شوقي كريم حسن
(النقد في العراق خصوصاً،مهنة الذين يحاولون الامساك بمؤخرة عربات قطار يمرق سريعاً باتجاه غايات لاتدرك،.. النقد،بدأ انطباعياً،واليوم تسهم الاكاديميات في اضعاف مرامية)!!
الاشارة الاولى : الشعر مهنة منذ بداية الاكتشاف الاول للموسيقى والغناء والحب، ومن قال غير هذا لايجيد الحرفية ويحاول تهشيم اركانها عله يتمكن من اثبات ذاته داخل هذه المتراكمات الشعرية الثقيلة الى حد الاندهاش.. كيف يمكن حماية رغبتك بأن تكون شاعراً متميزاً يشار اليه بالبنان، ويصطف مع شعراء جيله او الجيل الذي سبقه؟ لا اظن ان المهمة سهلة،بدأ السياب شاعراً عمودياً لم تستطع عمودياته منافسة شعراء العمود الاكثر اهمية، وقف حائراً مقلداً،تأمل قصائد الحبوبي، وقرأ الرصافي والزهاوي وعلي الشرقي، وغذ خطاه ليلج ابواب الشعر العربي فوجد ان ثمة ضرب من المحال، بالوقوف الى جنب المتنبي وابو تمام والحسن بن هاني والعباس بن الاحنف،والفرزدق وحرير والحطيئة وسواهم الكثير،ومالبث ان شد رحاله مصحوباً بهواجس وخوف وسؤال. مالذي يمكن فعله..مخاوفي تتصاعد وان بقيت هكذا فموتي اكيد.. (السياب ماكان يقترب ابواب التجديد لولا معرفته بالانجليزية وقراءاته في الشعر والاساطير واعجابه بالبناء الشعري المكثف الصورة والجمالي الروح،،حين تقرأ السياب ،بعد مرحلة نتقاله تجده مغرماً بالاساطير وشخوصها دون معرفة السبب الحقيقي،غير هذا كان المتلقي العربي لايعرف عن هذه الاساطير شيئا،كان السياب يتثيف، معلناً انه اتى بالشيء الجديد ،حتى اعترضته نازك الملائكة التي كانت اكثر واقعية منه،واقل جرأة..!!
الاشارة الثانية لولا النقدية العربية،وطبع اعمال السياب الشعرية الكاملة،ماكان للشاعر سوى ذكر بسيط تحكمت به الايدلوجيا ومقاصدها اكثر من الهم الجمالي الشعري.. ولو احصينا ما كتب عن تجربة السياب في بلاده لوجدناها لاتتجاوز اصابع اليد الواحده.. النقدية العراقية،ظاهرة ايدلوجية،نهابة من الاخر اكثر مماهي منتجة جمالية معرفية،كاشفة،لهذا همشت السياب، بل وحاولت قتله بكراهياتها،مما جعل الشاعر يهرب من كنف الاولى الشرسة، الى الثانية الاكثر شراسة، ولاول مرة تتفق الاطراف النقدية المؤدلجة على اهمال الشعر السيابي،وتطويق محاولاته لصالح البياتي وبلند، وسواهم.. النقدية العراقية ،فرس عرجاء دخلت ميدان السباق دون معرفة مالذي يمكن ان تفعله،لهذا فشلت حتى الساعة في اعلان تأسيس مدرسة نقدية عراقية واضحة المعالم والدلالات.. مرات عدة،اقف عند منقودات عراقية، تبدو مضحكة وساذجه،لانها تكتب بروح التجميع والاستشاهد بالاخر مع نزعة تعليمة واضحة، (مرة قرأت متابعة نقدية لناقد يقال باهمية يقترح على مبدع سارد،ان يفعل كذا بدلاً كن كذا،وكيت بدلاً عن كيت،وان يهتم بتلك الشخصية دون الثانية، بهدوء ذهبت اليه،طرقت حساسيته الاجتماعيةووعية الثقافي المليء باوهام الايدلوجيا،وطلبت منه ان يكتب لنا سردية معلومة تظم كل وصاياه ،لنعلقها عند بوابة قاعة الاتحاد ومطالبة من يروم كتابة سردية راقية عليه الالتزام بالشروط المعلنة داخل النص السردي.. تلك لحظة اكتشاف مذهلة بالنسبة لي، الناقد معلم مطرود من مدرسة ابتدائية، يبحث عن ماكن يذكره بانه كان معلماً
