فرحة العودة

شارك مع أصدقائك

Loading

صلاح مسعد مسرور

فاضت الفرحة في قلبه.. اضاءت الابتسامة وجهه عندما تأكد ان قريته قريبة منه لا يفصلها عنه سوى واد صغير.

تثاءب ثم قال بلوعته المنفعلة : يا ليتني حمامة تنثر الورد علئ سطوح قريتي.

صمت .. كان ليل القرية صامتآ و ساكنآ.
طاف بشريط ذكرياته الى الوراء مسترجعآ حياته الماضية. تذكر غربته التي اختمر فيها بين كتب و ممرات الجامعة أربع سنين .. تلك الغربة التي انسته عشقه للرسم.
كان يكره الحفلات الميلادية . و أمس كان عيد ميلاده الخامس و العشرين ولكنه لم يحتفل به .حك بأنامل يده اليمنئ خده الأبيض الأيسر .
مشط بيديه النحيفة شعره الغزير، الناعم، الفاحم السواد تساءل مع نفسه :-
هل سيخطب لي ابي و يزوجني قريبآ او لا يزال يراني صغيرآ.
صمت . لم يكترث للجواب
هبط العقبة المنحدرة ببط حذر يتحسس طريقة .. دقت ساعة معصمة .
كان ظلام الحادية عشرة يلف كل شئ كآنه ظلام العصور الغابرة .
وصل إلئ قاع الوادي . انهمرت علئ عقله صور شتى عندما لمست قدماه حصى الوادي البيضاء
تذكر جداته عجائز القرية و قصصهم التي تحكي عن جنيات الوادي التي تخطف كل إنسان يمر به ليلا
لم يأبه لتلك الخرافات الساذجة في نظرة.
بدأ يمشي متأبطا حقيبته السوداء
حذاءا قدميه يرصفان الاتربة والحصى .. زمجرت الريح . تطاير معوزه .
نظر الى قريته ذات السبعة بيوت النائمة على سفح الوادي .
رأى بيته الطيني، اللبني، الشكل في مقدمة القرية ، منتصبآ القامة ، قاهر الزمن ، تداعب سطحه سعف النخيل الخضراء كأنه هندي أحمر .
قال يحدث نفسه :- انها مفاجأة لهم ماذا سيفعلون و يقولون عندما يروني فجأة من دون أن اعلمهم إطرق الباب ؟ ماذا سيكون شعور امي؟ هل ستغرد أو لن تقدر على الزغردة من فرحة المفاجأة .
توقف عن الكلام . أطرق برأسه و أضاف :- المهم أنني أشتريت لها هديتها .
اقترب من حافة عقبة صعود الوادي المؤدية إلى بيتهم .
انحنى بظهره المثقل بالدراسة .
اخذ حفنة من تراب الوادي . تشممها
عزفت أوتار قلبه المشدودة سمفونية الاطمئنان و الرضا عن نفسه .
تذكر أيام الصبا الجميلة عندما كان يلعب الكرة مع فتيان القرية .
خطى للأمام خطوات كبيرة و سريعة .. بيته بدأ يقترب .. أمله يتضخم في مخيلته .. إحساس بالخدر يسبر أغواره .. سقطت حقيبته من يده من شدة مايجيش بقلبه من عواطف لقريته .. انحنى ليحملها و إذا بصوت عنيف يمزق صمت القرية و ينتزعها من سباتها العميق .. سقط صديقنا وحيد أبويه مضرجآ بدمائه من رصاصة أطلقها ابوه ظنا منه أنه لص اسطوانات الغاز .
غامت الأشياء في وجهه ولم يعد يرى إلا وجوهآ مشوشة و صورة مختزنة في عقله لقريته ملئية بالخطوط كأنها لوحة سريالية.

شارك مع أصدقائك