أدبية السيرة الذاتية الحديثة… د.نجمة خليل حبيب

شارك مع أصدقائك

Loading

 

 

أدبية السيرة الذاتية الحديثة- قلب العقرب سيرة شعر نموذجاً[1]

 

د.نجمة خليل حبيب

سدني استراليا

أعيد تنقيحها أيار 2023

 

حضرت السيرة الذاتية في الأدبي العربي منذ القديم إلا أن الاهتمام بها لم يحضر إلا مؤخراً، فقد بينت البحوث أن ما كتب فيها حتى نهاية القرن العشرين كان أقل من عشر دراسات بينما وجدت المئات في القصة والرواية والمسرحية[2]. ولكن الثورة المعلوماتية الرقمية التي برزت على مشارف القرن الواحد والعشرين سرّعت وسهلت التواصل بين الثقافات فتأثر الكتاب العرب بما لهذا الجنس من قيمة معرفية وسعة انتشار فانبروا يؤلفون ويدونون تجاربهم. ولم يقتصر الأمر على أرباب القلم بل طاولت كل من ظن في تجربته/تجربتها الحياتية قيمة معرفية تستحق التدوين من سياسيين وأرباب أعمال وأصحاب مهن وربات بيوت وما شابه. ثم ما لبثت أن تحركّت أقلام الباحثين حول الموضوع تبحث في تعريفه ونشأته وأصوله، فتعددت الآراء وتباينت، وقدّم كل باحث/باحثة تصوراً يختلف جزئياً أو كلياً عن الآخر. ولعل من أفضل ما جاء في تحديده، هو ما استخلصه سيد إبراهيم آرمن من عدة قراءات، يقول:

“أما الملامح الرئيسية للسيرة الذاتية فهي على النحو التالي:

۱. وجود بناء مرسوم ضمن صياغة أدبية

۲. توافر عنصر الصراع

٣. محاولة الصدق والأمانة والصراحة والتجرد في تصوير الماضي

۶. وجود الدوافع الفنية

٥. تميز صاحب السيرة الذاتية

٦. عدم الالتزام بسن معينة عند الكتابة عن الذات”[3].

شاع حتى وقت قريب نسبة هذا الجنس إلى الغرب، وفد إلينا مع موجة التحديث والتغريب مَثَله كمَثَل الرواية والقصة القصيرة. وكانت الأصوات التي تقول عكس ذلك قليلة وغير جازمة، فقد سعى إبراهيم عبد الدّائم منذ زمن متقدّم نسباً أن يؤصّل هذا الجنس السردي في التـراث مؤكداً أن السيرة الذاتية وإن لم يُعْرَفْ مصطلحها إلا حديثاً، هي ذات جذور تاريخيّة تعود إلى مؤَلّف ابن خلدون.. التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً. وجارته في ذلك الباحثة التونسية فوزية الصفار التي ترى أن القدماء لم يكونوا “يعرفون هذا المصطلح رغم أنهم دونوا حياتهم في صفحات تنتمي إلى ما نسميه اليوم بالتـرجمة الذاتية، ويمكن أن نسوق بعض الأمثلة لذلك ك: “مذكّرات الأمير عبد اللّه الموسومة بكتاب التّبيان لصاحبها عبد اللّه بن بلقين بن باديس بن حبوس بن زيري. ويعتبر هذا الكتاب وثيقة تصور الوضع الاجتماعي والسياسي في الأندلس قبل واقعة الزلاّقة وضعف الحكم الإسلامي أمام تحديات النصارى”. وذكرت أيضا كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ واعتبرته كتابا تراثيّاً من كتب السيرة الذاتية[4]. وقد قامت مؤخراً دراسة جادة وشاملة في الموضوع ردت الاعتبار لعروبة هذا الجنس وصححت فكرتنا عنه. دراسة بعنوان دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام، قراءة في السير والسير الذاتية[5] بينت أن العرب هم أهل السيرة الذاتية ورواد في كتابتها، وكل كلام يقول أن هذا الفن عند العرب مستورد من الغرب هو مجرد بدعة، وسوء قراءة. فالأدب العربي القديم “مشحون حتى السقف بمئات ألوف الرجال والنساء الذين دونت حياتهم بعناية. وحجم هذا التراث ضخم إلى حد أننا نشرع الآن في سبره أو نكاد”. وأضافت الباحثة أن هذا الرأي ليس اجتهاداً عربياً أو تنطحاً عنصرياً من قبل باحث كبير مثل الخالدي، بل هو أيضاً رأي المستشرق الأميركي دوايت رينولدز، الذي درس السير الذاتية العربية ومنحها جزءاً مهماً من حياته المهنية. ومن المفاجآت التي يذكرها الباحث رينولدز في كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام، انه خلال أبحاث مشتركة قام بها مع عدد من الباحثين، تم اكتشاف عدد غير متوقع من السير الذاتية العربية القديمة، وهي متنوعة إلى حد مدهش. ويكمل قائلاً: “وقعنا على نصوص لتراجم شخصية عربية بأقلام كتاب ليسوا من العرب، فمنهم الترك والبربر والفرس، والأفارقة الغربيون، والآسيويون الجنوبيون، وبينهم كاتب إسباني مالوركي”. ويذكر رينولدز أن بين هؤلاء المؤلفين المسلم والمسيحي واليهودي، وهم أصحاب مهن مختلفة، فمنهم أمراء وفلاسفة وموظفون حكوميون ومؤرخون ومتصوفة وعلماء دين وتجار ونحويون وأطباء، وحتى العبيد الأرقاء. ويكمل قائلاً: “إن ما نجده من تنوع اجتماعي عند هؤلاء المؤلفين، لهو واحد من السمات الأخاذة في تراث تراجم النفس العربية السابق على العصر الحديث، هذا التراث الذي ما زال مستمراً بصورة السيرة الذاتية الحديثة”[6]. إلا أن الكاتب يعترف ضمناً باختلاف مضامين السيرة الذاتية القديمة عن الحديثة. جاء ذلك في رده على منتقديه بإطلاقه صفة سير ذاتية على كتابات لا تتمتع بالمواصفات الغربية، لاسيما منها البوح، والتحدث عن الخصوصيات، بإيضاحات مقنعة. فجاء رد رينولدز المتناقض إذ قال: إن بعض هؤلاء الكتاب لم يشأ ان يتحدث عن صباه، لكن البعض الآخر ذكر معلومات حساسة بل محرجة عن طفولته وصباه. ويضرب أمثلة حية ومهمة على ذلك. أما اتهام هذه السير بأنها لا تتطرق إلى الحياة الداخلية لأصحابها، كما حياتهم الخارجية فهذا تصور لم يكن شائعاً في ذلك الزمن[7].

