سياسة أبطال الروايات والجوائز الأدبية…. جاكلين سلام

شارك مع أصدقائك

Loading

 

سياسة أبطال الروايات هي التي تفوز بذائقة حكام الجوائز الأدبية

جاكلين سلام

سؤال: الجوائز الأدبية تعد من أبرز الوسائل التي تعزز الإبداع الأدبي وتشجع الكتاب على تطوير مهاراتهم وتساهم في اكتساب أعمالهم الاعتراف والتقدير . الجوائز الأدبية: ما لها وما عليها، ما رأيك؟

قرأت رأياً لروائي انكليزي هو جوليان باتريك بارنز الذي حاز عل جائزة مان بوكر الإنكليزية العالمية عام 2011 وحصد العدد من الجوائز الأدبية المرموقة في الغرب، وأُدرج اسمه عدة مرات في القائمة القصيرة لجائزة بوكر الإنكليزية، هذه ترجمتي للاقتباس إلى العربية:

” تدفع جائزة مان بوكر الناشرين للشعور بتعاظم الأمل، وبائعي الكتب إلى الجنون بسبب الجشع، والمحكمين إلى الجنون بسبب السلطة، والفائزين إلى الجنون بسبب الكبرياء، والخاسرين من المرشحين غير الموفقين في القائمة المختصرة بالإضافة إلى كل روائي آخر في البلاد إلى الجنون بسبب الحسد وخيبة الأمل. ومن الأفضل للروائيين أن يفهموا أن الموقف المعقول الوحيد تجاه جائزة بوكر هو التعامل معها باعتبارها لعبة “بينغو” فاخرة” وللعمل لعبة :”بينغو” لعبة تسلية وحظ، ليس إلا.

هذا مفتتح مُشرّع على الدهشة، الاختلاف والاتفاق، لكنه واضح بلا مواربة. واخترتُ بوكر الانكليزية العالمية كي أتفادى الاصطدام بالجدار العربي والتحكيم وما إليه.

سبعة مداخل للنظر في عالم الجوائز:

السياسة والذائقة الشخصية وجنس الكتابة الأدبية وجنس البطل

هل يتفق الروائيون الروائيون الذين فازوا بالجائزة عربيا وعالمياً مع هذا التصريح الذي أراه مباشرة صريحة أتفق معها وقد لا تروق لكثير من الذين خذلتهم الجوائز، او للفائزين بالجوائز على تنوع أبوابها الأدبية، الفكرية، النقدية، والشعرية.

إذا هل من حياد في رأينا ووجهات نظرنا حول الجوائز؟ لا، لسنا حياديين حين نكتب أدباً وحين نقيم عملاً إبداعياً. هناك منطلقات يتذوقها قضاة التحكيم والقراء حين تناول الأدب، ومنها أذكر:

1 سياسة أبطال الرواية: هل غاية بطل الرواية تتوافق ونظرتي لسياسة العالم من حولي، أم تقوض مفهومي  لحرية التعبير؟ هل تنتصر  لي أم عليّ، و تدمر منظومتي الفكرية بطريقة أدبية ناعمة أو شرسة؟

كلنا نحمل في داخلنا قناعات ومفاهيم دينية وايدلوجية وفكرية، بعضها مبطن وبعضها الآخر معلن.

2 شهرة الكاتب : هل الرواية لكاتب أو كاتبة لها سطوة في الحقل الثقافي من خلال العلاقات العامة، والمقالات النقدية التي كتبها سين وعين من النقاد في الساحة الأدبية. يبدو أن من يكتب عن كتابك يلعب أيضاً دوراً في تقييم الوصول إلى الفوز بجائزة. ومن يتناول كتابك للنقد ليس دوما عملا حياديا.

3 سلطة الكاتب: هل الكاتب شخص له موقع وشبكة من العلاقات القوية ويعرف كيف يشتثمرها ومتى؟ وهنا لا ينظر إلى قيمة المنتج الأدبي بل يتبارى النقاد للكتابة عن سين أو عين فقط بحكم المعرفة والحظوة والمصالح المتبادلة، وليس تعميماً.

4 فاعلية دور المنشر الكبيرة والصغيرة : تلعب دور النشر دورا مهما في الترويج لمنتجاتها الأدبية وتفرض سطوتها لأن العملية بالنسبة لبعض الناشرين مادية تماماً وكلما باع الناشر المزيد من الكتب فهو سعيد وقادر على مكافأة الذين في الخدمة. الحال مختلف بين الغرب والشرق.  في السنوات الأخيرة تحقق مبيعات الكتب الفائزة معدلات عالية وعائدات مادية على الكاتب و الناشر. بينما الحال مختلف عربياً إذا أخذنا بعين الاعتبار القدرة الشرائية المنحفضة في المنطقة العربية الفقيرة، وأيضا عزوف المنطقة العربية عن قراءة الأعمال الروائية والشعرية.

5 الذائقة الشخصية للحكام: فهناك من يحبذ الأدب الواقعي وهناك من ينتصر للتجريبي وآخرون لا تزعهجم المشاهد الجنسية واللغة البذيئة، ودوما هناك العكس. والقرارت سوف تتأثر بمن يقود لجنة التحكيم.

