلهام، تنظّمه، وتخضعه لفكرٍ شعريٍّ.
في الحقيقة، أنا أحمي الشّعر بالإلهام من الافتعال، وأحميه بالصّنعة من اللّانظام والفوضى.
* هل لك طقوس خاصّة في الكتابة؟
ـ أنا لا أدّعي أنّ لي أزمنةً وأمكنةً ومقاماتٍ ملهمةً، لكنّ ما أستطيع تأكيده للقارئ هو أنّني أنا من يستفزّ الإلهام، ولا أنتظر قدومه. فأنا لا أملك إلّا حياةً واحدةً، وقد تأزف قبل أن يزورني الإلهام. من ثمّة، يؤرّقني وضع مّا، فتسكنني أسئلة، وتملؤني صراعاتٌ أقرّر حسمها… أصوغ الفكرة في ذهني، وأرهف السّمع لالتقاط همس شياطين الشّعر.
*وأنتِ تذكرين الزّمن، حرّكتِ في ذهني سؤالاً يتعلّق بهيمنة النّظام اللّيليّ، متجسّداً في صور اللّيل والفقد والموت والحزن، على المتخيّل الّذي تتولّد عنه نصوصك. فبم تفسّرين ذلك؟
ـ سأكتفي في الرّدّ على هذا السّؤال بسؤال آخر: أيّ نظامٍ تخييليٍّ في وسعه أن يقول السّواد الّذي نحيا فيه أفضل من نظام المتخيّل اللّيليّ؟
غير أنّي أودّ أن أوضّح تفصيلاً بسيطاً للقارئ، هو أنّني لا أكتب الألم استسلاماً وسوداويّةً، وإنّما أكتبه فضحاً وتعريةً وتمرّداً، أكتبه لأصوّب نحوه أسلحة اللّغة وسهامها، فأرديه قتيلًا.
* لاحظت أيضاً عندك تنوّع أشكال النّصوص، سواء في المجموعة الشّعريّة أو في ما تنشرين على صفحات المجلّات أو مواقع التّواصل. فما سرّ هذا التّنوّع؟
ـ تماماً . لا سرّ في الأمر سوى أنّني أترك للمعنى أن يختار شكله. فأنا لا أكتب الومضة عن قِصر نفَسٍ، ولا أميل أحياناً نحو الشّعر الحرّ وقصيدة النّثر عن جهلٍ بقواعد النّظم وعمود الشّعر… إنّما لكلّ لحظةٍ شعريّةٍ أدوات وأشكال هي الأنسب لقولها وصياغتها.
* لفت انتباهي في ما تكتبين فرادة تعاملك مع الأساطير ورموزها. فأنت تعيدين كتابتها بعد إفراغها من حمولاتها الدّلاليّة القديمة. فهل يكشف هذا عن نظرة مّا إلى الشّعر ووظيفته؟
ـ بالفعل. أنا أرى أنّ الشّعر لا يقلّ دوره في تقديم المعرفة عن السّرد. الشّعر عندي يجب أن يساهم في فتح البصائر، وتصحيح الأخطاء، والإطاحة بالسّرديّات الكبرى الّتي وضعت من أجل الهيمنة والتّحكّم في المصائر وتوجيه الأذهان نحو ما فيه مصلحة الأقوياء. لذلك كثيراً ما أعيد كتابة بعض الأساطير، فأفرغها من أبعادها الإيجابيّة، وأعدل بها عن آفاق انتظار متوقّعةً لأصنع لها أفق انتظار مباغتٍ. فأنا، بشكلٍ مّا، أزوّر الذّاكرة البدئيّة للرّمز، لأكتب له ذاكرةً جديدةً، ذاكرةً تلائم قضايا الذّات الكاتبة في هذا الزّمن.
*ما علاقة نصوصك الشّعريّة بالقضايا العادلة؟
ـ الشّعر، عموماً ، فم القضايا العادلة والإنسانيّة ورئتاها. وأنا مثلما أؤمن بدوره في إشاعة قيم الحبّ والخير والجمال، أؤمن بدوره في نصرة القضايا العادلة وتغيير مسار التّاريخ. ولطالما كان الشّعر فاعلاً ومغيّراً حتّى في أكثر الأشياء رسوخاً كالطّقوس.
*ماذا تقولين في ختام هذا الحوار للقارئ؟
ـ أقول له: لا تكفّ أبداً عن إحسان الظّنّ بالشّعر. فهو خلاص هذه البشريّة ما دام مسكوناً بمأساة الإنسان بألف ولام استغراق الجنس . فضلًا عن أنّي أتمنّى للجميع قراءةً خفيفة الظّلّ ومثمرة.
*- نشر الحوار في موقع فنون الثقافي