أحمد زكي .. عبقري الشّاشة وإمبراطورها ونمرها الأسود

شارك مع أصدقائك

Loading

أخمد زكي – عبقرية الشاشة – ألف ياء

أمامة أحمد عكوش

أحمد زكي

حينَ يدورُ العشقُ بينَ فنٍّ وعين، حينَ تبثُّ الجوارحُ ما يعتملُ في النَّفس الإنسانية من أحاسيس؛ إنْ ضحكَ.. يضحكُ مِنَ القلب، وإنْ بكى.. فكلُّ ما به يبكي، إنْ غضبَ.. تطايَرَ الشَّرَرَ من عينيه ومساماته، إنْ ضعُفَ.. أوصلَ إلينا الخوف من الوهن؛ هذا الذي ابتسم ابتسامة وفاء .. ولوَّحَ لخليلته الوفيّةِ “الكاميرا”، وهي التي بدورها.. أنصفته، فوصلت معه بدقَّة إلى كلِّ تفصيل من كيانه، كما أُنْصِفَ من خلاله فنُّ التَّمثيل بجدارة؛ إنْ شَعَرْنا أنَّنا أمام وداع أخير للمشهد .. لا يشابهه أيُّما وداع، لنعرف أنّنا أمام “الفتى الأسمر”، لنعلم أنّنا رفقة “النّمر الأسود”، لندْرِكَ أنّنا في ظلّ “العبقري”، لنتيقن أنّنا في حضرة “الإمبراطور”.

ولادة .. ميلاد

في الثّامن عشر من كانون الأول/نوفمبر عام 1949 كانت صرخة حياة أحمد زكي الأولى، في مدينة الزّقازيق بمحافظة الشّرقية المصرية، في عامه الأوّل فقد والده، ثمّ ما لبثت والدته أن تزوّجت وعاشت بعيداً عنه، تركته عند جدّه وأعمامه، مما اضطرّه في سنيه الأولى أن يعمل ليتعلّم، إلى أن وصل إلى المرحلة الثّانوية وهو على الحال ذاته، والتحق بالثّانوية الصّناعية، وهناك اشترك في مهرجان المدارس الثّانوية التّمثيلي، وحصد جائزة أفضل ممثّل على مستوى مدارس جمهورية مصر العربية. وفي العشرين من عمره، شدّ رحاله إلى القاهرة، لكنّ سنواته الأولى هناك، كانت غاية في الصّعوبة، لتغدو بعدها غاية في الإثارة، وذلك عقب التحاقه بمعهد الفنون المسرحية، وتخرّجه حاصداً ترتيب الأوّل على دفعته عام 1973 “بتقدير امتياز”، إلّا أنّ بداية معرفة الجمهور له، لم تكن مع تخرّجه أو بعده، بل كانت خلال تواجده على مقاعد الدّراسة، وتحديداً عام 1969، أثناء عرض مسرحية “هاللو شلبي”، التي لعب فيها دوراً ثانوياً – كأنّه بلا تأثير – ليفاجأ أثناء تصويرها تلفزيونياً بحوار مختلف من الأستاذ عبد المنعم مدبولي، وبأنّه يزيد من مساحة دوره، طالباً منه استعراض موهبته في التّمثيل والتّقليد، وبالخروج المتعمَّد عن النّص المكتوب، فإذا بالممثل الشّاب يأخذ بطلب أستاذه، ويستغلّ هذه الفرصة، ليبدع ويظهر مدى موهبته، أحبّه الجمهور، لتكون تلك اللحظة تاريخ ميلاده الحقيقي كممثل موهوب ونجم واعد.