بالمقابل نجد عدداً غير قليل من الدارسين تبنى فكرة نسبة هذا الجنس إلى الغرب، والسبب حسب اجتهاد محمد الباردي يعود إلى “أنّ تاريخ السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث لا يختلف عن تاريخ الأجناس السردية الأخرى شأن الرّواية والقصّة القصيرة، فهي جنس مستحدث ظهر بعد الرواية ونتج عن عامل المثاقفة بحكم العلاقة الوطيدة بين الثّقافة الأوروبية والثّقافة العربيّة[8]. ورائد هذا الفن عند بعض الباحثين، طه حسين في كتابه الأيام (1927) فيما يرى آخرون أنه يعود إلى مؤَلَف الساق على الساق فيما هو الفارياق (1855) لأحمد فارس الشدياق. وهذا الأخير،  كما قرأه د. صبري حافظ، هو أوّل نص في أدبنا الحديث يمكن اعتباره سيرة ذاتية رائدة سابقة لزمانها بكل المعايير يتميز باستشراف التفاعل الجدلي بين نشأة الخطاب السير ذاتي والسعي لصياغة هوية فردية وقومية في الوطن العربي الذي كان يعيش أوجاع بدايات عملية التحديث في هذا الوقت[9]. ففي هذه المنطقة التي تتسم بالسيولة وعدم الاستقرار في هذه المنطقة البينية  liminal space، نشأ الخطاب السير ذاتي في أدبنا الحديث، وترك منذ البداية، آثاره على مسيرته ووسمه بالكثير من ملامحها الواقعة، على المستوى الفردي، بين الذات التقليدية الجمعية والذات الباحثة عن فرديتها. وعلى المستوى الفكري، بين الرؤية التقليدية للعالم التي كانت تسيطر على المنطقة العربية برمتها، وبين الرؤية التحديثية التي بدأت تتخلق في عالمنا العربي مع مشروع محمد علي لبناء مجتمع جديد ومع التغييرات التي أحدثها هذا البناء “وأوجاع عملية التحول التي جلبها الى المنطقة برمتها”. كما تقع على المستوى السياسي بين مرحلة الاندراج داخل الأمة الإسلامية التي كانت تعاني من وعيها بالتخلف بعد صدمة الحملة الفرنسية، وبعد هزيمة محمد علي أو الحد من طموحه على أيدي القوات الغربية الصاعدة، وبعد ظهور بدايات التصدعات داخل الدولة العثمانية، وبين السعي لبلورة مفهوم حديث للوعي الجمعي أو الجماعة المتخيلة وهو المفهوم القومي لها، والأمل في تكوين كيانات قومية منفصلة عن الكيان العثماني الضخم الذي كان يعاني منذ ذلك الوقت بوادر الموت الوشيك[10].

 

في هذه المنطقة التي تتسم بالسيولة والتحول المستمرين، نشأ أول نص سير ذاتي في أدبنا العربي الحديث. نشأ في فضاء كان المجتمع التقليدي يؤمن للفرد مكانه المأمون ومكانته الموروثة والمستقرة فيه والتي تعتمد على أواصر الدم ومكانة القبيلة، بينما أخذت معاول التحديث تطرح عليه أنساقاً من العلاقات الاجتماعية التي تسمح بالحراك الاجتماعي وتعد بإمكانية التملص من القيود التي كانت تكبل طموح الفرد وتحرره من كثير من العوائق والموروثات غير المنطقية وتعد الفرد بمكانة جديدة لم يحلم بها أي من أسلافه من قبل. “نشأ هذا النص على حافة التحول من علاقات التماثل القائمة على أواصر الدم والقربى، إلى علاقات بين أفراد ذوي مزاج ثقافي مماثل وفكر حقلي مفتوح يجعل علاقات الصداقة بين ذوي التفكير المتشابه أقوى من علاقات الدم والدين”. وكان الشدياق نفسه نموذجاً مجسداً لهذا التحول عندما تخلى عن دينه القديم المسيحي الماروني الذي كانت مؤسسته الكنسية والاجتماعية قائمة على البنية الرعوية، والتي كانت تتسم بالقهر والاستبداد. وتجلّى هذا التحكيم العقلي للمنطق بعملية الهجاء القاسية والمقذعة للمؤسسة الدينية في نصه. فالنص لا يتحدث عن الدين الجديد الذي اعتنقه الشدياق أي الإسلام بقدر ما يهتم بسوءات المؤسسة الكنسية القديمة وتعرية عورتها[11].

 

تركت شروط البداية وسياقاتها تلك ميسمها على النص وصاغت تناقضات ملامحه واستراتيجياته النصية التي تستشرف بنيته ذاتها، الجدل بين نشأة الخطاب السير ذاتي والسعي الى بلورة الهوية الفردية والقومية في العالم العربي في العصر الحديث، وبذلك اختلف عما عهدناه في السير العربية القديمة. وتظهر هذه التناقضات منذ عنوان الكتاب الغريب، وهو عنوان “مزدوج يتنافسان بالغرابة والتناقض” اولهما: الساق على الساق فيما هو الفارياق، والثاني: أيام وشهور واعوام في عجم العرب والأعجام[12]. ولا يخفى ما في العنوان الأول من فعل تمرد على الأعراف والتقاليد التي كانت تبيح هذا الفعل (وضع الساق على الساق) فقط لنخبة الحكام والوجهاء وكبار القساوسة، وتعتبره نوعاً من قلة الأدب عند عامة الشعب.  والكتاب  كما قرأه حافظ، يقوم على ثلاثة خيوط رئيسية صنعت تفرّده: خيط النشأة في مجتمع تسيطر عليه الكنيسة المارونية ويسعى الفرد للتملص من قبضتها عليه، وخيط الرحلة التي غيّرت رؤية الشدياق للعالم ودفعته لكتابة مذكراته وتأملاته على اعتبار أنها مسيرة ذات خصوصية تستحق السرد، وخيط اللغة التي يتخبط في شراكها ويسعى من خلالها صياغة ماهيته. ولكن هذه الخطوط لا تتضافر في بنية نسقية واحدة وإنما هي تقدم نوعاً من السرد المتقطع الذي يقوم بأكثر من وظيفة، حيث يطرح الذات كمجال للاستقصاء في العمل الأدبي[13]. وبيّن حافظ أن هذه الخيوط الأساسية ظلت فاعلة في العديد من السير الذاتية التي تلت هذه البداية وظلــت مشـروطة بها وإن بدرجـات متفاوتـة. فخط النشأة خط أساسي منذ “الأيام” لطه حسين 1927 حتى “عزيزي السيد كواياتا” لرشيد الضعيف 1994، مروراً ب”طفل من القرية” لسيد قطب 1946، “أيام الطفولة” لابراهيم عبد الحليم 1954، “سبعون” لمخائيل نعيمة 1959، “على الجسر” لبنت الشاطئ 1967، “بقايا صور” 1975، “المستنقع” 1976، لحنا مينة ،”عينان على الطريق” لعبد الله الطوخي 1981، “كأن لم يكن” لفؤاد كنعان 1981، ونزيد، “رحلة جبلية رحلة صعبة” لفدوى طوقان 1985، و”أوراقي .. حياتي” لنوال سعداوي 2001.

 

في هذه النصوص جميعها تناول الكتاب نشأتهم منتقدين مجتمعاتهم وما يسودها من أعراف ورؤى وتصورات ومؤسسات. قد تختلف حدة النقد من نص لآخر ولكنها دائماً هناك. وإننا لا نكاد نرى على امتداد قرن من الزمن ذاتاً واحدة راضية عن مجتمعها. كل هذه النصوص تشعر بانعدام التوافق بينها وبين السياق الذي ظهرت فيه. وفيها ينتصر الفردي على الجماعي وتتحرر الذات من قبضة التقاليد العتيقة والرؤى البالية[14].

أما خيط الرحلة، رحلة الانسان في الزمان والمكان فهو واضح في العديد من السير نذكر منها: “مذكرات” جرجي زيدان 1908، “يوميات نائب في الأرياف” 1936 و”عصفور من الشرق” 1938 لتوفيق الحكيم، و”قصة حياتي” لإبراهيم المازني 1945 و”حياتي” لأحمد أمين 1950، و”تربية سلامة موسى” لسلامة موسى 1947، و”اسمع يا رضا” لأنيس فريحة 1956، و”سبعون” لمخائيل نعبمة 1959، و”أنا” لعباس محمود العقاد 1961 و“مذكرات طالب بعثة” للويس عوض 1966، و”معي” لشوقي ضيف 1981، و”الرحلة: أيام طالبة مصرية في أميركا”، لرضوى عاشور 1983، و”حصاد العمر” لتوفيق يوسف عوّاد، 1983، و”رحلة جبلية رحلة صعبة” لفدوى طوقان 1985، و”البئر الأولى” لجبرا ابراهيم جبرا 1987، و“أوراق” لعبدالله العروي 1989، و”صور من الماضي” لهشام شرابي 1993، وغيرها. في هذه النصوص جميعاً، تحتل الرحلة في المكان أو الزمان محوراً رئيسياً فيها تماما كما في الساق على الساق، وبالرغم أن بعض كتاب هذه السير لا يبدو أنه قرأ الشدياق وأنه غير واعٍ لأثره في كتابه، فإنه حتى لو انتفى التأثير فالتماثل حاصل إذ أن جميعها تتفق مع الشدياق في الربط بين كتابة الرحلة وكتابة الذات بحيث تصبح كل منهما تجلياً للأخرى وبحيث يصعب الفصل بين الرحلة والذات المرتحِلة أي التي تكتب ذاتها في كتابة الرحلة[15].

