مصعب تقي الدين
النص الفائز بقلادة الجواهري في نسخته العاشرة – دورة الشاعر عبد الوهاب البياتي – عن شعر التفعيلة
2023
القصيدة مهداة إلى صديقي و أخي الشاعر العراقي الجميل نبيل عماد العياش ، حين تذوق ماء البحر للمرة الأولى فنظر إلي بدهشة طفل قائلا بلهجته العراقية :” يا بوي ! ترا مالح“
فضحكنا ملء ماء الخليج و ملء المسافة- تلك المسافة الوهم- بين الجزائر و الخليج .
ثم كانت القصيدة:
ملح البداية
مصعب تقي الدين
هي دهشته حين أهدى له البحر ملح البداية
ذابت ملامحه في أُجاجِ الطفولة
قال العراقيّ حين تذوّق ماء الخليج : أهذا هو البحر ! ما أغرب الماء !
قلت : ألم يصل البحر للموصل؟
ابتسم الطفل ثم أراني صورته قرب” دجلة “
ما أغرب الماء كيف يجدد تاريخه رغم ما سال فيه من الدم و الدمع و الحبر و الشعراء !
قال: لا موجَ يحملنا كي نسافر ظلّين نحو الصّبا
قلت : دعنا نخط على الرمل أسماءنا ثم نمضي فقد تعب البحر..
قال أيتعبُ؟
قلت: أجل !… فهْو كالكادحين القدامى يلملم أشلاءه في المغيب ..و يغلق باب التمني …و يغرق.. ما أغرب الماء !
سرنا إلى مطعم لست أذكره ..غير أني رأيت العراق به هادئا يتوكأ مواله ” يا دليلول “
غنى العراقي ..ثم أراني صورة أنثى ملامحها اختزلت جرح بغداد
تلك الجميلة ” رونيه ” 1..عينان نافذتان على البحر … شعر تعمد بالشمس … ما أعذب الماء في شفتيها ..
كأني أرى عاشقا حن ينثر انفاسه في يديها ” اذكريني “
يقول العراقي : ها أنت تغرق في مقلتيها ” اذكريني ؟!” و ناولني الكأس ..
شاي ” أبو الهيل ” أنفاس أنثى تريقُ لك العمر من شفتيها ” ابتسمْ للحياة فما أقصر العمر!…”
عاد العراقي ينثر موّاله في الخليج و يستودع الموجَ أمنيةً..
و انسحبنا نرتّب ذاكرة الوقت بالشعر… فارتد خلف خطانا صدى البحر .. ما أغرب الماء..يا صاحبيّ !
…..
1 رونيه دنكور: ملكة جمال بغداد 1947