حاوره: عـادل عطيـة
شاعر شعراء المهجر: شربل بعيني
“أجمل الشعر العربي، أنتجته عقول مغتربة”
في حديثه عن الشعر المهجري، وقضاياه
ولد في لبنان، وفي فمه موهبة الشعر.
وهاجر إلى أستراليا؛ وهناك جعل منها وطناً للشعر العربي الجميل.
ترجمت بعض كتبه إلى: الإنجليزية، والفرنسية، والاسبانية، والأوردية، والسريانية، والفارسية.
نشر بالفصحى والعامية أكثر من أربعين كتاباً؛ فوصفه الشاعر فؤاد نعمان الخوري: بطاحون النشر في أستراليا.
لقبه الإعلامي طوني شربل بسيف الأدب المهجري، والدكتور جوزيف الحايك بأمير الشعراء في عالم الانتشار اللبناني، والشاعر العراقي يحيى السماوي بعميد الأدب المهجري، والاستاذ أيوب أيوب بشاعر المهجر الأول، والأب يوسف جزراوي بأسطورة الأدب المهجري، والأديب نعمان حرب بشاعر العصر في المغتربات، والأديبة مي طباع بقصيدة غنتها القصائد، والشاعر إياد قحوش بشاعر الشعراء، والشاعرة سوزان عون بسفير شعراء المهجر، والاعلامي أكرم برجس المغوش بترنيمة حب… وقد رفض هذه الألقاب كلها، وتمسك بلقب واحد ألا وهو شاعر الغربة الطويلة، الذي أطلقته عليه الدكتورة تريزا حرب.
كرّم في حياته أكثر من عشرين مرة، ونال جوائز عديدة، نذكر منها: درع وزارة الثقافة اللبنانية، وجائزة جبران العالمية وجائزة الأرز للأدب العربي، ودرع عبد الوهاب البياتي.
أصدر صحيفة “صوت الأرز”، ومجلة “ليلى” الورقيتين، ويشرف الآن على مؤسسة الغربة الإعلامية التي تضم: تلفزيوناً، وإذاعة، ومجلة.
توزّع باسمه جائزة عالمية، أوجدها الدكتور عصام حداد في مدينة جبيل اللبنانية.
والآن، أدعوكم إلى مشاركتي هذا اللقاء، والحوار مع شاعر شعراء المهجر الأستاذ شربل بعيني…
أنت من لبنان.. ولكن من أين؟
أنا من بلدة “مجدليّا”، قضاء “زغرتا”، لبنان الشمالي. وهناك ولدت في العاشر من فبراير عام 1951.
ماذا تتذكر من طفولتك؟
هناك أشياء كثيرة أتذكرها، أولها، محبّة أبناء القرية لبعضهم البعض، حتى أنهم في مهجرهم هذا لم يتخلّوا عن حب بعضهم البعض، وهذا ما جعلني أحب الآخرين.
كما أنني لا أنسى كيف كان أهالي القرية يحبون الإستماع إلىّ وأنا ألقي أشعاري من يوم كنت في التاسعة من عمري، وكان الناس ينتصتون إلىّ.. صحيح أن صوتي عالٍ، ولكن علو الصوت كان ومازال يساعدني على توصيل كلمتي.
هل تعتقد أن الهجرة قد أثّرت عليك؟
إذا تصورت كم كانت كتبي، وأنا في السابعة عشرة من عمري، وهي تأخذ إهتماماً وتقديراً، لوجدتني أشهر من اليوم؛ فالشاعر في وطنه ينطلق أكثر.. وقد قال لي الشاعر المرحوم نزار قبّاني، قبيل وفاته: “ضيعاتك تضل بأستراليا”.
حدثنا عن صعوبات الأدباء والشعراء في المهجر؟
الشاعر مثل الفنان، ولكن الفنان الذي يأتي من الخارج تسبقه شهرته، فالتلفزيون والإذاعات والمجلات الفنيّة كلها تحت أمره، أما نحن فنعيش غربة ضيّقة مهما فعلنا. أضف إلى ذلك ندرة المطابع العربية.
ما هو الشعر بالنسبة لك؟
الشعر هو خبزي اليومي، أقتاته كما يقتات الجائع طعامه، هو يسكن معي، يتنقل معي، يؤرقني دائماً، ومع ذلك أفرح بصحبته، وصدق الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي حين أوصاني في إحدى رسائله، قائلاً: “اكتب كي تخفف من آلام غربتك”.
هناك مقولة، مفادها: “يحق للشاعر ما لا يحق لغيره”، ما تعليقكم على ذلك؟
ببساطة: لأن الشاعر بأمكانه أن يتخطى قواعد اللغة، خدمة للوزن والتفعيلة.
قال أحدهم: “نحن جيل بلا أساتذة”، فهل تنتمي إلى هذا الجيل؟
أنا وبكل فخر أقول: اعتبر من جيل الأساتذة، فلقد درّست اللغة العربية لمدة ثلاثين سنة، في معهد سيدة لبنان، التابع لراهبات العائلة المقدسة، والذي يعتبر من أكبر المعاهد التعليمية في سيدني ـ أستراليا.
