حوار مع الشاعرة رسمية محيبس زاير

شارك مع أصدقائك

Loading

حاورتها فاتن الجابري

مهاد

اللقاء مع الشاعرة رسمية زاير يشبه رحلة بين مدن العراق ونخيله وأنهاره، بين آهات السنين، وذكريات شط الغراف وأسرار مُحبي  قرية البَدعة…رحلة في الشعر والسرد .رأت النور في مدينة الشطرة التي تغفو على ضفاف الغراف، مدينة الشعر، والألم، وأماسي الفرح التي لا تشبه غيرها فالليالي تمتلئ بالشعر والأبوذيات والمواويل والحنين إلى غد يجلب السعادة… كتبت رسمية الشعر مع النهر وضوء شموع الخضر في ليالي الأربعاء، رددت أغاني الشط والنجوم ، وانتظرت عودة الغائب.
فهي تنتقي العبارات انتقاء يليق بكبرياء القضية التي تتناولها ، الثوار والنساء والأطفال وسمات الحزن والفرح ترسمها حروفاً وصور شعرية … حاورتها للتعرف على مراحل حياتها الأدبية والشعرية
من أنتِ؟
رسمية محيبس
أنا شجرة برية أستمد قوتي من تلك التربة الخصبة التي زرعت فيها. لم يكن الطريق مفروشاً بالورد، كانت هناك عقبات ، وكان هناك من شجعني الشاعر كائن نرجسي، يحتاج إلى رؤية ذاته في مرايا الآخرين ليعرف موضع خطواته. حتى النقد السلبي يمكن أن يكون وقوداً لإشعال نار الإبداع؛ فأنا كالشجرة على الطريق، قد يرميها عابر بحجر، فتمنح الثمار. لي عالمي الخاص، ومن هذا المجتمع بكل تناقضاته استقيت قصائدي وقصصي، كما أن النهر الذي نشأت بقربه والشجرة التي ألجأ إليها يمنحاني الإلهام والحكمة.
– هل تحرثين في أرض غير صالحة؟
البقعة التي أختارها وأزرع فيها بذوري دائماً خصبة، فأنا واثقة مما أملك الأنهار تجري حولي ، وحكاية العطش لم يحن أوانها بعد الفصول تتغير والشاعر أحد كائنات الحقل له خريفه أيضا قد يجف وينكسر كأي غصن
– كيف اخترت هذا الطريق الشائك؟
لم أكن أبحث عنه؛ بل وجدته اثناء رحلتي. إنه نوع من الشغف أو العادة التي أصبحت تلازمني.
كنت اجلس تحت شجرة وامامي ورقة بيضاء وقلما وطيور تخطف فوق راسي كان لحظة تشبه السحر دونت على الورقة شيئا ورميته في النهر وقد منحني أساور فضية وقلائد من فضة أيضا لم أكن أدرك أن تصبح الكتابة جزء من الرحلة
– وهل هناك منغصات في الطريق؟
بالتأكيد، فمن يخرج للمعركة لا يسلم من الطلقات الطائشة.
– وهل أصابتكِ تلك الطلقات؟
نعم، مرات عديدة، لكنني أتقنت تحويل الجراح إلى نجاحات. الحياة معركة، ويجب أن نخوضها حتى النهاية، سواء كان مصيرنا النصر أو الهزيمة. حصدت بعض السعادات، كتبتُوسافرت وتحديت ونلت جوائز، إنها رحلة تغمرني بالجمال والحب، تجعلني أحلم وأطير، وأصل إلى أماكن لم يسبقني إليها أحد.
– ألا توجد لكِ أخطاء؟
بالطبع، لدي أخطاء لا تعد ولا تحصى، لكنها سببت لي أذى وليس لغيري. الإنسان بطبيعته مجموعة من الأخطاء، لكن علينا أن نتعلم منها.ونعتبرها معلما كبيرا
– ولديكِ أعداء، أليس كذلك؟
أكثر مما تتخيل. أحياناً أعددهم مع نفسي، لا ملامح واضحة لهم، ولا أسباب صريحة لعدائهم. بعضهم أحببتهم بصدق، وقد تلاشى أكثرهم مع الزمن.
– ومع ذلك تبدين مسالمة؟
ليس دائماً؛ أحياناً أكون حادة المزاج. لكن الزمن علّمني أن أهدأ، وأتعايش مع ما حولي، حتى أصبحت أضيق أحياناً من هذا السلام.
– وهل جاء وقت محاسبة النفس عند الخطأ؟
