د.جميل حمداوي في كمّاشة النقدالادبي التفكيكي:
تشريحٌ أم تجريحٌ ثقافي.
د. واثق الحسناوي
على الرّغم مِن اقرارنا واعترافنا بِما قدّمه النقدُ العربي للنقد الغربي مِن إرث نهل منه المستشرقون، وافادوا منه بكثرة، لكن خطاب ونقد ما بعد الحداثة الغربي، وضع النقاطَ على الحروف، متجاوزا النقد العربي بكثير، من نظريات ادبيةٍ نقديةٍ، يشير لها القاصي والداني، وتأثر بها النقادُ العرب المحدثين الى حدٍّ النّخاع والاشباع والتخّمة والتبعية ،الى درجة الملل والخجل ، محاولين الخروج او الانفلات من عبودية سلطة ونمطية النص التراثي، والتمرد على كلِّ القوالب والقواعد والتابوهات، التي تحدّ من حرّية المؤلف، وحركة النص. الا اننا نستغرب من طرح نظرية الادب الاسلامية، والتي تبناها عدد من المنظرين والنقاد العرب، مِمَن يرون فيها ساحة لتبرير او تمرري بعض العقد الايديولوجية، ولو على حساب الرصانة والحصانة في المنهج والاداة، والاداء، والمقصد، والفن، والذوق، والجمال، والنص ، ومخاتلة المتلقي السطحي .ولهذا نستغرب من طروحات الدكتور (جميل حمداوي) فيما يخص النظرية الادبية النقدية الاسلامية ، حينما يحمّل النظرية الادبية الاسلامية اكثر من طاقتها بصورة يوتيوبية، يندى لها جبين النقد العربي المعاصر ويقشعر بدنه ، كونها لا تصلح حتى للاستهلاك المحلي، بعد ان عفا عليها الدهر . فأيُّ فكرِ نقدي يتقبل هكذا اراء وطروحات تعموية ايديولوجية منهجية تراجعية سلفية (نقديا)، في زمن التكنولوجيا والصورة والانفتاح النصي، والتلاقح الثقافي ونظرية التلقي..!!والتي سنناقشها ، كما يأتي:
1-ان الدكتور جميل حمداوي يقول : (( ينبذ التصور الاسلامي في الادب النزعات الضيقة والمبادئ الشوفينية العرقية والتعارضات مع التيار الذي يقول بفنية الفن لا بإسلاميته ،كما يتناقض مع المذاهب الادبية التي تغرق الانسان في الاوهام والخيال والمتع المحرمة او تدعو الى الفردية، والانانية او تدعو الى التصوير المادي ..)). أ لم يكن هذا تناقضا واضحا وصارخا في رأي الدكتور (جميل حمداوي) وكأنه لم يطّلع على الادب الاسلامي، الذي اقيم على التابوهات والمحرمات والاكراهات التي تحد من حرية الاخر وتنتقص منه، وتعلّي وتمجّد من الانا والذات؟!. لذا ندعو الدكتور (حمداوي) الى الاطلاع على ديوان (حسان بن ثابت) ليرى بنفسه مدى الشوفينية والانوية والغيرية التي في اشعاره .فمن من الغريب جدا انه يعيب على الادب غير الاسلامي، بتوظيفه لعنصر (الخيال) ويصفه بالوهم ..!! أ لم تكن كلّ الاديان مقامة على توظيف ثيمة (الخيال) في القصص والاساطير التي ذكرتها في كتبها، وهذا يقرّ به القاصي والداني ؟؟! فضلا عن الروايات التراثية ؟! ثم كيف له ان يقصي عنصر (الخيال) من الادب فماذا تبقى له ان ازال او ازاح الصور الخيالية منه ؟! أ لم يكن هذا تخبطا وحكما تعسفيا لأدب الاخر، ويضع الدكتور حمداوي في موضع الشك والغيرية والادلجة العمياء ؟!