أما خيط اللغة الثالث أو ما نطلق عليه اليوم أدبية النص أو شاعريته، فامتداداته تشمل أعمالاً  كثيرة من “الشعر قنديل أخضر” 1963 و”قصتي مع الشعر” 1970 لنزار قباني إلى “تجربتي الشعرية” 1968 و”سيرة ذاتية لسـارق النــار” 1974 لعبـد الوهّــاب البيّاتي إلى “حيـاتي في الشعر” 1969 لصلاح عبـد الصبـور و”ها أنت أيها الوقت” 1993 لأدونيس و”قلب العقرب سيرة شعر” 2014 لمحمد حلمي الريشة. وهي نصوص تجعل اللغة همّها الأول أو تكتب نوعا من السيرة للذات الخاصة معها وبها وفيها. ويرى د. صبري حافظ أن عمل الشدياق كلغوي ومترجم للكتاب المقدس، يجعله الأب الفعلي لجنس كامل من السير الذاتية العربية التي كان الانشغال بها تجلياً من تجليات الانشغال بكتابة الذات نفسها ورحلتها مع الكلمات بالدرجة الأولى، تتعرف عليها وتسيطر على شفراتها، خاصة أكثر هذه الشفرات التصاقاً باللغة كلغة ذات إيقاع وموسيقى ودلالات معنوية وشحنات انفعالية. وإذا كان الشدياق قد جعل التجربة اللغوية في كتابه علامة النضج والتمكن من الأداء التي تشكل هويته ككاتب، فان شعراءنا المحدثين يتعاملون مع اللغة من المنطلق ذاته. إذ نلاحظ عند قراءة هذه النصوص أن هناك نزوعاً للتفلسف حول الشعر واللغة هو الذي يدفع صلاح عبد الصبور لبدء “حياتي في الشعر” بالحديث عن سقراط والانتقال منه الى الصوفية العربية قبل الدخول بهما معها، الفلسفة والتصوف، الى رحاب التجربة الشعرية الذاتية. “وهذا التفلسف نفسه- دون بنية فلسفية متينة- هو ما يدخل به أدونيس الى ما يدعوه “سيرة ثقافية” وهو العنوان الثانوي لسيرته “ها أنت أيها الوقت” حيث يربط انفجار المعاني بانشقاق الهوية ويتغلب السياسي على الثقافي وهيمنة الأيديولوجي عليه ويربط هذا كله بتجريد اللغة في نوع من التأليه . . .”[16].

 

مع دخولنا عصر العولمة والانتشار الواسع للكتابة الرقمية، شاع التلاقح بين الحضارات والثقافات شيوعاً واسعاً وأمسى أسهل على الحضارة المسيطرة، وهي هنا الثقافة الغربية، أن تفرض قيمها ومعارفها على الثقافات الأقل حظاً في الشيوع، فكان لفن السيرة الذاتية العربية نذر ليس بالقليل من هذا التلاقح فتأثر كتابها بالكاتب/ة الأوروبي وأمست كتاباتهم اكثر جرأة على تعرية ذواتهم وكشف انكساراتهم، وأكثر اهتماماً بلغة نصوصهم خصوصاً من كان منهم من فئة المبدعين التخيليين كما في سيرة محمود درويش “ذاكرة للنسيان”، ومريد برغوثي “رأيت رام الله” وهشام شرابي “صور الماضي سيرة ذاتية”، وغيرهم[17]. وحيث أن الدراسات التي تناولت أدبية السيرة الذاتية قليلة جداً[18]، ارتأيت أن أتناولها في دراستي هذه. وحيث أن الشاعر محمد حلمي الريشة من قمة الشعراء الحداثيين المشتغلين على لغتهم وصورها الشعرية، وقع الاختيار على سيرته المعنونة: قلب العقرب سيرة شعر، نموذجاً لهذا العمل.

 

ينتمي مؤلف حلمي ريشة إلى فن السيرة الذاتية بمعناها الواسع الفضفاض من حيث أنه “نثر استعادي يحكي فيه شخص حقيقي عن حياته الفعلية بصورة تستهدف إبراز حياته الفردية وتاريخ شخصيته الفعلية بشكل خاص”[19]، ويخرج عما هو متعارف في شأنها بأمرين: أولهما ان الكاتب لا يخبر إلا عن جانب واحد من جوانب شخصيته هو الجانب المتعلق بالشعر، والثاني هو الاحتفاء باللغة احتفاءً باهراً بحيث تطغى جماليتها على عنصر الإخبار فيها، فيرى القارئ/ة نفسه منغمساً في صورها الشعرية المبدعة ويشغله تذوق جمالاتها وفك مغاليقها لدرجة ينسى معها طلب المعلومة التي هي المطلب الأساسي في السيرة الذانية. فبمقارنة سيرة الريشة بسير شعرية أخرى كسيرة غازي القصيبـي مثلاً او سيرة جايمس جويس A portrait of the Artist as a Young Man ، نلحظ أن القصيبـي ركز على الإخبار. كتب بإسهاب عن مراحل تطور موهبته وعرّج بين الحين والآخر على معالم أخرى في حياته كعلاقاته العائلية وصداقاته وانتمائه السياسي وحبه لجمال عبد الناصر، وكذلك فعل جيمس جويس باعترافه بمواقف وأحداث كانت له في طفولته ومراهقته ولم يكن لها علاقة مباشرة بشعره[20].

لا يضير الريشة هذا الاختلاف، فبه صنع تفرده إذ أن هذا الفن يسمح بالانتقاء وباستخدام المتخيل بدعوى ان أي كتابة للذات هي عرضة للتصحيف والزخرفة ومقدار من الخداع والمراوغة لأنها تحتوي على قدر من النرجسية مهما حاولت أن تتستر بالتواضع والحياء، وفيها مقدار من ولع الذات المكتوبة بالذات الكاتبة. فالتماهي بين الذات الكاتبة والذات المكتوبة يلغي المسافة التي توحي بوهم الموضوعية إضافة إلى أن هذا الجنس يعتمد على الذاكرة الانتقائية والذكرة بطبعها خؤون مادتها عرضة للحذف والتأويل وخداع الذات، وهذا ما حدا بالباحث صبري حافظ الى وصف السيرة الذاتية بأنها رقش للذات لا  كتابتها

 

شفافية البوح. صدق العاطفة

وسواء كان هذا الفن مستحدثاً أو قديماً، رقشاً للذات أو كتابتها، يبقى له دور فاعل في البناء المعرفي للأمم. فهو من حيث كونه سرداً لحياة شخص حقيقية يعمل كوثيقة تاريخية مهمة يمكن تجييرها في خدمة مشروع تحرر وطني كما في الحالة الفلسطينية، حيث وعى الفلسطينيون هذه الحقيقة في عمر مبكر من عمر قضيتهم فكتبوا موثقين حضورهم في التاريخ والمكان والثقافة والنضال، مقاومين محاولات المحو والتغييب التي يمارسها عليهم عدوهم[21]. وفي هذا المحور دارت سيرة محمد حلمي الريشة، وتميزت على مستوى الموضوع بجرأة محدودة في تعرية الذات الكاتبة كما الذات الجمعية، المجتمع الفلسطيني، المشهد الثقافي منه على وجه الخصوص. وتميزت على مستوى البناء بجمالية سردية عالية نقلتها من “مستوى إبلاغي نفعي خالص إلى مستوى آخر فيه إيحاء وحضور”.