6 الخروج من صندوق المفاهيم الدينية والجنسية والقيود الاجتماعية: هناك تحديد لحرية الكاتب في تناول المفاهيم الدينية في المنطقة العربية، ورغم ذلك هناك من يخترق ذلك المحظور ولذلك يبقى منتجه خاضعا للرقابة من قبل الناشر، ثم الناقد، وهذا بالتالي يقف حجر عثرة أمام رواج الرواية الجريئة القادرة على صدمة القارئ كما فعل غوستاف فلوبير مثلا، في روايته العالمية الشهيرة “مدام بوفاري” التي صارت درساً في الكتابة الإبداعية بعد أن تعرض كاتبها للمحاكمة في باريس حين صدرت الطبعة الأولى.

7 هل البطلة أنثى متمردة أم رجل تقليدي ووطني: في المجتمعات الذكورية يكون الانتصار لجنس البطل(ذكرا أو أنثى) مؤثرا على ذائقة المحكمين. سلوك البطلة أيضا وتمردها على واقعها المحدود يلعب دوراً في القبول وفي الرفض. ممولو الجوائز قد يكون لديهم خطوط عريضة معلنة أو غير معلنة وسياسيات مبطنة. مثلا: جائزة نوبل لها سياسة ولجنة تحكيم حسب توصيات مؤسسها ألفرد نوبل، وهناك لجان ثابنة وأصول دقيقة وغير قابلة للتغير بين سنة وأخرى. وتتأثر أيضا بالحدث السياسي المسيطر على العالم خلال سنوات صدور العمل الأدبي.

 

الجوائز مهمة وضرورية لتشجيع الكاتب لكنها لا تطور مهارات الفائزين

الكتاب كما الأطفال يشعرون بالرضا لمجرد التكريم والاحتفاء وهذا شعور انساني ونبيل. فالجوائز قيمة معنوية وتضيف للكاتب تميزاً ومكانة بين أقرانه وبين القراء. الفوز بجوائز في الغرب قد تقلب الحالة المادية بشكل منقطع النظير لكاتب كان على الهامش وصار اسمه تحت الأضواء، وتزداد حصته المادية إذا صار كتابه فيلماً أو مسلسلا. هناك أفلام أخذت عن كتب الكندية مارغريت أتتود، مايكل اونداتجي، أليس مونرو، وليس حصرا. وهؤلاء قد تصبح أسمائهم وحساباتهم البنكية ثمينة بعد الجائزة والأضواء النقدية.

القيمة المادية للجائزة مهمة وتخفف أعباء الحياة على الشخص الفائز في الغرب والشرق. والجائزة ترضي الغرور وتشعر الكاتب بجدوى عمله واشتغالاته لساعات طويلة في عزلة وقلق يعرفه كل من أصدر كتاباً حقيقاً.  أقول حقيقيا، لأنه شاع مؤخرا  تقبل كتاّب الظل والكاتب المأجور أو الشبحي الذي يبيع نصاً بمقابل مادي لكاتب آخر يضع اسمه على الكتاب.

تطوير المهارات الأدبية، مسألة شخصية تتبع الموهبة والمقدرة على ابتكار كتاب يتفوق على ما كتبه سابقاً كاتب حاز على جائزة بحكم القيمة أو الصدفة والمقامرة ( لعبة بينغو). ومهما حاولنا أن نحصي إيجابيات وسلبيات الجوائز في العالم، سنبقى دوما رهن الاحتمالات والافتراضات ورهن طبيعتنا الشخصية وكفاءاتنا في قراءة المشهد الثقافي والإفصاح عما نفكر به دون مراوغة وأقنعة كما فعل الروائي الإنكليزي في المقولة التي أوردتها في مقدمة هذا المقال. وليست هذه المرة الأولى التي أتطرق فيها إلى موضوع الجوائز الأدبية التي تعتبر موضوعا خلافيا ويتجدد مع صدور قوائم الجوائز الأدبية العربية والعالمية: نوبل، مان بوكر، جائزة السلطان عويس، جائزة كتارا، جائزة غريفن الكندية للشعر، جائزة القصة في هذا البلد أو ذاك.

والقراء مستويات أيضا ومنهم من يريد حكاية مشوقة بغض النظر عن القيمة الفنية للنص وتقنيات الكتابة. وهناك قراء نخبة ونقاد لهم ذائقة يشذبها النضج الأدبي وسعة الإطلاع على الأجناس الكتابية والمفاهيم النقدية والمعرفية.

وهناك أسماء كبيرة إبداعياً تنتظر من يضعها تحت الأضواء بضربة حظ أو سحر معجب أو حنكة ناشر، أو ضربة ساحر. وهناك أعلام في الأدب والفن العالمي لم تكتشف قيمة كتبهم إلا بعد موتهم.

 

جاكلين سلام: كاتبة سورية كندية، شاعرة ومترجمة ولها مقالات نقدية نشرت في الصحف والمجلات العربية في الشرق وكندا. صدر لها ستة مجموعات شعرية، وكتاب فكري ثقافي،يتضمن حوارات ومقالات وترجمات.

 

شارك مع أصدقائك