وشوشة قطرة المطر …سرى الحداد

شارك مع أصدقائك

Loading

وشوشة قطرة المطر

سرى الحداد

 

كانت نافذتي المغلقة شاهدة على الشتاء منذ بدايته. قطرات المطر كانت تدق بلطف على الزجاج، تغني أغنيات الحنين، تحمل معها لسعة البرد ودفء الذكريات. ذات مساء، وبينما كنت مستلقية أراقب السماء الرمادية من خلف الزجاج، شعرت بشيء يلامس وجنتي. قطرة مطر تسللت من نافذتي المفتوحة قليلًا، كأنها هاربة من مصيرها. تأملت القطرة للحظات، كانت صغيرة جدًا، ولكن فيها عالم كامل. تساءلت: لماذا اختارتني؟ هل كانت مستوحشة تبحث عن رفيق؟ أم شعرت بالبرد فالتجأت إلى دفء انوثتي؟ بدأت أستمع لصوتها، صوت لم يكن مجرد خيال. كأنها تهمس لي بحكايات. أنينها كان يشبه موسيقى حزينة تتشابك مع أشجان دفينة في داخلي. بدت وكأنها تروي لي قصصًا عن ماضٍ بعيد، عن ليالٍ باردة اجتمع فيها الأحباب حول المدفأة، عن شهريار الذي سكن حكايات شهرزاد، وعن ديك يصيح لينذر ببداية يوم جديد. قالت لي القطرة، بصوت لا يسمعه سوى قلبي: “أنا هنا لأخبرك أن الشتاء يحتضر، ينازع أنفاسه الأخيرة. لكنه لم يشأ الرحيل دون أن يترك أثراً. أنا رسالته إليكِ، أن تستعدي للصيف الذي سيأتي بعنفوانه، بحرارته، وبحياته الصاخبة. لكن تذكري دائماً أن الشتاء، رغم قسوته، هو من يجعلنا نقدّر دفء الحياة”. نظرت إليها وهي تنساب بهدوء على أصابعي، كأنها تريد الهروب من هذا العالم الذي لا ينصت لصوتها. تساءلت: ترى، كم تحملت هذه القطرة؟ كم سمعت من همسات البشر وهم يعبرون الطرقات، كم حكاية عاشتها قبل أن تصل إليّ؟ حين اختفت القطرة، تاركة أثرها على يدي، شعرت بشيء مختلف. كأنها لم تكن مجرد قطرة، بل وشوشة عابرة من الطبيعة تخبرني أن كل شيء في هذا العالم، حتى التفاصيل الصغيرة، يحمل في طياته حكاية تستحق أن تُروى.

شارك مع أصدقائك