نصوص الشاعر وديع سعادة

شارك مع أصدقائك

Loading

يدٌ على الحافَّة

يدٌ على الحافَّة

ويدٌ في الفضاء

ويغنّي

راسماً بلهاثه القبر الذي يحبُّ أن ينام فيه.

يغنّي للهواء الذي رافقه على الطرقات

للبجعة الجائعة التي نظرت إليه ورمى لها لقمة

وللبحيرة

في ذاك المساء

والأسماك التي تسبح فيها.

يضع يداً على الحافَّة ويداً في الفضاء ويغنّي

لرمل

دفنتْ فيه الحياةُ كلَّ موتاها

يغنّي لمِعْول

حفر طويلاً في ذاك الرمل علَّه

يجد موتى لا يزالون يتنفسُّون

يغنّي لصحراء

يغنّي لموتى.

يدٌ على الحافَّة ويدٌ في الفضاء وغناء

وقبرٌ من لهاث

تبدّده الريح.

يمشي يمشي

 يمشي باحثاً عن بحر

يرقص موجُه مع السمك

عن صحراء

يغنّي رملُها مع الريح

باحثاً عن البحر الأوَّل والصحراء الأولى

وعن حقول

أوراق أشجارها عيون مزارعين

وعيون فلاَّحيها أوراق شجر

وعن عين

هي عيون الجميع.

يمشي يمشي ولا يرى بحراً

لا يسمع غناء

لا يرى رقصاً

لا حقولاً ولا مزارعين

يمشي

يمشي

بلا عين

ولا قدم

ولا مكان.

بالكاد تتسع لعين شخص ولهاثه

 

 الهواء من رئتيه

والماء من عينيه

ما حاجته إلى الخارج؟

من لهاثه يأتي الهواء ومن دمعه الماء

وإن أراد طعاماً

في حديقة باله خضار وثمار.

أقفل الباب وقعد

مشيحاً بوجهه عن خيالات ناس

تعبر أمام بيته

عن خيالات عصافير

تدقُّ على نافذته

ماذا سيطعم العصافير وإلى أين سيدعو الناس؟

إن أراد عصفور قمحاً من أين يأتي به؟

وإن دخل ناس

أين يجلسون؟

غرفة صغيرة ومقفلة

بالكاد تتسع لعين شخص

ولهاثه.

في مكانه

 

 

رصف حجراً فوق حجر تاركاً فراغاً

كي تتنفَّس الأحجار

في الحجر روحٌ، قال

وقد تكون بين حجر وحجر

عشبة تريد أن تنبت.

نظر إلى الشجرة وقال

قد تكون روحٌ في المسافة بينه وبين الشجرة

والنظرة قد تعيقها

فأغمض عينيه.

مشى

عائداً

وقال

في الإسفلت روحٌ أيضاً

رفع قدمه عن الإسفلت

وبقي في مكانه.

الجهة تُحنيه، الجهات ترفعه

  

ضربته الريح من اليمين

فانحنى يساراً

ضربته الريح من اليسار

فانحنى يميناً

ضربته من الوراء فانحنى إلى الأمام

ضربته من الأمام فانحنى إلى الوراء

وحين ضربته من كل الجهات

ارتفع.

الطريق إلى البيت

 

هذه هي الدرب التي توصل إلى بيتي، قال

ومشى

يتبيَّن خطواته من قمر بعيد

يتبيَّن دربه من ذكرى

وأحياناً يشمُّ رائحة زهور

كانت على جانبي الطريق إلى بيته.

قال هذه هي الدرب ومشى

حين يظهر القمر يخطو خطوة

وحين يحجبه الغيم يضيع،

لكن هذه هي الدرب، قال

ورائحة الزهور التي في ذاكرتي ستدلُّني

ومشى

ومشى

ومشى.

حقول في الرأس

 

 لديه تبغ وخمر لهذه الليلة

فيا للسلام في قلبه!

صبَّ كأساً ولفَّ سيجارة وراح

إلى الحقول

يزرع تبغاً ويقطّر عنباً

ويوزّع لضيوف

يدقّون على بابه.

لديه تبغ وخمر ولا يحتاج إلى أكثر

كي يشعر بسلام

ويخترع حقولاً

ويُحضر ضيوفاً.

يده

 

 يده تذرّيها الريح إن عَلَت

وإن انخفضت يخفيها التراب

يد عالقة في جسد

عليه أن يلحق بها

ولا يعرف إلى أين تذهب.

 للريح أطفال أيضاً

  

للريح أطفال أيضاً

تشرذمهم على امتداد عبورها

وتتركهم وحيدين.

للريح أطفال على الطرقات

هلاميّون، عراة ويتامى

يلوّحون للمارَّة كي يروهم

علَّ نظرات العابرين تكسو هباءَهم

فتصير لهم أجساد

ويُرَوْن.

أخفضِ الصوت

 

 أخفضِ الصوتَ أرجوك

أريد أن أسمع السكون ماذا يقول

ربما يقول: تعالَ

وأريد أن أتبعه.

هل رأيتَ السنونوة؟

 

 هل رأيتَ السنونوة ؟

أظنُّها ستعبر من هنا

على جسدي نَبَتَ ريش يشبهها

نبتتْ سنونوات تريد رفيقاً

ولا تحطُّ على غصن حين تطير.

من أخذ النظرة؟

 

 من أخذ النظرة التي تركتُها أمام الباب قبل أن أنام؟

النظرة التي

طوال الليل

حاولتُ أن أخلق لها عيناً.

نظرة بلا عين أتت

ووقفتْ على بابي

في قلبي أحداق كثيرة لعيون

نبشتُها حدقة حدقة

ولم أجد عيناً لهذه النظرة.

نظرة غريبة أتت في الليل

ونامت أمام الباب

وفي الفجر

حين فتحتُ عينيَّ

غابت.

ذكرى ماء

 

بين الماء وبينه ذكرى نهر

ذكرى وديان كثيرة

وبحرٍ شاسع.

بين الماء وبينه ذكرى حقول

ذكرى شجر وعشب وتراب

وفلاَّحين

ترتطم معاولهم

في قلبه.

بينه وبين الماء سطوح من تراب

وقرويُّون يحدلون السطوح

بينه وبين الماء

سطوح بيوت بعيدة.

بين الماء وبينه سماء

هطلتْ فجأةً

وتركتْ في قلبه بحاراً

تركتْ سفناً، أسماكاً في شِباك صيَّادين

تركتْ أسماكاً صغيرة ميّتة

تعود إلى الشاطىء.

لا ترمِ شيئاً في القمامة

 

 ليست ثمرة يابسة هذه التي رميتَها في القمامة يا وديع

بل هي قلب

قلب كان معلَّقاً في شجرة

تأتي العصافير وتنقد منه

يأتي النحل ويمتصُّ رحيقه

يسرح عليه النمل

حتى يبس

وسقط على التراب.

لا ترمِ شيئاً في القمامة يا وديع

قد يكون ما ترميه رفيقاً يريد أن يبقى معك

قد يكون فماً يريد التحدُّث إليك

لا ترمِ شيئاً

قد يكون ما ترميه

قلبك.

 

شارك مع أصدقائك