د. حسن الحضري
شاعر وكاتب وناقد أدبي
مستشار علمي بالمركز العالمي للبحث العلمي وتقنية المعلومات.
…..
المسابقات الأدبية تفتقر إلى التنظيم والحياد؛ فكثير من هذه المسابقات يتم تحكيمها بواسطة لجان غير متخصصة وأشخاص غير مؤهلين أدبيًّا، ولا سيَّما المسابقات الشعرية، التي يشارك في تحكيمها أشخاص لا يعرفون شيئًا عن قواعد الشعر، وإذا أعجبتهم جملة أو معنى معين في قصيدة أو خاطرة؛ اعتقدوا أنها أروع ما قيل من شعر، ولذلك نجد بعض القصائد الفائزة مكسورة الوزن أو تشُوبها أخطاء لغوية تؤثر في صحة المعنى، وينبغي أن يعلم القائمون على هذه المسابقات أن كل فن من فنون الأدب له قواعده العلمية ومقوِّماته الأدبية، وقديمًا قال ابن سلام الجمحي: «الشعر لا يضبطه إلا أهله»، وكان العرب على فصاحتهم وبلاغتهم لا يحكِّمون في الشعر إلا الشعراء، فكان النابغة الذبياني قاضي الشعراء في سوق عكاظ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يجعل حسان بن ثابت رضي الله عنه حَكَمًا بين الشعراء في أمور الشعر.
أما فنون الأدب الأخرى مثل المسرح والقصة والرواية فلا يشترط أن يحكم فيها الكاتب المسرحي أو القاص أو الروائي؛ لكن يجب في جميع الأحوال أن يكون أديبًا مشهودًا له، ملمًّا بأصول اللغة العربية وقواعد السرد الأدبي؛ لأن العمل الأدبي له خصائص محددة لا يدرك أهميتها وتوظيفها الصحيح داخل العمل الأدبي إلا الأديب المتمكن من أدواته الأدبية، بحيث يكون رأيه قائمًا على أساس علمي متوافقٍ مع قواعد الفن الذي يندرج تحته النص.
وهذا كله فيما يتعلق بصفات المحكمين، لكن هناك عوامل أخرى تطرأ على المشهد أو تكون النِّيَّة مبيَّتة بشأنها؛ مثل المجاملات والاتفاقيات السرية التي تنكشف أسرارها فيما بعد؛ وأضرار هذه الأمور لا تنحصر في قضائها على تكافؤ الفرص؛ بل إنها تساهم في تدهور المنظومة الأدبية والثقافية بشكل عام؛ لأنها تفرض على المشهد أعمالًا هشَّة وأشخاصًا أكثر هشاشة، يظهرون بمسمَّى المبدعين، وفي الواقع لا إبداع لهم؛ إنما هم أدوات يتم استخدامها لتحقيق مصالح غيرهم.