2-يقول الدكتور جميل حمداوي: (( النظرية الاسلامية ترفع الانسان وتسمو به اخلاقيا وعمليا وروحيا، وتزرع فيه حبّ الانسانية بصفة عامة مع تكسير قيود الزمان والمكان والحواز الوطنية، والقومية القائمة على العِرقية والتصورات الاقليمية نحو تحقيق وحدة انسانية عالمية قائمة على الروحانية ..)). نحن نسأل الدكتور جميل حمداوي ، هل اطلّع على تأريخ الادب الاسلامي شعرا ونثرا، وحدد حجم التابوهات والاقصاءات التي وقعت على الادب العربي في العصر الاسلامي، وحطّمت معالم جماله وقيّدت حركة شعرائه ؟! وهل تناسى الدكتور زمن الصراعات بين الفرق الاسلامية وما قدمته من اسوء حالة للشعر العربي اللأخلاقي والعنصري والقومي والشوفيني، حين تبارى الشعراء المسلمون وتتباهوا بأحسابهم وانسابهم فتهامزوا وتلامزوا وتغامزوا وتشاتموا وتعايروا، بأحسابهم واخلاقهم وخَلقهم ومعتقداتهم وقومياتهم واحزابهم ؟؟!! فاين الدكتور حمداوي من قول حسان بن ثابت، حين قال في قوم من بني كعب من خزاعة :
وغبنا ولم نشهد ببطحاء مكة دعاء بني كعب تحز رقابها
بايدي رجال لم يسلوا لسيوفهم بحق وقتلى لم نجنّثيابها
فياليت شعري هل تنالنَّ نصرتي سهيل بن عمر وحرها وعقابها
وصفوان عود حزّ من شفر استه فهذا اوان الحرب شد عصابها
فلا تأمننا يا ابن ام مجالد اذ لفحت حرب واعصل نابها
فلا تجزعوا منها فان سيوفنا لها وقعة بالموت يفتح بابها
فقوله (تحزّ رقابها) لبني كعب بن خزاعة، وذلك كان صلح الحديبية بين رسول الله ( ص) وبين قريش التي نقضته .فقوله بأيدِ رجالٍ لم يسلوا سيوفهم بحق، يعني قريشا ولم تجنّ ثيابها، أي لم توار وتدفن ثيابها، الضمير للقتلى وعبّر بالثياب عن الاجسام، لاشتمال الاخيرة عليها ويريد بالقتلى بني كعب من خزاعة. فهل هذه اخلاق المسلم الذي تحدث عنها الدكتور في نظريته ؟! . وقوله” ( فياليت شعري) .. بمعنى شعوري والخبر محذوف .وقوله: ( سهيل بن عمرو) هو ممن اعان من قريش بني بكر على خزاعة، ليلتئذ بنفسه متنكرا .كأنه يقول: هل تنالن نصرتي ومساعدتي ياسهيل، اذا حمَّى وطيسُ الحرب واشتد حرُّها وعقابُها ..والاستفهام للتهكم ..وقوله” (صفوان ابن امية) وهو ايضا ممن اعان من قريش بني بكر على خزاعة ..وقوله: (عود حزّ من شفرة استه) اي فرض من حرف عجزه ،ويراد بذلك حلقة دبره واصله سته على فعل بالتحريك، يدل على ذلك ان جمعه (استاه) مثل جمل واجمال ويريد بذلك ايضا التهكم ..فلا نعلم هل سمع الدكتور حمداوي بشعر حسان هذا ؟ وان لم يسمعه وسمعه الان فماذا سيقول ؟ وهل سمع قول حسان بن ثابت في الحارث بن عامر وكان فيمن سرق غزال الكعبة، اذ بقول :
يا حارِ إِن كُنتَ اِمرَأً مُتَوَسِّعاً
فَاِفِدِ الأُولى يُنصِفنَ آلَ جَنابِ
أَخَواتُ أُمِّكَ قَد عَلِمتَ مَكانَها
وَالحَقُّ يَفهَمُهُ ذَوُو الأَلبابِ
إِنَّ الفَرافِصَةَ بنَ الاَحوَصِ عِندَهُ
شَجنٌ لِأُمِّكَ مِن بَناتِ عُقابِ
أَجمَعتُ أَنَّكَ أَنتَ أَلأَمُ مَن مَشى
في فُحشِ مومِسَةٍ وَزَهوِ غُرابِ
وَكَذاكَ وَرَّثَكَ الأَوائِلُ أنَّهُم
ذَهَبوا وَصِرتَ بِخِزيَةٍ وَعَذابِ
وَاللُؤمُ مِنكَ وِراثَةٌ مَعلومَةٌ
هَيهاتَ مِنكَ مَكارِمُ الأَنسابِ
فَوَرِثتَ والِدَكَ الخِيانَةَ وَالخَنا
