لغة التخوين في النقد الأدبي ! د. عبدالكريم الحلو

شارك مع أصدقائك

Loading

لغة التخوين في النقد الأدبي !

الناقد الدكتور عبدالكريم الحلو

><><><><><><><><><><
* في كل حقبة أدبية، عندما يحاول كاتب أو شاعر أن يبتكر أسلوبًا جديدًا أو يكسر القواعد التقليدية، تواجهه موجة من التخوين والاتهامات بالتحريف والإفساد.
* هذه الظاهرة ليست جديدة، بل هي متجذرة في التاريخ الثقافي، حيث يُنظر إلى كل تغيير على أنه تهديد لا مجرد تطور طبيعي للأدب.
* حين قام بدر شاكر السياب ومعه رواد الشعر الحر مثل نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور بكسر القالب التقليدي للقصيدة العمودية،
* لم يواجهوا فقط النقد الفني،
* بل قيل عنهم إنهم “يهدمون الشعر العربي” و”يخونون تراث الخليل بن أحمد الفراهيدي”.
* ومع ذلك، بعد عقود قليلة، أصبحت التفعيلة جزءًا أصيلًا من الأدب العربي، بل وتم الاحتفاء بها كمرحلة ثورية ضرورية.
* إذن، لماذا يلجأ البعض إلى لغة التخوين بدلًا من النقاش النقدي العقلاني؟
* ولماذا تتحول محاولات التجديد دائمًا إلى معارك أيديولوجية بدلًا من حوارات إبداعية؟
1. التخوين كآلية دفاعية للمؤسسة الأدبية التقليدية :
* عندما يظهر اتجاه جديد في الأدب، غالبًا ما تواجهه النخبة التقليدية بمقاومة شديدة، لأن أي تغيير يُنظر إليه كتهديد لسلطتها الثقافية.
* المؤسسة الأدبية تُفضل البقاء داخل القوالب التي تضمن لها الاستمرارية، ولذلك ترى أي محاولة للخروج عن “القواعد” نوعًا من التمرد غير المشروع.
لكن السؤال الحقيقي هنا:
* هل الأدب يجب أن يكون خاضعًا لسلطة ثابتة؟
* أم أنه بطبيعته فعل تمرد دائم؟
* إذا نظرنا إلى التاريخ، نجد أن كل الحركات الأدبية الكبرى بدأت كحركات متمردة، من الحداثة الشعرية إلى الرواية التجريبية، لكنها مع الوقت أصبحت جزءًا من التيار العام.
2. الفرق بين النقد والتخوين:
هل كل نقد هجوم؟
* هناك فرق جوهري بين النقد الأدبي الحقيقي وبين التخوين الذي يعتمد على العواطف بدل الحُجج:
بمعنى آخر، الناقد الحقيقي يسأل:
“ كيف ولماذا تغير هذا النص؟
وما تأثيره؟”،
بينما المتخندق التقليدي يصرخ:
“ هذا ليس شعراً!
هذا خيانة للتراث!”.
3. هل تطور الأدب خيانة؟
دروس من التاريخ الأدبي :
– التغيير ليس بدعة،
بل هو سُنّة الأدب منذ الجاهلية!
عندما انتقل الشعر العربي من “المُعلقات” إلى “الموشحات الأندلسية”،
هل كان ذلك خيانة؟
وعندما جاء أبو نواس بثورته على الشعر التقليدي وقال:
“دع عنك لومي فإن اللوم إغراءُ
وداوني بالتي كانت هي الداءُ”
هل كان خائنًا للشعر الجاهلي؟
* الرواية نفسها كانت مرفوضة في بداياتها!
* قبل أن تصبح الرواية العربية جنسًا أدبيًا مشروعًا، كان يُنظر إليها نظرة شك.
* طه حسين نفسه وصف الرواية في البداية بأنها “فن دخيل” على الأدب العربي، واليوم تعتبر الرواية أحد أهم الأشكال الأدبية لدينا.
4. السياب لم يُتهم بالخيانة لكنه واجه المقاومة!
* صحيح أن بدر شاكر السياب لم يُتهم بـ”الخيانة” بالمعنى السياسي أو القومي، لكنه لم ينجُ من الهجوم العنيف:
*
* قال عنه البعض إنه
* “أفسد الذائقة الشعرية”.
* اتُهِم بأنه “أضاع موسيقى البحر الشعري”.
* اعتُبِر شعره “نثريًا وليس شعرًا” في نظر كثير من النقاد التقليديين.
* لكن مع مرور الوقت، أصبح السياب رمزًا للحداثة الشعرية، وأصبحت التفعيلة مدرسة شعرية قائمة بذاتها.
* ولو استسلم السياب لتلك الاتهامات، لما وجدنا اليوم شعراء كبارًا مثل : –
* محمود درويش
* وأدونيس
* وقاسم حداد وغيرهم.
5. كيف نخرج من دوامة التخوين؟
* أولًا: التفريق بين الاختلاف المشروع والتشكيك المغرض
* ليس كل نقد عداءً، لكن يجب أن يكون النقد بأدوات معرفية وليس باتهامات مطلقة.
* ثانيًا: فهم أن الأدب حيّ وليس متحفًا
الأدب ليس معبدًا مقدسًا لا يُمس، بل هو كائن حيّ يتطور، وإلا لظل الشعر
العربي محصورًا في المعلقات.
* ثالثًا: الاحتكام إلى الجماليات بدلًا من الإيديولوجيات
التقييم يجب أن يكون على أسس جمالية وفنية، لا على أساس العاطفة والحنين إلى الماضي.
* رابعًا: الاعتراف بأن كل جديد كان يومًا مرفوضًا
* أي مدرسة أدبية عظيمة بدأت كـ”بدعة”، ثم تحولت إلى “قاعدة”.
* السياب كان ثوريًا في عصره، لكنه أصبح كلاسيكيًا في نظر الأجيال الجديدة.
الخاتمة:
التجديد ليس خيانة، بل ضرورة
* إذا كان الشعر سيبقى كما هو منذ العصر الجاهلي،
* فلماذا نكتبه اليوم؟
* الأدب يتغير كما تتغير الحياة،
* ومن يرفض التجديد بحجة “الحفاظ على التراث”، فإنه في الحقيقة يجمد التراث بدل أن يحييه.
* السياب وغيره من المجددين لم يكونوا “خونة”، بل كانوا شجعانًا واجهوا التقليدية الجامدة بروح المغامرة.
* لذلك، حين نواجه نصًا جديدًا أو أسلوبًا مختلفًا، لا ينبغي أن نسأل:
* “ هل هو خيانة؟”،
* بل يجب أن نسأل:
* “ هل هو إضافة حقيقية للأدب؟”
فالأدب الذي لا يتطور، هو أدب ميت، والموت وحده هو الثابت الوحيد في الأشياء.
الدكتور عبدالكريم الحلو
شارك مع أصدقائك