 

في “قلب العقرب سيرة شعر”، تتكشف لنا الذات الشاعرة قوية، نابضة، حارة، تفرض نفسها على الذات الموضوعية وتسيرها الى ما يخدم طموحها. وفيها بدا محمد حلمي الريشة خاضعاً لإرادة الذات الشاعرة، مسيراً بأوامرها. هو لم يختر أن يكون شاعراً. جاءته على حين غرّة وبقصيدة خارجة عن المألوف في مجتمع محافظ. “أتكتب غزلاً يا ولد” قال حارس العفاف في القبيلة. هو لم يختر ان يصمت. الذات الشاعرة حكمت بذلك. “انقطع طمثها” فكان العقم لثلاث سنوات. الشاعر أراد مواكبة شعبه في معاناته الصعبة. أراد ان يكتب الانتفاضة ومأساة محمد الدرة ولكنها تمنعت وبقيت “قصيدة في الحلق” الى ان حان زمن مخاضها.

بدا محمد ريشة عاشقاً لهذه الموهبة يتجمّل ليحسن في عينها. لأجلها، هجر اللعب طفلاً وانكب على القراءة. ولأجلها راكم ثقافات وثقافات. قرأ التراث العربي والعالمي في الشعر والأدب والتاريخ والعلوم يقول: كنت أقرأ امرئ القيس مع (وليم شكسبير)، وأبا حيان التوحيدي مع (آرثر شوبنهاور)، وابن خلدون مع (ويل ديرانت)، وأبا تمام مع (آرثر رامبو)، وسلامة موسى مع (جان بول سارتر وبدر شاكر السياب مع ت إس إليوت، ونجيب سرور مع راينر ماريا ريلكه. . . وطبعاً الشعر الفلسطيني[22]. وبلور شخصية جمعت المتناقضين: قسوة، “قلب عقرب”، ورقة “موسيقى حريرية وصوت ملائكي. ومن أدبيات السيرة الذاتية الحديثة أن تقول الصدق، تتعرى كاشفة عيوبها. هي فعل اعتراف تتطهر به الذات من آثامها على طريقة القديس أوغسطينوس قديماً [23]، وتقليد بدأه جان جاك روسو حديثاً (1712-1778) في سيرته الذاتية: “اعترافات”[24]، وصارت عرفاً في الكتابات السيرية الأوروبية. أما عندنا فقل أن نجد مثل هذه البوح لأن كثير منا، حسب تعبير محمد حلمي الريشة، ليس له/لها روح فسيحة، وقدرة استقبال الصدق وقول النقد الموجب والحقيقة النقية. . . لأننا ما زلنا ابطالاً من ورق في سيرتنا الذاتية وغيرها[25]. وسيرة الريشة كانت إلى حد ما من هذا القليل. هو لم يعرِ ذاته على طريقة محمد شكري في “الخبز الحافي”، وسهيل إدريس في “ذكريات الأدب والحب- سيرة ذاتية” 2005 اللذين تجرآ على تابوهات ومحرمات مشينة كالشهوانية والشذوذ الجنسي، ولكنه اعترف بعجزه عن قول قصيدة في مناسبتين وطنتين هزتا الضمير العالمي: الانتفاضة، وحادثة الطفل محمد الدرة[26]. وهذا اعتراف خطير، وصمة مشينة في العرف الفلسطيني. إذ أنه من أدبيات الإبداع الفلسطيني تمحوره حول القضية وكل من خرج/ت عن هذا المحور تعرّض للوم العامة والنخبة على حد سواء. فنحن لا نزال نذكر الغضبة التي قامت حول رواية غسان كنفاني “ما تبقى لكم” التي انتهت بتراجع كنفاني عن الأسلوب الحداثي الذي اتبعه فيها، وعدوله عنه في رواياته الست اللاحقة[27]. ومثلها كانت ولا تزال الضجة حول تحوّل محمود درويش من شاعر القضية إلى شاعر الذات الإنسانية.

 

في “قلب العقرب”، تجلت أدبية النص أكثر ما تجلت بصورها الشعرية المتميزة “بوعي ساذج ولغة فتية متمردة على كل دراسة نظرية”، حسب تعبير باشلار. ولعلها أكثر سيرة شعرية حتى حينه (2019) احتفاء باللغة. فترفها اللغوي من رمز واستعارة وتشبيه مركب، يرقش النصوص رقشاً باذخاً حتى لا تكاد فقرة من الكتاب تخلو منها. وتتجلى هذه الصور أكثر ما تتجلى في عتبات النصوص: “قلب العقرب”، “في البدء كانت القراءة”، ” مرتقى الإبداع”، “بئر الحيرة”، “كتاب في ’جريمة‘”، “طقوس الغيبوبة اللذيذة”، “نزول النهر مرتين”، قصيدة في الحلق”، عتبات للدخول العالي، وغيرها. وأول ما يدهشنا، هو العنوان، “قلب العقرب سيرة شعر”، فنتساءل مرتبكين، كيف يتواءم هذان الضدان (شعر الريشة المتصف برهافة الإحساس والرقة، والعقرب المتصف بعدائيته وغدره)؟

تبدو هذه الصورة عصية على التأويل الكلاسيكي، فان نحيلها الى دلالة نفسية أو تاريخية فهذا تقزيم لها، إذا أننا عندها سنردها إلى سببية محددة في مكان أو زمان. فإن رددناها إلى علم التحليل النفسي وقلنا هي نتاج تربية تقليدية صارمة أو نتاج ظرفه التاريخي ونشأته في ظل احتلال متعسف ومعادِ ربت في الشاعر شخصية قلقة يتوجس الخطر، فتقمص صفات العقرب الهجومية، أو ان به نزعة تدميرية تدفعه الى طلب الموت قبل ان يتمكن منه عدوه على الطريقة التوراتية (عليَّ وعلى أعدائي يا ألله)، نكون قد أسانا إليها ولم نقل إلا السطح، فالصورة الشعرية حسب غاستون بلاشار  لا تخضع للمنطق العقلي، وإنما يجب علينا أن نتلقاها “مثل صدى، والصدى ليس مجرد تكرار. فحالما نموضع الصورة يتحتم علينا تخيلها مرة ثانية، لأن الصورة التي لا تفرض على الفكر إعادة تخيلها وتقويمها، لا تنهض إلا على جدول ذهني للرموز، تتماثل داخله الصورة مع الرمز”[28]. ولن يسعفنا اختزالها “في الرمزية وتأويلات عليّة” تعقلنها وترى في كل شيء تفسيرات سببية، فنحن نريد أن نبقى ضمن حدودها ومعطياتها اللحظية، نبعثها من جديد ونعيد إحياءها بين ثنايا “حاضر متوتر جداً”. وحتى يتسنى لنا ذلك، يجب أن نعيش لحظة الإبداع مؤولين الأشكال التي يفرضها الشاعر مع وفائنا ليس فقط للصورة بل لما أسماه مينوكوفسكي Minokowski رنينها[29]. عندها سنكتشف بعد تعب فكري لذيذ على حد قول الجرجاني، كيف تأتت للكاتب هذه الصورة المتخيلة. سندرك بالحدس علاقة التكامل والانسجام بين هذين الضدين، فقلب العقرب [30]Antares النجم الشمسي العملاق، ألمع نجوم كوكبة العقرب على الإطلاق، المتميز بقوة حضوره وبلونه الأحمر المتوهج الساطع، تربطه هذه الصفات بالذات الشاعرة المتميزة بإبداعها المشع المتوهج الذي لا تستطيع إبداعات أخرى ان تطمسه. وقد زاد من قوة الصورة إتيان جزؤها الثاني “سيرة شعر” بصيغة النكرة، فخرجت بذلك من الخاص إلى العام. هي ليست صيغة محددة إلى مُعَرَّف كما في عناوين سير سبق ذكرها.