وَاللُؤمَ عِندَ تَقايُسِ الأَحسابِ
وَأَبانَ لُؤمَكَ أَنَّ أُمَّكَ لَم تَكُن
إِلّا لِشَرِّ مَقارِفِ الأَعرابِ
في فُحشِ مومِسَةٍ قَليلٍ عَقلُها
مَشهورَةٍ بِالفُحشِ ذاتِ سِبابِ
وَوَسَمتَ إِستَكَ ثُمَّ قُلتَ أَنا الفَتى
وَخَضِبتَ كَفَّي سارِقٍ بِخِضابِ
وَجَلَستَ لِلعُهّارِ مَجلِسَ فِتنَةٍ
وَذَمَمتَ عَينَي مومَسٍ بِصُوابِ
مَنَّتكَ نَفسُكَ يا اِبنَ صَقعَبَ مُنيَةً
كَذَبَتكَ نَفسُكَ ما لَها مِن نابِ
فلفظ (العقاب) موضع في دمشق، لبيع الاماء، لأن ام الحارث كانت من هناك فهو يعيّره بأمه، ومكان ولادتها .وقوله 🙁 اخوات امك قد علمت مكانها والحق يفهمه ذوو الالباء) ، اشارة الى الحسب والنسب المغموز، وهذا عيّار اجتماعي- ايضا- وانتقاص من الناس والطعن والتشهير بأحسابهم، وانسابهم وهذا غير جائز في القران الكريم كما ورد في قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)).( الحجرات/11). .ويعيره كذلك بمشية الغراب، في قوله ( وزوك غراب ). فهذا عيار اساء الى خلق الله تبارك وتعالى .! وقوله ان امك لم تكن الا لشر مقارب الاعراب) اي لا نذلهم . وهذا عيار وسخرية من ابيه .!وقوله : ( فورثت والدك الخيانة والخنا والوم عند تقايس الاحساب) فيه طعن في الخُلق والنسب والحسب ايضا .! ومرّ حسان بن ثابت بمجلس مُزينة بعد ما كُفّ بصره، فضحك به بعضهم، فقال:
ابوك وابوك وانت ابنه فبئس البنيّ وبئس الاب
وامك سوداء نوبية كأنَّ اناملها الحنظب
فما منك اعجب يا ابن استها ولكنني من اولى اعجب
نستغرب حقيقة من قول حسان ( بئس الاب :هل تزر وازرة الابن بوارز الاب او العكس؟َ!) وقوله : ( وامك سوداء نوبية : هل سمرة البشرة عيبا في الاسلام ؟! ام الاسلام جاء ليحررها من العبودية لا لتعاب وتسب وتعير ؟!) يبدو ان حسان بن ثابت اعجبته كلمة (الإست) ، لذلك وظّفها في اكثر من مرة في شعره ؟؟! فقوله : ( يا ابن استها) ، العرب تقول: للذي ولدته امه يا ابن استها يعنون است امه ولدته انه ولد من استها( ولد زنا )، والإست العجز. قال الاعشى في ذلك :
أ سفهاً عدت يا ابن استها لست على الاعداء بالقادر
ونكتفي بهذا القدر من هذه العيارات الثقيلة المجّة الفجّة، لشاعر الاسلام حسان بن ثابت ( رضي الله عنه) ، والتي هي من النوع الثقيل جدا، حين تخرج من لسان شاعر فطحل وعظيم ،خالف بها تعاليم القران الكريم ،كما ذكرنا سابقا. وبهذا يتضح لنا ان الادب المثالي اليوتيوبي الذي ادّعاه الدكتور حمداوي لم يصمد امام ماقدّمناه من وقائع دامغة، تنفي ما ادّعى، للأسف لم ولن يكن ادبا انسانيا ملتزما كما يدّعي ، في ظل هذا الكم الهائل من الطعن بالأحساب والانساب والخَلق والاخلاق، بل نحن نؤكد ان قيمة الادب العالمي ونظريته، تكمن في ادبية الادب، وشعريته وفنيته، وجماليته، وموضوعيتة، وتعبيره عن مجالات الحياة المختلفة، بكل انسانية وجمالية واريحية وهذا ما اكدته كل النتاجات الادبية الابداعية العالمية فعلا ،واستحقت ان تتصدر النتاجات العالمية، والمؤسسات التي تعنى بذلك .وان الادب والنقد العالمي لا يمكن ان يكون عالميا مالم يتصف بحرية التعبير واستقلالية الاسلوب، وانسانية الادب، بعيدا عن السخرية والسب، والذم والقبح، والطعن بالأحساب والانساب .