النوستاليجا والمكان في رواية (شيء من بعيد ناداني) للروائي أحمد طايل

شارك مع أصدقائك

Loading

 أمل رفعت

 

ربما من المفترض أن أعطي تعريفًا للنوستاليجا في البداية، والنستاليجا ببساطة هي الحنين إلى الماضي، والحنين إلى الماضي في رواية أحمد طايل (شيء من بعيد ناداني) مرتبطة بأماكن السرد، الأماكن هنا هي البطل الأول، وهذا هو محور التحليل، ولنتمكن من الإحساس بأهمية المكان في سرد أحمد طايل ننظر إلى البداية أولًا، فمنذ الوهلة الأولى والمؤلف يلعب مع القارئ لعبة الشغف المكاني، والبداية وعد بتحقيق الحلم، العرافة هي التي تعد وفتاة مراهقة تستقبل كلام العرافة والمكان هو لندن، ويستمر الشغف التشويق المكاني الذي بدأ بحديث العرافة، مارًا بمحطة معرض لللآثار المصرية في بلاد العم سام بأمريكا، حيث دعوة لأبي لويزا( الدكتور تشارلز آدمز)، وقد لبى الأب الدعوة مصطحبًا فتاتنا الصغيرة الإنجليزية إلى بلاد العم سام بولاية نيويورك، ووظيفة الأب تعطي القارئ فكرة عن وجود علاقة بينه وبين الآثار المصرية القديمة، وهي كونه باحثًا في النفس البشرية وتأثيرات الزمان والمكان، وهي نقطة هامة يوحي السارد لنا أنها مربط الفرس وستحل لنا ألغازا قادمة. وللعودة إلى العتبة الأولى وهي العنوان الذي هو جزء من أغنية مصرية (شيء من بعيد ناداني) يشير العنوان إلى النداء، والشيء هنا ربما يعود إلى الروح التي تجذب، فالأرواح منها المتآلف والمتعارف ، وربما هو القرين، فالشيء الغامض في العنوان أعطى جاذبية أكثر إلى القارئ للدخول إلى عمق العمل للبحث عن هذا الشيء والبحث عن المنادى والمنادى عليه، إنها رحلة من البحث بداخل الرواية، فبماذا خرج القارئ؟ ربما هو ما خرجت به وأنا أحد هؤلاء القراء! الغموض يفسره التشويق في حكايات المصاطب التي تربى عليهاالبط( الغربي قمولا مركز القرنة بالأقصر) والحكاوي هنا خاصة بالأقصر التي بها ثلث آثار العالم من حضارة مصرية قديمة وخاصة أن والد فريد يعمل كغفير أو عامل مع البعثات الاستكشافية للآثار، وهناك نقطة تلاقٍ بين فريد الذي عمل بالآثار مع الدكتور زاهر ولويزا الفتاة الإنجليزية التي وقعت في حب الآثار المصرية، ونلاحط هنا التنقل بالسرد بين الأماكن المحتلفة. وإذا انتقلنا إلى التحليل الوصفي هنا؛ نجد أن وصف التراث المصري؛ يتلاءم مع السرد، فوصف ملابس النساء في الريف وفي الصعيد وصف البيوت والعادات والتقاليد، الوصف لم يرتبط بالتاريخ الأثري المصري القديم فقط بل شمل الحاضر والماضي القريب أيضا، لم يكن الوصف مجحفًا، أو قاتلا للسرد بل هو في سياق السرد الفعلي والمتن الأساسي المتماشي مع التصاعد الدرامي الذي أراه بطيء نسبيًا، ربما لأنه تماشى مع اللغة البسيطة الهادئة البعيدة عن التركيبات اللغوية المعقدة، فالتركيز كان منصبًا على الفكرة، فالفكرة هي البطل الرئيسي، والتي سخر لها المؤلف ادواته السردية لخدمتها خاصة المكان. ومن الجدير بالذكر أن من نتائج الوصف دمج الإيحاء الروحي، وسمات التقمص، كنعت لويزا على أنها بها صفات ملكة فرعونية قديمة ولو انني لا أوافق على وصف المصريين بالفراعنة لأنه وصف عارٍ من الدقة، فتاريخ المصريين القدماء لا ينبغي أن يسمى بمسمى حقبة صغيرة من الزمن ترتبط بشخص، لكنها صفة عامة وصف بها المصريين رغم أنفهم. هنا تبرز أداة إضافية نتاج استخدام الوصف بصورته المعتدلة؛ ألا وهي المشهدية التصويرية، تلك المشهدية تجعلنا نرى مظاهر الأحداث في مخيلتنا نحن القراء، وهذا قمة ما يربو إليه أي قارئ، وقد نجح طايل في لعبة المشهدية ببراعة سواء في تصوير الأشخاص ومواقفهم أو الأماكن المحيطة بالأحداث، خاصة البلدان(نيويورك، لندن، مصر، صعيد مصر، مناطق الآثار، القاهرة وغيرها) ومن التصوير والمشهدية تظهر صيغية العلاقات الإنسانية وأهما العلاقة العاطفية بين لويزا وهي البطلة الإنجليزية وبين فريد وهو البطل المصري، كذلك علاقة الانجذاب للجضارة المصرية القديمة التي سيطرت على لويزا، ويعتبر من ضمن العلاقات الإنسانية علاقة لويزا وتعلقها بحديث العرافة، ثم تأتي العلاقات بين الفروع والأصول والجدذور في العائلة المصرية، والتراث المتبع في الموت والميلاد والزواج، وكان طايل يشير إلى ربط الحاضر بالماضي القديم في العادات والتقاليد بين العائلات المصرية والمستمرة حتى الآن. الشد والجذب بين الشخصيات يوضحه لنا الحوار السردي، الحوار نقطة هامة في استدعاء التاريخ في النص، فالحوار أداة تخدم الفكرة بلا شك وطايل استطاع استخدامه بطريقة مثلى مع استخدام لغة بسيطة سواء في السرد أو في الحوار، ومن هنا تنصهر كل أدوات السرد مع بعضها؛ الوصف والحوار والمشهدية؛ لتتحد في صورة تجهيزات حفل زفاف فريد ولويزا التي غيرت اسمها إلى رشيدة، كما ظهرت تلك الصورة الاتحادية بذهاب لويزا مع فريد إلى الأزهر، كذلك صورة انغماس لويزا في الحياة المصرية وتبدل حياتها تمامًا

 

شارك مع أصدقائك