انتحار!.. ماجدة .. السّندريلا .. الباطنية

شهد عام تخرّجه، تقديمه من قبل المخرج جلال الشّرقاوي في مدرسة المشاغبين، ليبدأ بتحقيق شهرته، تحديداً جرّاء عرض المسرحية في التّلفزيون؛ ليشارك بعدها بعديد الأفلام، منها (ولدي، شلّة المشاغبين، أبناء الصّمت، ليلة وذكريات)، إلى أن تمّ اختياره لبطولة فيلم “الكرنك”، وبدأ زكي بالتّحضير له، إلّا أن المنتج رمسيس نجيب رفضه لكونه “أسمر البشرة”، معتبراً أنّ الوقوف أمام سعاد حسني كـ “حبيب”، سيكون غير مقنع للمشاهدين إطلاقاً، وسيعرقل تسويق الفيلم، فاعتذر منه ممدوح الليثي، فقام صلاح جاهين بإجبار الليثي على دفع 150 جنيهاً كتعويض له، وعلى إثرها حاول الانتحار بتهشيم كوب زجاجي، وشجّ رأسه به، فأسعفه الرّاحل حسن مصطفى إلى المستشفى. وبعد تلك الحادثة، قدّمته ماجدة في فيلم “العمر لحظة” عام 1978، كما شارك في نفس العام مع السّندريلا سعاد حسني في فيلم “شفيقة ومتولي” بعد إصرارها على وجوده برفقتها، ليبدأ رحلة نجاحه الكبيرة، ممّا شجّع سمير العصفوري على اختياره لمسرحية “العيال كبرت” عام 1979، كما شهد العام ذاته.. تجسيده لشخصية “طه حسين” في مسلسلة “الأيام”. وفي العام 1980 انهالت عليه الجوائز، عن دوره في فيلم “الباطنية”، كما قدّم على مدار عقدين متتالين أفلاماً تحمل قضايا لبعض مشاكل المجتمع، منها (العوامة رقم 7، المدمن، البيضة والحجر، الهروب، أرض الخوف)، إضافة إلى “زوجة رجل مهم”، الذي أشاد بدوره فيه الممثّل العالمي روبرت دي نيرو بالقول: “أحمد زكي أدى دوراً في هذا الفيلم مهما للغاية، إنّه ممثّل عبقري، إنّه موهوب بكلّ معنى الكلمة”.

النّمر الأسود

علاوة على أنّ العبقري قدّم أدواراً متميّزة في التّلفزيون، خاصّة عبر حلقات “هو وهي” عام 1985، التي شاركته بطولته السّندريلا، سيناريو صلاح جاهين، والذي كان عبارة عن حلقات منفصلة، تناقش كلّ حلقة قضية مختلفة من قضايا المرأة والرّجل، وعلاقة كلّ منهما بالآخر، ليكون عملاً جماهيرياً لدرجة كبيرة، حتّى أنّ النّقاد كتبوا فيه: “جاهين والنّمر الأسود والسّندريلا، وكلّ من في العمل، صنعوا دراما جعلت الشّوارع المصرية تكاد تكون خالية من النّاس وقت عرضه، ومتوقّفة عن الحياة لحين انتهاء عرض كلّ حلقة”؛ كما أدّى مسلسلات أخرى كـ (الغضب، لا شيء يهمّ، بستان الشّوك، نهر الملح)، إضافة إلى مسلسل إذاعي وحيد “دموع صاحبة الجلالة”، الذي رفض أن يشارك فيه حين تمّ تصويره.

عنه أحمد زكي بالقول: “إنّه أحد أصعب أدواري السّينمائية، لأنّه ليس فيلماً سياسياً بالدّرجة الأولى، بقدر ما يسلّط الضّوء على حياة شخصية عامّة، عبر تَتَبُّعِ مشوار حياتها من البداية وحتى الوصول لسدّة الرّئاسة، وذلك على مدار أربعين عاماً حافلة”، كما قال النّقاد فيه: “يعتبر الفيلم علامة فارقة، هو حقاً أحد العلامات في تاريخ السّينما المصرية الحديثة، أمّا عن أحمد زكي، فقد أدّى الدّور بتقارب شديد مع السّادات، وهو ما أذهلنا، إذْ كنّا نترقّبه، لنشاهد كيف سيؤدّيه بعد أن تقمّص شخصية جمال عبد النّاصر، خاصّة أنّ الاختلاف كبير بين ناصر والسّادات”.