عادة ما يكون عنوان الكتاب (عتبته الأولى) استقراء لموضوعه كما في “ذاكرة للنسيان” لمحمود درويش، “آه يا بيروت” لرشاد أبو شاور، “خارج المكان” لإدوارد سعيد، وغيرها، أما في “قلب العقرب سيرة شعر”، فمغاليق هذا العنوان تتفتح لنا على مهل كلما تقدمنا في القراءة:

“في البدء كانت الكلمة”

“ثم الكتابة”

“ذراعان مفتوحتان في رصيف ضيق”

“عادتني نار التوحيدي”.

كلها نصوص تحتفي بالشاعر العصامي الذي توج شاعراً دون إذن من أحد، وتوهجت موهبته في سن مبكرة بالسليقة دون إدراك منه أنه شاعر. الطفل النرجسي الذي يمتلئ فخراً عندما تنشر له قصيدة، (ذراعان مفتوحتان قي رصيف ضيق). الخادم الأمين لهذه الموهبة يذلل كل صعوبة تعترض طريقها (خمس تنقص اصبعاً) الشغوف المثابر المتعبد لموهبته يغذيها وينميها بالقراءة وبالاطلاع على أمهات الكتب العالمية ليبني لها معماراً معرفياً يليق بها. وفي جزئها الثاني “كنت أريدني شاعراً فقط ولكن .. “يخضع لتعسفها يراودها وتراوده حتى تكون الولادة بعد ألم. لا يعاتب الموهبة عندما تخذله بل ينصاع صاغراً طالباً وِدَّها حتى تأتيه متوهجة قوية الحضور كما “قلب العقرب” (النجم).

كثيراً ما يُصدِّر الريشة نصه باقتباس من الموروث الثقافي العربي أو العالمي يكون مع العنوان عتبة جاذبة للولوج في فعل القراءة. وتكشف هذه الاقتباسات عن ثراء معرفي متميز وبراعة في امتصاص هذه المعارف حيث يبدو النص “ديناميكياً متجدداً متغيراً من خلال تشابكاته مع النصوص الأخرى، وتوالده من خلالها”:

“في البدء كانت القراءة”

تلميذاً كنت في الصف السادس عندما أجبرتنا المدرسة في آخر يوما من السنة الدراسية على شراء مجلة للفتية كي نقرأها في العطلة الصيفية . . . هكذا وجدتني، فجأة أنشد إلى القراءة على الرغم من أنني شغوف باللعب، فلم أكن اقرأ على مضض إلا دروسي التي سرعان ما أقرأها سلقاً لأخرج من ضيق المسافة إلى مدى اللعب كفتاة تحث الخطى إلى بيتها إذا الرياح غير اللواقح تحاول المرور من بين ساقيها وهي تضغط على فستانها القصير بيدين ماكرتين (مثل مارلين مونرو) . . .

قرأت المجلة مرة/ مرات: ما الذي يحدث لي؟ لِمَ صرت أبحث بشغف عن مجلات وكتب أدبية وغيرها، والتقط قصاصات الورق من الشوارع وأهجر اللعب . . . كيف صرت أقضي ساعات في المكتبة العامة قارئاً نهماً حتى انتهاء دوامها، بل واتأبط كتابين مستعارين منها لأستمر ليلاً في هذا الفعل المدهش الساحر/ الساهر إلى ما بعد منتصف منتصف السواد؟ هذا الفعل الذي وضع مبكراً إطاراً يحيط قطعتي زجاج قبالة عيني على مسافة قريبة جداً، وقد شعرت أن النظارة كانت نقلة عمرية. (38-39)

لعل أوّل ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة هذا العنوان “في البدء كانت القراءة”، النص التوراتي  “في البدء كانت الكلمة والكلمة عند الله والله هو الكلمة”[31]. وإذ نذهب بعيداً في النص نكتشف العلاقة الضمنية بين خلق العالم وخلق الشاعر. فهنا خلقت القراءة الشاعر وهناك خلقت الكلمة (التي هي فعل الله) العالم.  كما ويتعالق هذه التعبير “في البدء كانت القراءة”، بالآية القرآنية الكريمة: “إقرأ باسم ربك الذي خلق”. ففعل الأمر إقرأ ،  كان فعلاً لخلق النبوة،  كمثل ما كانت القراءة  فعلاً لتكوين الشاعر. وجمالية التناص هنا لا تقتصر على رمزيتها التي تقول بـخلود الشاعر وتـخطيه حدود الزمان والمكان، بل بما فيها من تجديد للمعنى الديني وبلورة الأفق الدلالي والرمزي لفعل الخلق الإلهي بأن جعل المعرفة (القراءة) خلقاً موازياً لخلق العالم وجعل فعل القراءة شرطاً اولياً في النبوءة. وهي بذلك أعطت هذه الآلة المعرفية (القراءة) أعلى قيمة في الوجود، قيمة الإبداع وصنفت المبدع/ الشاعر على نفس الدرجة من الفعل الإلهي خلقاً ونبوءة.

الّفت عتبة النص مع متنه وحدة عضوية متكاملة فما عبّر عنه العنوان جملة استكمله النص تفصيلاً، فالشاعر الذي طمح سابقاً ان يستطيع استعادة اكتشاف الدهشة يحققها هنا فيما هو يتخلق كشاعر. وهو يريد أن يشرك قارئه/قارئته لذة هذا الاكتشاف الذي لا يوازيه إلا فرح كبير كخلق العالم أو خلق نبيّ. وقد نجح في ذلك لا بالتماثل مع النصين الدينيين بل بإعادة خلقهما “بلغة إنتاجية منفتحة على مرجعيات مختلفة وليس كلغة التواصل”، بمعنى أنه نص “قابل للتناول عبر المقولات المنطقية، لا عبر المقولات اللسانية الخالصة”. هذا ما قاله النص من الناحية “الظاهراتية”، أما في بعده الأعمق، فقد رعش بفلسفة إشراقية ترى أن المعرفة كشفية ذوقية، بمعنى أن ظهور الأنوار العقلية ولمعانها وفيضانها تشرق على النفوس عند تجردها[32]. لقد انتقل الطفل اللعوب العابث إلى مرحلة الرجولة فجأة بعد قراءته لمجلة اعترضت طريقه. وقد عبر الريشة عن اعتقاده هذا في أكثر من مناسبة، نذكر منها قوله في الموهبة: “لا نعني بهذا أن حاجة الموهبة إلى (مَنْ) ضرورة قصوى، وأن عدم وجود (مَنْ) سيجعلها تنطفئ/ تذوي/ تزول، كأنها لم تكن. إنها تستطيع سكب ماء الخروج، وقطع الحبل السُّري، ثم التدفق تلقائياً، بما تختزنه من سبب حياتها” ( 63).

ويتعالق هذا النص في إيمانه بوجود قوى كامنة في الذات الإنسانية تصنع مصيرها، تولد فجأة دون ان يكون للزمن أو للتجارب الشخصية تأثير فيها، مع نص لغسان  كنفاني ورد في مذكراته:

“كنت في العاشرة حين حملتنا السيارات نحو عار الفرار، لم أكن أعرف أي شيء، لم أكن أحس شيئاً، كنت ما أزال أنزلق دونما وعي فوق براءة الطفولة، ولكنني تعمدت تلك اللحظة بمشهد لن أنساه: كانت الشاحنات قد وقفت، وتسللت بدافع من فضول الطفل أو قدر الرجل إلى حيث كان الرجال يقفون، وقد رأيتهم يسلمون أسلحتهم في مخافر الحدود، ليدخلوا إلى عالم اللجوء بأكفهم العارية. وعدتُ كئيباً، أحس شيئاً لا قبل لي بفهمه . . . وولدت يومذاك مرة أخرى . . . لا تصدق أن الإنسان ينمو. لا. إنه يولد فجأة: كلمة ما، في لحظة، تشق صدره على نبض جديد، مشهد واحد يطوح به من سقف الطفولة إلى وعر الطريق”[33].