لقد نالت ما يكفي من الآخرين، فهل أكون أنا والزمن عليها؟ حاسبتها كثيرا وقد انتهى كل شيء ومضى زمن المعارك الضارية أنني الٱن كالفارس الذي يعيش على أمجاده القديمة ، احبها افهمها بعد أن كنت في حرب معها
– هل تهتمين بالنقد السلبي؟
في البداية، نعم؛ كنت أتأثر بما يقال، لكنني تعلمت ألا أكترث. الضربات التي لا تقتلني تزيدني قوة. أنا أبني عالمي الخاص بصبر وجلد، وأعود لأكمل ما بدأته. أحياناً أشعر بالإحباط، ما لو ان الشعر ذهب إلى الأبد لكنه سرعان ما يعود لي، يهبط على الورق بأناقة، وفي تلك اللحظة أشعر أنني وُلدت من جديد.
– ما حكايتك مع الرواية؟ وهل حققتِ ما تطمحين إليه؟
ليس بعد، الرواية هي عالمي الذي أعيش فيه أستمد منه كل الوجوه والأحداث من جديد. إنها عالم من المغامرة والإبداع، تأخذني إلى أماكن لم أتوقعها. الرواية ليست هروباً من الواقع، بل إعادة صياغة له، وقد تكون شخصياتي مستوحاة من أشخاص عرفتهم.في داخلي شحنات كثيرة لم افرغها على ورقة وهي أحق أن تروي الم يقل ماركيز جئنا لنحكي
– التاسع والعشرون من ديسمبر يمثل ذكرى رحيل كزار، كيف أثرت هذه الحادثة فيكِ؟
كانت صدمة لم أتوقعها. كنا في جلسة شعرية عندما أهداني قصيدة، يقول فيها: “لا رسمية هذا اليوم، لا صحو غداً؛ اليوم غناء تحت التوت، وغداً تابوت”. فجأة، سقط على المسرح، وطلبت مساعدة من حولي. نُقل إلى المستشفى، لكنه كان قد غادر هذه الحياة، تاركاً أثراً كبيراً.لم نكن نتوقع ما حدث لا أنا ولا هو لكن روحه ما زالت حاضرة معي في كل كلمة طيبة تقال عنه؛ فهو شاعر محبوب نبيل لا يخلو من النقاء.
– برأيكِ، هل محبة الجمهور لكِ تأتي من التزامكِ بالعادات والتقاليد؟
لا، أبداً. أنا قريبة من الناس لأن أفكاري صادقة وإنسانية.تصل بسرعة يعرفون ما أعني الجمهور يراقب الشاعر بصمت، ويُلمح أحياناً برأيه . لم أسعَ لإرضاء أحد، ولا انسجم مع ما حولي ابدا اعتقد أنني ولدت في المكان الخطا لكني احاول الانسجام معه ببعض الأكاذيب الصغيرة كنت طبيعية، ولم أبحث عن الإثارة. في أعماقي تمردٌ كبير، لكنني لا أهاجم ولا أتمرد فقط لأجذب الانتباه. الكتابة بحد ذاتها تمرد.
– ما رأيك في ثورة 25 أكتوبر؟ وهل يمكن لهذه الأجيال أن تنتصر؟
ثورة أكتوبر تمثل تحوّلاً نوعياً؛ الشباب حققوا ما لم تستطع الأجيال السابقة تحقيقه. إنها طفرة وصدمة، فجّرتها أخطاء تراكمت بفعل سلطات استغلت البلد لمصالحها الخاصة. واجهت الثورة العنف والقتل فقدنا شبابا رائعين ولم يتم القصاص انها ليست ثورة الشباب فحسب؛ بل ثورة الحرية، رغم التضحيات الجسيمة. وهي مستمرة ولا يمكن أن تنتهي بقائها هو انتصارها وقد أحدثت تغيير كبير التعيينات عادت بفضل ثورة تشرين وهذه اهم انجازاتها
– حب الوطن بداية للإبداع، ما ردك على هذه العبارة؟
الوطن هو نقطة البداية، ولا شيء يضاهي حب الوطن. نحن العراقيين نرى في الوطن قضيتنا الأولى، والشاعر الذي يتغنى بوطنه يستحضر تلك الروح المتجذرة في التاريخ ، كما قال محمود درويش: “كن عراقياً لتصبح شاعراً”. العراقي كائن وطني بامتياز

الشعر موهبة يجب صقلها. النصيحة الأهم هي القراءة المستمرة؛ فالعلم والمعرفة هما الوقود لتنمية تلك الموهبة. للكتابة قوة في صناعة المستقبل، لذلك أحذر من العجلة والغرور

 

 

 

 

 

شارك مع أصدقائك