وليس هذه فحسب، بل أعددت الكتب المدرسية، باللغة العربية، بدعم من حكومة ولاية نيو ساوث ويلز، وما زالت تدرس حتى الآن.
أما من ناحية الشعر، فلقد تتلمذت في مدرسة نزار قبّاني الشعرية، وجمعتني به صداقة متينة، وكنت على اتصال دائم معه، إلى أن وافته المنية، رحمه الله.
المشهد الشعري العربي الراهن في استراليا، كيف تراه؟
شعراء المهجر الكبار في أستراليا، داهمتهم الشيخوخة، وأصبحوا، للأسف، يتساقطون كأوراق الخريف، وأخشى أن ينقرض الادب العربي هنا، كما انقرض في الأمريكيتين، بعد رحيل جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني، وغيرهم.
هؤلاء الشعراء، والحق أقول، تركوا بصمات ذهبية قد لا تمّحى أبداً، وأغنوا الأدب العربي بكتب عديدة، تعدّ بالمئات، فلقد نشروا كتبهم لا طمعاً بالربح المادي، بل خوفاً على أدبهم من الضياع في غربة لا ترحم.
هل هناك حركة نقدية عربية في بلاد المهجر، وخاصة في استراليا، وهل لها تأثيراتها في الابداع الشعري؟
نعم، هناك حركة نقدية عربية في بلاد المهجر، طالما أن هناك مؤلفات تنشر، فإذا كنا نتكلّم عن الشعر وجب علينا أن نتكلم عن النقد أيضاً، إذ أن الابداع لا يتكامل بدون نقد. أضف الى ذلك وجود الجرائد والمجلات العربية الورقية والالكترونية، وانضمام النخبة الى جمعيات أدبية، مثل جمعية إنماء الشعر والتراث التي ترأسها الدكتورة بهية ابو حمد.
أيهما أكثر قابلية لدى ذائقة المتلقي العربي: الشعر بالفصحى، أم بالعامية المحكية، ولماذا؟
الشاعر الذكي هو الذي يفرض لغته، أفصحى كانت أم عامية، بغية إرضاء القارىء. فلنأخذ مثلا لغة الشاعر نزار قبّاني الفصحى، أليست قريبة جداً من العامية، ويمكن للقارىء استيعاب صورها وأبعادها بفرح زائد.
وهناك أيضاً شعراء كتبوا بالفصحى والعامية، ونالوا شهرة واسعة، ولست بحاجة لأن أذكرك بأغنية محمد عبد الوهاب: “يا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك”.
أليس صاحب هذه الاغنية العامية هو الاخطل الصغير بشارة الخوري، مؤلف أجمل القصائد باللغة العربية الفصحى؟
أذن، الشعر هو الشعر، بغض النظر عن اللغة أو اللهجة التي يُكتب بها.
هل تعتقد ان الاغتراب، أثر سلباً على الشعر العربي، وعلى إنسانية الإبداع عامة؟
أجمل الشعر العربي أنتجته عقول مغتربة، لذلك بإمكاني القول أن الشعر الاغترابي أثّر إيجاباً على الشعر العربي، ومده بزخم إنساني لا حدود له، واذا راجعنا التاريخ، نجد أن الشعر الاغترابي كان الصوت الأقوى ضد الانتداب العثماني للأوطان العربية، فبينما كان الوالي العثماني يعلّق المشانق لأدبائنا وشعرائنا في الوطن، كان الأدب الاغترابي يزرع الأرق والخوف في عينيّ ذلك الوالي.
ما الفرق بين المشهد الشعري في بلادنا العربية، وما يقابله في بلاد الإنتشار؟
المشهد الشعري في بلاد الاغتراب يتمتع بحرية أكبر، فلا رقابة تقيّده، ولا حاكم يصادره، ولا سجان يعتقله، إنه ابن الحرية، يتكلّم صاحبه دون خوف من حاكم.
أما في بلادنا العربية فأنتم أدرى مني بالامور، وكما قلت سابقاً، فلقد أصبح المشهد الشعري موحداً بسبب الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
برأيك، هل هناك متابعة لشعراء المهجر، والاهتمام بهم في أوطانهم الأم؟، وان كان غير ذلك، فما هو السبب في ظنكم؟
من ناحيتي أنا، هناك متابعة دائمة لأدبي، وقد كتبت عني دراسات عديدة في لبنان والوطن العربي وأستراليا.. كما أنني حصلت على جوائز عديدة قد تتجاوز المئة، تقديراً لعطائي الأدبي، وقد كرّمت في حياتي عدة مرات، وهذا ينطبق أيضاً على بعض زملائي الشعراء، فلقد حصلوا على اهتمام بالغ تقديراً لعطاءاتهم الفكرية المميزة.