يرى البنيويون أن العنصر الجوهري في العمل الأدبي، مرتبط بأدبية الأدب، أي تلك العناصر الماثلة في النص والمحددة لجنسه الفني والمكيفة لطبيعة تكوينه والموجهة لكفاءته في أداء وظيفته الجمالية على وجه التحديد، كما أنهم يرون في اللغة مكوناً رئيسياً للهوية، وإن كانت اللغة على حد قول عالم اللغويات السويسري فرديناند دي سوسور سابقة علينا وبالتالي لا نستطيع الزعم بأننا نبتدعها فهي إذاً المتحكِّمة إلى حد كبير في صياغتنا لكل تصوراتنا بما في ذلك تصورنا لذاتنا. ونظرية البنيويين هذه تصدق بشدة في سيرة الكاتب/ة المبدع/ة من شعراء وروائيين وقصاصين الذين تمنكهم قدرتهم اللغوية العالية من إقامة علاقات بين الالفاظ خارجة عن المألوف. وتعم هذه الميزة سردية الريشة في سيرته حتى لا تكاد تخلو فقرة من صورة شعرية مبدعه:

“لم أعد احداً بأني سأكون شاعراً

لقد ولدت هكذا” (4)

في هذه العبارة المختصرة رسم الكاتب ذاته، رؤيته لها   كشاعر. بل إنه رسم الملامح الدقيقة لهذه الذات. ذات قَلِقة تتوجس الاخر (وهو هنا اللائمون المفترضون) فانتفاء الوعد ينفي المسؤولية عن حدوث الفعل واستخدام حرف التحقيق قد مرفقاً بلام التوكيد يؤكد وجود الحالة الشعرية كأمر لا بد منه .. قال الكاتب ذلك وصمت تاركاً فسحة لقارئه ليملأ البياض. ثم يعود الكاتب للفكرة ذاتها في باب “قصيدة في الحلق” ليؤكد أن الفعل الشعري (القصيدة) فعل إبداع تأتي الشاعر ولا يأتيها: “ثمة قصائد تظل في الحلق تصعب على الشاعر فيّ ابتلاعها، او إخراجها، حيث لا تـُمَكِّنه أن يُخرِج قصيدة تحاول أن تبسط جناحيها على الورق، على الرغم من شدة إلحاحها”. وفي باب بعنوان “القصيدة اللحوحة”  يؤكد الشاعر نظريته بضدها فمقابل القصيدة الحرون هنالك القصيدة التي تفرض نفسها. القصيدة التي تأتي على غير ما توقع، وفي لحظات أبعد ما تكون عن مناخاتـها:

. . . أذكر ذات صباح بارد الوجه، بينما كنت أجفف وجهي وأنا أطل من شرفة بيت الشعر، وأنظر بين تجفيف وآخر إلى التلاميذ الصغار وهم ذاهبون إلى مدارسهم، ان أبرق من وجوه التلاميذ في وجهي فجأة، وقبل أن انتهي من تجفيف وجهي المرتجف المقطع الشعري الآتي:

“صباحاً تذهب العصافير إلى مدارسها / والتلاميذ إلى جنة الخلد”.

دونته بسرعة [على ان أعود إليه لاحقاً] . . . ولكن لم استطع أية كلمة فيها . . . ولم يتعب الشاعر فيّ من انتظارها، لكن لم تأت بقيتها، ثم تأكد لي بعد لأي، ان القصيدة الغائبة لن تأتي، فلا بقية لها (179).

حقق الريشة فكرته دون أن يغرق النص بالصور الشعرية المركبة الغارقة في الغموض كما عوّدنا في شعره. حققها بصدق العاطفة وبقدرته على نقل الأحاسيس. أحسسنا التوجس في “لم أعد أحداً”. والقلق والتوتر في انتظار القصيدة. ووجع المخاض الشعري في “قصيدة في الحلق”. حققها بالمفردة البسيطة وباشتغال شفيف على صورتها الشعرية: “صباحاً تذهب العصافير إلى مدارسها / والتلاميذ إلى جنة الخلد”. أمن الشاعر لصورته هذه الجدة ولذة الإدهاش بانزياح شفيف عن المعنى العادي، فتلاميذ نابلس (فلسطين) قدرهم ألاّ يصلوا إلى مدارسهم، بل إلى موتهم. انزاح الموت عن معناه البغيض عندما كنى عنه الكاتب بجنة الخلد. وفي هذه الصورة ليس فقط تجميلاً للموت بل هي صمت متوهج على حد تعبير مخرج بوسني شاب اتخذ الصمت قالباً لتصوير فيلم يعرض مأساة ساراييفو[34].

 

جمالية السرد كما في قلب العقرب سيرة شعر

تشكل جمالية السرد قيمة فنية أساسية في كتابة السيرة الذاتية فبه تتميز واحدة عن أخرى وبقدر ما يكون الكاتب متمكناً من عناصر هذا الفن من تشويق وإمتاع، تقديم وتأخير، أطالة وتقصير، بقدر ما يكون جاذباً لانتباه القارئ/القارئة وإثارة إعجابهما. وقلب العقرب سيرة شعر نص مشغول بعناية فنية عالية تتجلى في تنسيق الكتاب وقسمته إلى أجزاء وكل جزء يحتوي على عدة نصوص بعناوين محرضة على الولوج وكشف محتواها. ويسلم كل نص لما بعده بسلاسة وانسيابية أشبه بحبات عقد لا تستغني واحدتها عن الأخرى.

قسم الريشة سيرته إلى ثلاثة أجزاء وملحق، وغطى كل جزء مرحلة حياتية من عمره. نقرأ في الجزء الأول براءة واندهاشاً وموهبة تتفتح على الجمال البكر في الطبيعة والموسيقى والصوت الملائكي:

. . . كان ثمة من يُسْمِعُني أن أسلوبي في كتابة الخواطر أقرب إلى الشعر منه إلى النثر. . .  كان هذا الرأي حثاً باذخاً[لي] إلى الاقتراب أكثر من لغة الشعر في النثر. وقد كنت استمع إلى جارة القمر فيروز فتشدني اللغة/ الصور الشعرية بموازاة وتماهٍ مع الموسيقى الحريرية وصوتها الملائكي لذا كنتني لا أمرّ (ببراءة ما قبل الشعر) عابراً دون قراءة اللحن والكلمة وعلاقتهما معاً بحثاً عن تماهٍ تتداخل فيها الكلمات والالحان الموسيقية المنبعثة من آلات مصاغة من مواد قد لا تعني شيئاً وحدها دون العمل الإيجابي عليها، مثل هذا المقطع الفيروزي “فايق عسهرة وكان في ليل وندي/ والنار عم تغفى بحضن الموقدي/ والعتوب مسافرة وما في كلام ولا هدي/ قلبك ولا قلبي هدي/ ونام الحكي والناس وانهد السراج/ وبكيت غصون الورد عكتف السياج/ وفل القمر عضيعتو وفلو الدراج”.

ما زلت أذكرني كيف رقصت دهشتي صرختي في داخلي وخارجي، رقصة/ صرخة عارمة، حد أن الاخرين استهجنوا حركتي المسرحية ولم لا؟ (40).