الإمبراطور .. صائد الجوائز

حصد “الإمبراطور” كما أطلق عليه عديد النّقاد والمخرجين والكتّاب والممثّلين، جوائز عديدة عن أفلامه (طائر في الطّريق، العمر لحظة، شفيقة ومتولّي، وراء الشّمس، عيون لا تنام، أرض الخوف، كابوريا، زوجة رجل مهم، البريء، أرض الخوف، معالي الوزير)؛ كما منحه الرّئيس المصري السّابق محمد حسني مبارك، وسام الدّولة من الدّرجة الأولى؛ علاوة على أنّ ستة من أفلامه اختيرت في استفتاء النّقاد، عن قائمة أفضل مئة فيلم في ذاكرة السّي

السّينما المصرية، ليطلق عليه بعدها لقب “صائد الجوائز”. الجدير ذكره.. أنّ الصّائد زكي، قام بأداء المشهد الذي يرقد فيه داخل ثلّاجة الموتى بنفسه في فيلمه “موعد على العشاء” دون الاستعانة بدوبلير،ق وأنّه تدرّب على السّباحة لمدة 15 يوماً متواصلة، ليتقنها من أجل دوره في فيلم “طائر على الطّريق”، إضافة إلى أنّه رفض استخدام أنف صناعي، تمّ تصميمه خصيصاً ليبدو مشابهاً

ليبدو مشابهاً للزّعيم عبد النّاصر.

هالة .. هيثم .. حليم

تزوّج أحمد زكي من الممثّلة هالة فؤاد، أنجبا هيثم، وانفصلا؛ اختار بعد الانفصال إكمال حياته في أحد الفنادق المطلّة على النيل “هيلتون رمسيس”. وقدّم السّاكن على النّيل في الألفية الجديدة أربعة أفلام، آخرها “حليم”، الذي كان حلمه منذ بداية مشواره الفنّي “حسبما أكّد في أكثر من مناسبة”، إذ يتقاسما بلدتهما “الزّقازيق”، كما يتقاسما اليُتم، والسّمار، والفقر، والفنّ، والنّجاح، وأبى المرض إلّا أن يكون شريكهما أيضاً في أواخر حياتهما، ورغم مرضه العضال، حرص على تصوير 90% من فيلم حليم، وفي نهاية تصويره طلب من المخرج شريف عرفة، أن يشغّل الكاميرا بعد أن أزال الماكياج، وعندما أذعن لطلبه، أشار بتحية وداع للكاميرا، التي وقف جلّ حياته أمامها، فأنصفته، وأنصفها؛ وبعد أسبوع من ذلك، توفّي في السّابع والعشرين من آذار/مارس عام 2005، وقام ابنه هيثم باستكمال مشاهده المتبقّية في الفيلم.

أنا اللي كسبت الرّهان يا رغدة”

كما ويذكر أنّ الـ “حليم” أحبّ أكثر من مرّة بعد انفصاله، إلّا أنّ حبّه الأخير والأكبر كان من الممثّلة السّورية رغدة نعناع، التي قال عنها: “رغدة نصفي .. رغدة توأمي”، حيث بدأت العلاقة بينهما عقب أوّل فيلم جمعهما “كابوريا عام 1991″، وكما جمعتهما السّينما في ثلاثة أفلام أخرى (الإمبراطور، الاستاكوزا، أبو الدّهب)، ها هي الحياة تجمعهما حتّى آخر أنفاسه، حيث اختارت العيش في الغرفة المجاورة لغرفته في مستشفى دار الفؤاد في 6 أكتوبر، لـ 14 شهراً كاملة – حتّى وفاته – إذ اشتدّ به “مرض سرطان الرّئة”، وكانا يتراهنا حسبما قالت: “أراهنه أنّه سيعيش، بينما يراهنني أنّه سيموت، قال لي ليلة وفاته: أنا اللي كسبت الرّهان يا رغدة .. ضغط على يدي، وصرخ صرخة ألمه الأخيرة، ليدخل بعدها في غيبوبة الوداع الأخير

شارك مع أصدقائك