فوز حمزة
تنتابني مشاعر غريبة عندما أرى عاشقين يتهامسان، أظل اتبعهما بنظراتي، أبحث في ملامحهما عن إجابة لسؤالي اليتيم، ترى ما يقول لها؟! لم أعش تلك اللحظات؟ مضت سنين العمر. أعتقدت فيها أني أحبه، خدعتني مشاعري أو ربما أنا من خدعها! أنا امرأة لم تعرف الحب، لم تدخل جنته، لم تلسعها نيرانه، السهاد لم يزر جفنها، أحلامي خالية من الوجع إلى أن التقيته. الكل يعلم أنني امرأة صعبة، مستحيلة على الرجل، عصية على الحب، لكن حين دعاني للعشاء تلك الليلة، لم أجد شيئًا من هذا بي وكأن ربيعًا جديدًا أخذ يزهر في قلبي. لم تكن دعوة عشاء فحسب، بل كانت رحلة للسفر فوق غيوم حبلى أمطرت فوق صحرائي. اخترقتني عيناه، جردتني من كل شيء. عرف سر المحارة النائمة في عمق البحر، فأجهز على ما تبقى مني. لم أعد أنا التي أعرفها. وأنا أنظر إلى لهب الشمعة الحمراء التي كان ركامها يتساقط كما مدني المهجورة، سرت بي ارتعاشة لذيذة وهو يمسك يدي ليطبع فوقها قبلته الأولى. رجف ذلك اللعين الصغير المتربص بيّ داخل قفصه، داخل زنزانته الرمادية وارتعشت أوصالي كأنها اتصلت بسلك كهربائي. رحت أنظر إليه وكأني به أرى نفسي لأول مرة! وتوالت اللقاءات… فررت من شرنقتي، تلقفني العالم فراشة مكتملة الأنوثة، تنثر الربيع على الزهور، تخشى النار الاقتراب منها. أحمل على جناحي بذور عشق أول أنثى لآخر رجل، تحملني نسائم الصباح إلى أرض الأحلام الموعودة، أرتع في بساتينها، أنهل من خمرها ثم أعود اختبئ في أحلامه إلى أن أيقظني صوته الحنون وهو يطلب مني ملاقاته مساءً. من أين لي بالصبر حتى المساء؟! ما الذي سأرتديه؟ وأي عطر أضعه؟ لعلي سأحمل حقيبتي الصفراء؟ ما أجمل صوت العصافير اليوم! يا لجمال الطبيعة وهي ترتل معي أغنية لراهب عشق! كيف لي بفك هذا الأسر؟ جناحاي تعبت من الرفيف، ليت لي قدرة التحليق عاليًا كما روحي الآن؟ ساعات طويلة مضت لم تبقَ فيها أغنية لنجاة لم أدندنها مع نفسي حتى اقترب المساء. كان الدرب يسبق خطواتي .. والتقينا .. جلس في هدوء تام بعد أن مد يدًا باردة في مصافحتي. أحسست بشيء غريب لم أدركه بين هواجسي. الهدوء الذي اعتلاه جعلني أشعر بالهدوء السابق العاصفة. أية عاصفة؟! العاصفة هنا في رأسي، اقتلعت جذور الأحرف والكلمات، تركتني حطامًا، لعبت الهواجس بيّ أفضل أدوارها، ما بال هذا المساء شديد الظلمة؟! شديد السواد بلون عينيه الواسعتين! منذ جلوسنا، لم ينظر نحوي إلا مرة واحدة، لكنها تحمل معان كثيرة. ارتطمت يدي بالفنجان أمامي، فانسكب بعض من الشاي فوق يدي، لم انطق بكلمة، لُجِم لساني وقد مرت الدقائق بطيئة ثقيلة كأن عقارب الساعة ثعابين تزحف فوقي. فقدت القدرة على قول شيء، حاول إشغال نفسه عني مرة بإشعال سيجارة وتارة برشفه الشاي. نظرت إليه. كيف يمكن للعالم أن يختزل بإنسان واحد؟! لاحظ شرودي وسكينتي البائسة وهي تحاول التشبث بيّ. الوردة البيضاء على يميني أثارت انتباهي .كيف لم ألحظها من قبل. رفعتها وقربتها من وجهي واغمضت عيني لبرهة، لم اشعر إلا ويدة تسحب يدي وبكل رقة، يرفعها قريبًا من وجه ويدعها تحتضن خده. فإذا به يحجز أصبعي بخاتم ماسي صغير وقبلة. كل عام وأنتِ حبيبتي، إنها الذكرى الأولى لمولد حبنا! وهنا .. فوجئت بانطلاق موسيقى عزفت بالقرب منا.