يقف هذا المقطع من نص (ثم كانت الكتابة) نموذجاً لبدء تَكّوُن الشاعر. وما يهمنا هنا الجمالية التي سرد بها الريشة هذا الحدث أو ربما الشرارة التي قدحت موهبته. لقد كان الريشة في سرده النثري ثري الدلالات كشاعر، صادق العاطفة  كتفتح الزهرة، فرحاً  كطفل فضولي، منتشياً  كعاشق في حضرة جمال معشوقته (رقصت دهشتي. . . حركتي المسرحية. . . )

وفي اللاحق من النصوص نلحظ تطور شخصية الشاعر، والعوامل التي أثرت في نموه العقلي والوجداني: البيئة الحانية المشجعة المتمثلة بالشاعر على الخليلي وفدوى طوقان والحبيبة الملهمة والزوجة الحانية المتفهمة لشروط الشاعر. ونتعلم في الجزء الثاني كيف عملت البيئة الشرسة: الاحتلال والحصار القاسي حد أقصى درجات الجوع والعطش من جهة، والفساد في المؤسسة الثقافية الفلسطينية حيث سعى المفسدون بوقاحة لطمس شاعرية الشاعر وتهميشه. ونلاحظ كيف عملت هذه الظروف على تحويل الشاعر من إنسان متواضع وفيّ رقيق المشاعر، إلى آخر هجومي قاسٍ. وقد قدم لنا الريشة هذه المعلومات بسردية منطقية مقنعه وبلغة شعرية تتناغم صورها مع موضوعها وتتميز بالجدة والعمق:

في نص بعنوان “كتاب في جريمة” يحرّف الشاعر الجملة الأصلية لمشروع “كتاب في جريدة”. وفي هذا التحريف دلالات عريضة لما في نفس الشاعر من غضب واعتراض على ما طاله من غبن على يد اللجنة التي قامت بانتقاء المختارات لكتاب كتاب في جريدة الشعر الفلسطيني والتي استثنته من هذا الكتاب بإيعاز من الشاعر الكبير محمود درويش الذي كان من المفترض به أن يعلو على الصغائر ويقف محترِما وداعماً لموهبة أثبتت جدارتها في المشهد الثقافي العربي والعالمي فلا يتجاهلها ويهمشها.

وفي نص بعنوان “ما يسر القلب من الغرب” يبرز لنا الشاعر بؤس الثقافة الفلسطينية، وعنجهية وجهل المتصدرين لمؤسساتها. فعوض أن يحتفي به هؤلاء ويعتذرون عن جهلهم أو تجاهلهم لقيمته الإبداعية، راحوا يهجونه ويشككون في مصداقية التكريم الذي منحته إياه جامعة تطوان المغربية بإنشاء جائزة باسمه. وكذلك تجاهلوا جائزة الشعر لعام 2011 التي منحته إياها جائزة المهاجر العالمية للفكر والآداب والفنون التي تصدر عن منظمة المهاجر الثقافية في مدينة ملبورن في استراليا، أخبرنا عنها في  مقالة في هذا الكتاب بعنوان “ما يسر القلب من الغرب”.

ما يعنينا من هذه الغضبة تمكّن الكاتب من التحول من أسلوب رقيق عذب، إلى آخر هجومي هجّاء لاذع  كعقرب دون أن تفقد صوره الشعرية بكارتها وعمق دلالاتها.

“من حقي الطبيعي أن أغضب لغيري من الشعراء ولي، حين نغيب عمداً. لقد تأكد لي أن بعض مثقفينا لا يزالون يحتفظون في دواخلهم بنقاط سوداء ك”حجاب” يَقيهِم “شر” الاخرين، وبالتالي حين يُحكَّمون في مسألة ما، يقومون بعملية إفراز خاصة لتوسيع محيط النقاط السوداء كي يخفوا خلفها بريق إبداع الاخرين!. . . لِمَ اجتاز “حصان أسكدار” الذي امتطاه صاحبه زكريا محمد، شعراء آخرين هنا، بدون أن يحملهم فوق سرجه الأصفر كتاب في جريدة” (114).

رغم أن المعلومة هي العنصر الأساس في السيرة الذاتية، ورغم أن المعركة التي يسردها الكاتب موضوع شيق وسرده سلس بما فيه الكفاية ليحقق للسيرة أدبيتها، إلا ان الريشة أخصب هذا السرد بصور شعرية منها ما هي ذات بعد واحد: “يحتفظون في دواخلهم بنقاط سوداء ك”حجاب” يَقيهِم “شر” الاخر” ومنها ما هي عميقة الدلالات لا تنقاد إلا لقارئ ثري المعرفة أو جامح الفضول لا يهدأ له بال حتى يعرف ماهية “حصان أسكدار”. وإذ نعلم أن “حصان أسكدار” هو قصيدة لزكريا محمد هذا نصها: “الحصان يركض بلا فارس/ الشمس/ تلمع على عنقه وكفله/ الحصان يركض على أرض العشب والحجر/ الطيور التي شاهدته أغمضت عيونها/ الرجال الذين رأوه جمدهم البرق/ كلهم أبصر الهاوية/ إلا الحصان الذي كان يجري إليها”. تتفتح عندها مغاليق هذه الصورة الهَجّاءة والتي من الأفضل ألا تُنتهَك شرحاً وتفكيكاً، فالتلميح ورؤيتها من وراء ستار شفاف أضمن لحفظ بريقها.

 

هذه نماذج محدودة للدلالة على أدبية السيرة الذاتية كما في كتاب قلب العقرب سيرة شعر، ولو أننا أردنا أن نأتـي على كل ما جاء في الكتاب من صور شعرية مبدعة لكانت النتيجة كتاباً بعشرات الصفحات

 

كان الشاعر محمد حلمي الريشة في سيرته صادقاً مخلصاً لعقد التعاقد الذي عرّفه فيليب لوجين بأنه عقد أو ميثاق Le pacte autobiographique يقيمه الكاتب/الكاتبة مع القراء. وهو عقد ينهض على أن السيرة الذاتية “نثر استعادي يحكي فيه شخص حقيقي عن حياته الفعلية بصورة تستهدف إبراز حياته الفردية وتاريخ شخصيته الفعلية بشكل خاص”[35]. وهو عقد غير مكتوب يكتسب فاعليته من حيث أنه غير مكتوب ومتفق عليه. إنه اتفاق يتم دون اتفاق على حد تعبير يوسف إدريس في قصة “بيت من لحم”[36].

وإذ نقرأ سيرة الريشة نقرأ معها سيرة المعاناة الفلسطينية بكل تفاصيلها المؤلمة والمذلة والمكابرة الصامدة والصابرة: شراسة الحصار وما ينتج عنه من جوع وعطش مضنيين، والمعاناة اليومية على الحواجز. ونقرأ بؤس المشهد الثقافي في فلسطين.

سيرة محمد حلمي الريشة هي سيرة كل مبدع عربي، الفلسطيني على وجه التحديد. لقد جهد وحيداً للخروج من الشرنقة. وإذ يخرج، يلقى الحساد والطفيليين وصغار النفوس له بالمرصاد مشرعين سيوفهم في وجهه ليرى نفسه في معركة جانبية تأخذ من وقته وجهده وطاقته الإبداعية.

 

………………………..

 

[1] محمد حلمي ريشة، قلب العقرب سيرة شعر، ط/1، فلسطين: بيت الشعر، 2014

[2]  سيد ابراهيم آرمن، “السيرة الذاتية وملامحها في الأدب العربي المعاصر، دراسات الأدب العربي المعاصر، السنة الثالثة، عدد/11، ص 9-23 [10]

[3]  المصدر نفسه، ص 22

[4]  محمد الباردي، عندما تتكلّم الذّات، السّيرة الذّاتيّة في الأدب العربيّ الحديث، دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2005، ص 16، نقلاً عن:

يحيى إبراهيم عبد الدائم، الترجمة الذاتية في الأدب الحديث، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1975، ص 37؛ (فوزية الصفار، الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث كتاب سبعون لمخائيل نعيمة نموذجاً، تونس 1999، ص 17) 

[5] مجموعة مؤلفين،  دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام، قراءة في السير والسير الذاتية، ط/1، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2007

[6]  سوسن الأبطح، “أدب السيرة الذاتية .. عربي اباً عن جد”، الشرق الأوسط، الاربعـاء 30 ذو الحجـة 1428 هـ 9 يناير 2008 العدد 10634

http://archive.aawsat.com/details.asp?article=453207&issueno=10634#.V86IWjU8ZgG

[7]  المصدر نفسه، سوسن الأبطح

[8]  محمد الباردي، عندما تتكلّم الذّات، ص 16

[9]   صبري حافظ، “رقش الذات لا كتابتها تحولات الاستراتيجيات النصية في السيرة الذاتية”،  

Alif: Journal of Comparative Poetics, No. 22, (2002), pp. 7-33, qout, p. 19

 

