لوحة عالم كريستينا للفنان “أندرو وايت “

هادي ياسين

تُعتبر هذه اللوحة ( عالم كريستينا ) أيقونة الفن الأمريكي المعاصر ، و واحدة من أهم و أشهر اللوحات التي رُسمت في القرن العشرين .

و ربما لا يعرف المشاهد العادي القيمة الفنية و الإنسانية لهذه اللوحة مالم يعرف شيئاً عن خلفيتها . ربما لم يكن ذلك ضرورياً بالنسبة للوحات أخرى حتى لو كانت تجريدية أو سوريالية ، أو حتى كلاسيكية ، إذ قد يكتفي هذا المشاهدُ بالجانب الجمالي البصري فقط ، أي بالشكل دون المضمون . ولكن هذه اللوحة التي رسمها الفنان الأمريكي ”  عام 1948 ، تحمل بُعداً درامياً تكتنز به اللوحة و يوجـِد وشيجة ً بين الجارة ” كريستينا ” و الطبيعة و ” أندرو وايت ” نفسه . فالرسام ” وايت ” ( 1917 ــ 2009 ) كان ــ منذ طفولته ــ واهنَ الجسد ، ميالاً الى العزلة ، لذا فقد آثرَ والدُهُ ( الرسامُ أيضاً ) أن يُبقيه في المنزل ، و تولّى هو تعليمَهُ ، و أيضاً تدريسَه قواعدَ فنِ الرسم ، لذلك كان ” أندرو ” رهينَ البيت ، و كان يُطلُ على العالم من خلال النافذة ، و هو يتأمل الحقولَ الفسيحة ، و ذاتَ مرةٍ لمحَ جارته ” كريستينا ” ، المُصابة َ بشلل الأطفال ، تزحف في الحقل و هي تقطف التوتَ البَرّي ، فهي كانت رهينة َ البيتِ أيضاً . هذا المشهدُ حرّك دواخلَ ” أندرو وايت ” ، إذ تجسّدت أمامَهُ قوةُ إرادة الإنسان ، و مع تكرار المشهد اقتنص الرسامُ موضوعَهُ الإنسانيَ المؤثر الذي جسّده في هذه اللوحة ، التي اعتبرها انتصاراً لنفسِهِ على حالتِهِ ، و ما أن ظهرت هذه اللوحة حتى لفتت انتباهَ النقاد بالإيجاب ، و أثارت إعجابَ الناسِ جميعاً و باتت حديثَ الأوساطِ الثقافية في أمريكا و خارجها .

هذه اللوحة تُعد نموذجاً أمثل للعلاقة بين الشكل و المضمون في العمل الفني ، و خصوصاً في الفنون البصرية الساكنة . و قد رُسمت و قُلـِـدَتْ كثيراً ، و كلُّ اللوحاتِ الشبيهة التي ظهرت بعدَها ظهرت بذات الحركة ( الزحف على الجانب الأيمن ) كما قُـلدت اللوحة في أعمالٍ فوتوغرافيةٍ متنوعة .

على العكس من والده ، الذي كان يميلُ الى رسم الصور الشخصية للأدباء و الفنانين المعروفين ، التي يتحدد فيها فضاءُ اللوحة ، كان ” أندرو ” ميالاً الى رسم عامةِ الناس في فضاءاتٍ مفتوحة ، ربما تعويضاً عن عزلتهِ و عن فضاء البيت المحدود .

توفي ” أندرو وايت ” في 16 / 1 / 2009 بسكينةٍ تامة .. و هو نائمٌ في بيته في فيلادلفيا .