علم الفولكلور للجوهري
ريسان الخزعلي
تراجعت في العقود الأخيرة البحوث والدراسات التي تهتم بالفولكلور ( التراث الشعبي ) في معظم دول العالم ، وتوعز الاسباب إلى التطور العلمي والتكنولوجي المتسارع والانشغال بتحولاته وانجازاته الكبيرة ، إضافة إلى نزعات الإنسان المادية المتزايدة ضمن هذه التغيرات على حساب ماهو روحي واجتماعي ، مما أوجد تغييراً واضحاً في طبيعة الاهتمام الثقافي وبخاصة في مجال التراث الشعبي والثقافة الشعبية ، حيث لم تعُد الأجيال الجديدة منشغلة ً بعمقها التكويني / الشعبي وإصوله ، وإنما طغى وبصورة ضاغطة ماجاءت به ثورة المعلومات الرقمية وتعدد وسائل الاتصالات والتواصل الاجتماعي ، وقد ساهم كل هذا في قطيعة معرفية مع التراث والتراث الشعبي من دون إدراك الأثر الذي ستخلفه ُ هذه القطيعة .
إنَّ الإهتمام بالتراث الشعبي – رغم كل الذي يحصل – كما تؤكد الدراسات الانثروبولوجية يبقى هو الخيط الرابط بين ما كان وما سيكون عليه المجتمع ، أي مجتمع ، من حيث التأصيل الفني والنفسي والاجتماعي والروحي والاقتصادي .
في كتابه (علم الفولكلور – دراسة في الانثروبولوجيا الثقافية ) يكشف الدكتور ( محمد الجوهري ) متانة هذا الخيط من خلال ابواب وفصول الكتاب مؤكداً الضرورة الثقافية في دراسة الفولكلور بإعتباره تكويناً من تكوينات الهوية . وقد جاءت التفاصيل على النحو الآتي :
1 – الحاجة إلى علم الفولكلور
2 – في تعريف علم الفولكلور
3 – حدود الفولكلور وموضوعاته
4 – الاتجاهات النظرية في علم الفولكلور :
أ – النظريات الكلاسيكية
ب – النظريات المعاصرة
ج – النظرية البنائية ودراسة الادب الشعبي
د – بعض الاتجاهات النظرية المستحدثة
5 – الاتجاهات المنهجية في علم الفولكلور
أ – وحدة المنهج في علم الفولكلور
ب – الاتجاه التاريخي
ج – الاتجاه الجغرافي وأطلس الفولكلور
د – الاتجاه الاجتماعي ( السوسيولوجي )
ه – الاتجاه النفسي والطابع القومي
6 – أساليب جمع المادة الفولكلورية
أ – أصول الدراسة الميدانية للتراث الشعبي
ب – دليل العمل الميداني لجامعي التراث الشعبي
ج – جمع المادة الفولكلورية من المدونات
د – الببليوجرافيا للفولكلور
ه – ارشيف الفولكلور
7 – مستقبل التراث الشعبي
من أهم مايُميّز هذا الكتاب ، ومن خلال ما جاء في التفاصيل ، أن الباحث لم يتعامل مع الفولكلورعلى أساس أنَّه عيّنات متعددة متناثرة لا رابط بينها ويمكن جمعها كيفما اتفق ، وإنما جعل للفولكلور علماً ، يقوم على النظرية والمنهج والاستنتاج والتحليل والبحث الميداني . من هنا يصح أن يكون هذا الكتاب – مع مثيلاته في الأهمية – دليلاً لباحثي ودارسي الفولكلور .
يقول الباحث : من خلال ما قمت ُ به ، سوف يتولد لدينا اقتناعاً عميقاً بأهمية وجود علم مستقل لدراسة التراث الشعبي ، هو علم الفولكلور . وأرجو أن يكون هذا الجهد مشعلاً جديداً يحاول أن يلقي مزيداً من الضوء أمام السائرين على درب هذا العلم .
في دراسة الباحث ، جرى تقسيم موضوع هذا العلم الى اربعة ميادين رئيسيّة :
المعتقدات والمعارف الشعبية ، العادات والتقاليد الشعبية ، الأدب الشعبي ، الثقافة المادية والفنون الشعبية . ولكل ميدان من هذه الميادين تفرعات متعددة وبما يشكّل الميدان الأوسع ، الا وهو الثقافة الشعبية .
وفي ختام البحث ، تم التأكيد على تحوّل التراث الشعبي في ظل المجتمع الصناعي ، الغربي والأوربي على وجه الخصوص ، فهذ النوع من المجتمعات هو الذي استطاع ان يقطع شوطاً بعيداً على طريق التصنيع والتكنولوجيا ، وقد بدَت بكل وضوح مظاهرالتغيير وعوالمه وديناميته التي تصيب عناصر التراث الشعبي في مجتمع صناعي ، وهي تجربة لا بدَّ من التحسب لها كي يمكن الاستفادة من الايجابيات وتجنب السلبيات ، مع الملاحظة أن التراث الشعبي يتطور مع الزمن ، ولم يعُد خاصيّة مميزة للاشياء القديمة فحسب…