[10]   المصدر نفسه، ص 19

[11]   المصدر نفسه، ص نفسها

[12]  المصدر نفسه، ص 20

استجابة لنصيحة الباحث، كانت لنا هذه القراءة من كتاب Philip Cassell, The Giddens Reader

وفيه فند انطوني غيدنز Anthony Giddens  الفوارق بين المجتمع التقليدي والحديث بالاتي: في المجتمع التقليدي : يكون السياق العام جماعي. علاقات القربى أساس الروابط الاجتماعية وصائنتها زماناً ومكاناً. المعتقد الديني يعطي للحياة معنى. التقاليد وسيلة لربط الماضي بالحاضر . في المجتمع الحديث تقوم العلاقات على نظام مجرد غير راسخ. العلاقات الشخصية والصداقات والعلاقات الجنسية الحميمة أساس الروابط الاجتماعية  وتقوم نظم مجردة لتثبيت العلاقات دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة الزمان والمكان . التفكير الحدبث مستقبلي لا يربط الماضي بالحاضر

في المجتمع التقليدي منشأ الاخطار هو الطبيعة: انتشار الامراض، فيضانات وما شابه. تهديد العنف، سببه جيوش غازية، أمراء حروب، لصوص، لعنة إلهية، عمل سحري .. في المجتمع الحديث الخطر يأتي من تصنيع الحروب. الخطر الشخصي، كإحساس الانسان بالعدمية سببه انعكاسية الحضارة 

http://ereserve.library.sydney.edu.au.ezproxy1.library.usyd.edu.au/law/GiddensGiddenspp295_303.pdf

[13] المصدر نفسه، اعتمادا على: أحمد فارس الشدياق، الساق على الساق في ما هو الفارياق، أو أيام وشهور وأعلام في عجم العرب والأعجام، بيروت: دار مكتبة الحياة، بدون تاريخ 

 

 

[14]  المصدر نفسه، ص 23

[15] المصدر نفسه، ص 24 

[16]  المصدر نفسه، ص 23-25

[17]  محمود  درويش، ذاكرة للنسيان، ط/8، بيروت: رياض الريّس، 2007

   مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ط/3، بيروت والدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2008 [1997]

  هشام شرابي، صور الماضي: سيرة ذاتية، ط/1، بيروت: دار نلسن، 1998   

[18] لم ترصد أبحاثي الحثيثة إلا عملين تناولا الأسلوب في السيرة الذاتية: 1- البناء الفني للسيرة الذاتية السعودية رسالة ماجستير ل منصور عبد العزيز المهوس، جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية 1422 هـ ، و2- ادبية السيرة الذاتية في العصر الحديث، رسالة دكتوراه لناصر بركة، جامعة الحاج لخضر- باتنة، الجزائر، 2013   وقد انشغلت كل منهما بآليات النصوص وقل أن تعرضتا لشعرية النص. 

[19] صبري حافظ، “رقش الذات لا كتابتها..”،

 Adopted from: Philippe Lejeune, Le Pacte Autobiographique, Paris:Seuil, 1975, p. 53  

[20] غازي عبد الرحمن القصيبي، سيرة شعرية، ط/3، جدة: 1424هجرية،

James Joyce, A Portrait of the Artist as a Young Man, ebook: Harper Collins, https://play.google.com/books/reader?printsec=frontcover&output=reader&id=jk7oVBlqOk0C&pg=GBS.PT197

 

[21]   للمزيد ينظر في: خيرية قاسمية، “ المذكرات والسير الذاتية الفلسطينية”، الموسوعة الفلسطينية،  قسم/2، الدراسات الخاصة، مج/3، ط/1، بيروت،  .1990، ص 749- 902؛ ندى محمود مصطفى الشيب فن السيرة الذاتية في الأدب الفلسطيني بين 1992 2002 ، رسالة ماجستير،  جامعة النجاح،  نابلس، فلسطين، 2006

[22]  محمد حلمي الريشة، قلب العقرب سيرة شعر، ص 54

[23]  اعترافات القديس اوغسطين، سيرة ذاتية كتبت ما بين عامي 397 و398 م. طبعت أصلاً في 13 مجلد وهي هنا في طبعة حديثة في مجلد واحد. وهي تحكي حياة شباب أوغسطين الخاطئة واعتناقه المسيحية. ويعتبر كثير من الدارسين هذا الكتاب أول كتاب في السيرة الذاتية الغربية.     

Saint Augustine of Hippo, The Confessions of Saint Augustine, Filiquarian Publishing, LLC., 2008

https://books.google.com.au/books?id=jFivRx86pBwC&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

[24]  ينظر في:

Jean-Jacques Rousseau, The Confessions of J. J. Rousseau Complete, A public Domain Book, Kindle Edition, Amazon Australia Services, Inc

[25]  محمد حلمي الريشة، قلب العقرب سيرة شعر، ص 34

[26]  المصدر نفسه، ص 93، 173

[27] اتهمّت رضوى عاشور كنفاني بالتضحية بالموضوع لصالح القيمة الفنية، وغمز بلال حسن إلى سعي غسان بالتشبه بالمشاهير من خلال اتباع أسلوب فوكنر (تيار الوعي). وقارن فضل النقيب بين رجال في الشمس وما تبقى لكم فقال ان الأولى جعلته يحس العالم من حوله بشكل افضل بينما جعلته الثانية يحس انه يبتعد عن الوطن. للمزيد، ينظر في: (نجمة خليل حبيب، رؤى النفي والعودة في الرواية الفلسطينية، ط/1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2014، ص 78-80)      

[28] سعيد بوخليط، “الظاهرتية الباشلارية أو حيوات الصورة الشعرية”، مدونة غاستون باشلار، الثلاثاء، 8 يوليو، 2014،

http://gastonbachelard1.blogspot.com.au/2014/07/blog-post_7464.htmlنقلاً عن:

ينظر في

François Pire, De l’imagination poétique، dans l’œuvre de Gaston Bachelard، librairie josé corti، 1967، Page 173

 

 

[30]  هو نجم عملاق أحمر. يبلغ سطوعه 10,000 ضعف الشمس. وهو تحريف لـ“anti mars”  وقد سمي كذلك بسبب لونه الأحمر الشديد اللمعان. (من ويكيبيديا وموثق بمصادر محكَّمة)

https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

[31] لا تعنينا التفسيرات اللاهوتية المتضاربة حول الألوهية والتجسد ونفي الأزلية أو إثباتها وما شابه. يعنينا فقط ما فيها من إحالة إلى سفر التكوين التوراتي الذي يقول بأن االله خلق العالم بكلمة عندما قال كن، فكان  

[32]  سليمان بن  محمد الربيعة، ورقة عمل بعنوان مفهوم المنهج الإشراقي، المملكة العربية السعودية: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامي، العام الجامعي 1433/ 1434هـ ، ص 2  

[33] ينظر في:

Anni Kanafani, Ghassan Kanafani, 2nd ed, Beirut, Palestine Research Centre, 1973, no page  

[34]  ركز المخرج في فيلمه هذا على وجوه نساء ورجال واطفال سحقتهم الحرب كانوا يحدقون بالكاميرا ولا ينبسون ببنت شفة. وعندما سئل عن معنى هذا الصمت قال: كانت ساراييفو شبه مشاع لكل ذئاب الأرض، كانت بلاداً حافلة بالوعود المنكوثة والاشفاق الزائف. ولكثرة ما تحدث الناس عن مأساتهم دون ان يفعلوا إزاءها شيئا، فقدوا شهوة الكلام. لقد قرروا ان يصمتوا تعبيراً عن اعتزازهم بكرامتهم. كان الصمت هو الوسيلة الوحيدة للوصول الى هؤلاء البائسين . . . كانت النظرة المحدقة نافذة كأقسى ما تكون الرصاصة   

[35] ينظر في،

Sabry Hafez, (2002), pp. 7-8 adopted from: Philippe Lejeune, Le pacte autobiographique, (Paris:Seuil, 1975)

[36]   المصدر نفسه، الصفحة نفسها

 

شارك مع أصدقائك