ثم كيف يكون هناك ادب انساني وابداعي وسامي، مُفرّغ من الخيال والصور والجمال والذوق والحرية ؟!! نحن لا ندافع عن أيديولوجيات، ونعرّي أخرى، بل نناقش النصوص والخطابات والنظريات بمعاير نقدية موضوعية علمية، منطقية برهانية، كما قدّمناه من ادلّة في هذا الموضع، ونترك الحكم و التعليق للقارئ الكريم . ولذلل نستغرب من قول الدكتور حمداوي –حفظه الله ورعاه- حين يقول : ( ان النظرية الادبية الاسلامية، هي رؤية التوحيد وربط الفن بالحق، ووضوح البيان والدفاع عن رسالة الحق، والابتعاد عن الايغال في الخيال، والغموض)). فالسؤال هو : ألم تكن دعوات وطروحات الدكتور حمداوي هذه ، متناقضة مع الواقع الادبي الاسلامي اولا ، ومع كسر القوالب الأيديولوجية ثانيا، كونها تصب في مصلحة التحيز والتجيير للخطاب الشعري، واقصاء خطابات وطبقات أخرى عبر التفكيك والتشتيت، والتقويض والاقصاء، لبناء مركزية سلطوية ادبية جديدة ،تقام على انقاض الادبية القديمة المتحررة ومنها ؟!! فقوله : ( ان الادب الاسلامي ادب ملتزم ليس كالتزام الادب الوجودي والاباحي او التزام الادب الماركسي المادي .؟!!) يبدو ان الدكتور حمداوي لم يقرأ شعر النقائض، وما فيه من سوء اخلاق وتقدير وادب ساخر وقبيح اولا .وانه لم يقرأ المناكفات والسجالات والصراعات الادبية و الشعرية -تحديدا -بين ادباء بني امية، وادباء اهل البيت (عليهم السلام) ثانيا ؟ فكلاهما يدّعي احقية وتمثيل الخلافة الاسلامية بخطبه واشعاره ورواياته الايديولوجية التعموية. أ لم يدخل هذا في صراع الخطابات والنظريات والسرديات والايديولوجيات ؟!فهو اشبه بوضع الطائر في القفص، بعد ان كان حرا طليقا، يعيش بكلِّ سعادةٍ وهناءة ورخاء ودعة ( بغض النظر عمّا قدّمه شعر ما قبل الاسلام من غزل فاحش ومجون ونسيب وخمر ).علينا ان نُعلقن النصوص، لا ان نغيبها ونقصيها بدوافع أيديولوجية بحته، كما فعلت الماركسية والليبرالية والكولنيالية/ الاستعمارية الجديدة من خلل تبنيها لنظريات ادبية سلطوية مركزية، تحاول أن تجبر الاخر على التبعية، كما حاول هو وفشل .فأيُّ ادبٍ انساني واخلاقي يدّعيه دكتور حمداوي بقوله : (( انه ادب انساني اخلاقي، يهدف الى تغيير الانسان مما هو اسوء الى ما هو احسن وافضل، واكمل ..)). ؟! فهل الكمال والسمو في التنابز بالألقاب والتعاير بالأحساب والانساب والسخرية من الخَلق والأخلاق التي حرمها الله في القران الكريم ؟؟!! فلا نعلم هل ذكر ( إست) الامهات وفروجهن والطعن بشرفهن وبأنساب الرجال واحسابهم، من الاخلاق والانسانية، على وفق ما ذكرنا للشاعر حسان بن ثابت (رضي الله عنه) .!!فماذا يقول في قوله هذا :
أ لم ينه خُصي الطابخيّ ( وأيره) بني شجع عنا رؤس الثعالب
هل وصف (الخصية والاير) من قبل شاعر اسلامي بهذا الشكل هو من سمات الاسلام او العرب او المروءة والشهامة والخلق ؟؟!فقوله : (الخُصيّ) والخُصية من اعضاء التناسل. واحدة الخُصى والتثنية خصيتان وخصيان. و( الأير) معروف، وجمعه (آيرٌ) على افعل و (آيارٌ). فهل ذكر الاعضاء التناسلية و(الإساة) محللة على حسان بن ثابت ومحرّمة على غيره من غير المسلمين ؟!