الاشارة الثالثة :هل يمكن لمنتج ثقافي،في السرد والشعر وباقي الفنون،اعتماد وصايا ناقد ما،واذا ما اتخذها درساً تعليمياً،هل يمكن ابقاء مسرودته بريئة ، فاعلة بغير قصد ارضاء الناقد وغرورة الكاذب.. الناقد في العراق،( الامر لااعمام فيه) عارض كتب يتمنى ان ينتمي السارد اليه ليكون نبياً ووصياً وممجداً.. السؤال الذي يحير حقاً،هل كان جيمس جويس ،وهو الشاعر والمسرحي والسارد يفكر حين كتب اخطر الروايات واهمها تجريباً،بالنقد وما سيقوله عن هذه التجربة التي انحرفت بالسرد الانساني انحرافة لم يستطع التخلص منها حتى اللحظة الراهنة؟! هل وضعت فرجينيا وولف ،شروط المدرسة النقدية الانكليزية،حين كتبت سردياتها التي تهتم بالتداعي الحر؟!! هل كانت تجارب الن روب غرية وناتالي ساروت ،وجماعة الرواية الجديدة، تحسب حساباً حتى وان كان بسيطاً للنقدية الفرنسية،وهي مجموعة مدارس اثارت الكثير من الانتماءات التاريخية والمجددة، في لقاء تم في اتحاد الادباء،في ثمانينيات القرن الماضي..سألت الن روب غرية،وبترجمة السارد شاكر نوري،عن ستائر النوافذ الخلفية،وخلاف النقاد.. كانت اجابته مرعبة حقاً..لايعنيني النقد بشيء انا اكتب لاتسلى واعلن التسلية للناس ،!! برغم ان كتابات الن روب غريه،لم تك مسلية ابداً وهي كثيرة التعقيد والاضطراب، لكن النقد تلاقفها كمكتشف سردي مغاير تحتاجه السردية الفرنسية، لكن النقدية العراقية(اسميها هنا تحاوزا)تخاف سبر اغوار المسرودات ،ان كانت تأتي بالجديد المغاير،وبعضها يتعامل من خلال افكاره المؤدلجة منذ زمن طويل!!
الاشارة الرابعة : لا احبذ مايقال عن الناقد العراقي،من انه كاتب او منتج جمالي فاشل،تلك فرية غريبة حقاً،برغم وجود مصاديق لها،لكن من المعيب التسليم بتلك المصاديق، الناقد على هذه الشاكله لم يدفعه الفشل الى تبني موضوع معرفي جمالي دون سواه،بل هو القلق النفسي،وعدم استقرار العقل،لهذا راح العقل يبحث عن منتج قريب منه يمكن من خلاله التعامل مع الكلمة واللون والتكوين،هذا الامر هو الاقرب الى الحقيقة،لكن المشكلة عند بعض النقاد،حين تحولهم الجيني، محاولاتهم المعلنة والخفية في اعلان روح الاستذة،والتمسك المطلق بهذه الروح، التي تحاول نفي تجارب السارد والعمل على تهميشها،بحجة انها مغايرة والاتصلح،النموذج الذي يريده بعض النقاد ،هو نموذج مسطح عبودي،مقهور خال ما تحديات البناء وجماليتها ،لهذا تتعثر خطى البعض السردية،وماتلبث ان تتلاشى وهي محملة بخوف من النقد التعليمي!!
الاشارة الخامسة : بجرأة ،ودون ريبة او شك،،ان نصف الذين يكتبون مايسمونه نقداً،لاعلاقة لهم بالنقد،ولا همومه الانسانية،بل هم مجرد عارضي كتب،بوسائل تلخيصية بسيطة،،ووسائط تجميعية كمحاولة لاقناع المتلقي باهمية مايكتب،والايحاء بان الاشارات تلك تنم عن فهم نقدي عالمي تتمناه.. النقدية العراقية،في خضم هذه الفوضى، غدت تحسب على قاعدة حشر مع النقد عيد!!