الخطّارون وانواعهم الخطّارون النظّامون
علي الامارة
الحلقة العاشرة
…. حين نطالب كاتب قصيدة النثر بأن لا يقع في فخ الخاطرة قيصبح خطّارا دون ان يدري فأننا في الوقت نفسه نطالب كاتب قصيدة العمود ان لا يصبح تقريريا ومباشرا في خطابه العمودي فيصبح خطّارا هو الآخر معتمدا على الوزن والقافية .. فبعد كل التطوارات التي حصلت في القصيدة لا تستطيع الذائقة المعاصرة ان تهضم قصيدة عمودية مرصوفة مثل الطابوق فوق بعضها البعض بلا رؤية شعرية ولا صور شعرية ولا انزياحات ولا حتى مجاز ينقذها من ورطتها الموزونة .. لقد تطورت القصيدة العمودية منذ اكثر من خمسين عاما وحققت من الفتوحات المجازية والفنية والحضور في المهرجانات والمسابقات وتفاعلات التلقي بكل انواعه .. بما يجعل قصيدة العمود المنظومة مفضوحة امامها .. لا نريد ان نسمع شعرا عموديا على طريقة الرصافي رغم انه كان شاعر الشارع العراقي الاول في حينه ولا حتى على طريقة الجواهري رفم كونه صاحب نسيج خاص في القصيدة العمودية وهذا ما ميزه عن الرصافي وشعراء النهضة ايضا .. نحن نطمح الى قصيدة ما بعد الجواهري.. القصيدة العمودية الجديدة او الحديثة التي استفادت من كل فنون الشعر القديمة والحديثة فضلا عن تفعيلها شعرية الوزن والقافيةوحفاظها على اصالة وهوية الشعر العربي لانها القصيدة الأم .. بعد كل هذا التطور لقصيدة العمود ويأتي من يلقي علينا طابوقا من فوق المنصة فأنه خطّار ايضا ولكن بالطريقة الطابوقية .. نريد قصيدة عمود تصلح للتأمل والقراءة المتفحصة مثلما تصلح للمنصة ومواحهة الجمهور مباشرة .. نريد قصيدة عمود ذات صور شعرية متدفقة ومتتالية في سياقها ونسيجها بحيث تكون ذات وحدة موضوعية واضحة فالنظم وحده عندي لا يساوي ٣٠ بالمئة من فنية القصيدة هذا مع سلامتها اللغوية .. نريد قصيدة عمود شعرية وليست نثرا موزونا .. حتى يمكنها ان تسير في ركب الحداثة لأن الحداثة ليست في الشكل الشعري كما يتوهمها البعض ولا حتى في المعاصرة فقد تكون قصائد قديمة فيها من الحداثة ما ليس في قصيدة معاصرة فالحداثة هي احداث امر فني جديد في القصيدة.. فالشاعر المعاصر الذي يكتب قصيدة عمودية عليه ان يحاكم فنيا كل بيت فيها فاذا لا يوجد في البيت صورة شعرية او اذا لم يكن البيت حلقة في سياق فني ودلالي فليحذف البيت ويخلص القصيدة منه ويخلص نفسه ويخلصنا ايضا .. فليس عندنا مزاج او وقت نضيعه في سماع او قراءة منظومة خالية من الفن الشعري تسمى قصيدة ..