عشرون عاماً على الاحتلال
منظمة حرية المرأة في العراق
والسلطة الذكورية تحارب الحركة النسوية
وتسمح بلقتل اليومي والإتّجار بالنساء
في مثل هذا الشهر وقبل عقدين من الزمن تعرّض المجتمع العراقي الى هجمة عسكرية من قبل جيوش وترسانة عسكرية قطعت البحار والمحيطات لكي تفرض أوضاع احتلال عسكري وتغيير نظام سياسي بما يرونه مناسبا لمصالحهم السياسية والاقتصادية. وتفوّه حكامهم ببعض الأقاويل حول نشر الديمقراطية وتحرير المجتمع والنساء في وقتها. ولم يتأخروا في قلع النظام الدكتاتوري المتآكل آنذاك، وبدأوا بمرحلة بناء لنظام سياسي يقوم على أساس تقسيم المجتمع على أساس قومي وديني وطائفي، وقاموا بتنصيب رؤوس حاكمة وسمحوا لها ان تعبث بموارد المجتمع وان تخلق لنفسها قواعدها الاقتصادية وجيوشها الخاصة، والتي بإمكانها ان تقلب أوضاع المجتمع متى ما ناسبها. اما القاعدة الاجتماعية التي تم اعتمادها فهي بنى ومؤسسات ما قبل بناء الدولة أي المؤسسة الدينية والعشائرية، مما يمنع حصول أي تطوّر للمجتمع ويضمن شلل النصف الأنثى منه تحت طائلة الأحكام الذكورية للدين والعشيرة.
عاشت المرأة في العراق عقدين من انعدام الأمان، ومن الفقر والتهميش، راضخة لبنى اجتماعية ذكورية تنظر لها كأداة للإنجاب والمتعة وعبودية العمل المنزلي. وبعد ان كانت النساء في العراق قادرة على التعليم والعمل في الفترات السابقة، لم تعُد هذه الحقوق متاحة لها بعد الاحتلال، بل وعاش جيل من الاناث في ظل الخوف من بطش المليشيات والجوع وانعدام الأمان مما جعل المرأة تفقد معظم مكتسباتها من حقوق خلال القرن الماضي. وأصبحت هوية وعنوان هذه الحقبة الاجتماعية: الحجاب الإسلامي الطابع، وتعدّد الزوجات، والتحكّم بمصائر الاناث واجسادهن بما لا يمكن تعريفه الا بكونه استغلالاً او اتّجاراً.
وجذبت موارد المجتمع القوى الإقليمية التي وجدت حلاً لأزماتها الاقتصادية والسياسية من خلال استغلال موارد وأسواق العراق؛ مما فرض احتلالاً ثانيا أيضا من قبل الجمهورية الإسلامية في ايران، وترك الجماهير تعاني ما بين احتلالين متخاصمين أحيانا ويتصالحون أحيانا أخرى عندما تقتضي مصلحتهم التعاون مثلما حصل بعد الانتفاضة المليونية في تشرين 2019. وظلت تتحكم بالمجتمع عشرات الميليشيات المسلحة وتفرض احكامها الذكورية التي تحرسها القوانين والمؤسسة القضائية.
نشأت منظمات نسوية كثيرة خلال هذه الفترة التأريخية، إلا انها في معظمها لم تقدر على مواجهة الهجمة الذكورية الشرسة، واكتفت بانتقاد القوانين المعادية للمرأة والمطالبة بتغييرها، ولم يتحقق اصلاح أي من هذه القوانين في ظل الحكومات الإسلامية المتعاقبة التي تجد ان واجبها الأول هو قمع المرأة ومنع تواصلها مع حركة نسوية وتحررية عالمية. ويتميز المجتمع العراقي بتاريخ قديم من المدنية العالية بسبب نشاط تيارات اليسار داخله، ولعل اهم المؤشرات لذلك هو الاحتفال العام على صعيد البلاد عابراً للحدود المُختلَقة على أساس قومي وديني وطائفي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة والذي منشأه من الحركة الاشتراكية الأممية، تحت راية تحقيق الحرية والمساواة للمرأة مع الرجل.
وبالرغم من ان الأزمات الاقتصادية وانتشار الجائحة والمد الديني قد فرض بعض التراجع على عموم الحركة النسوية، مما دفعها الى التحوّل من حالة التحدي والمداعاة بالمساواة التامة الى التراجع لمواقع دفاعية عن نفسها بالضد من العنف المسلّط محليّا وعالميا عليها، تمسكّت طليعة الحركة النسوية بشعارها وهدفها النهائي لتحرّرها الاجتماعي وحصولها على المساواة التامة للمرأة مع الرجل. ومع ذلك، فان الصورة القاتمة للقتل اليومي للنساء يفرض ان تكون الخطوة الأولى في المعركة مع المؤسسة الذكورية هي المطالبة والقتال من اجل الحصول على حق المرأة في الحياة حسب القوانين، اذ ان قانون العقوبات العراقي لا يزال يسمح بقتل المرأة لما يسمونه بـ”دواعي الشرف” حسب المواد 409 و128.
تفتخر منظمة حرية المرأة لكونها جزءا من طليعة الحركة النسوية في العراق ممن يتحدّون ذكورية السلطة بإيواء النساء المتمردات على العنف البطريركي، كما يتحدّون الأعراف العشائرية الوحشية التي تستعبد المرأة في ممارسات مشينة كالفصلية والنهوة وما شابه. ويظل نضالنا مستمرأ تحت راية الثامن من مارس، بمثابة جزء من الحركة اليسارية والاشتراكية الثورية بين من لديهم القناعة بمساواة المرأة بالرجل ولا يفصلون النضال السياسي عن أرضيته الاجتماعية.
عاش الثامن من مارس رمز نضالاتنا النسوية لتحقيق الحرية والمساواة التامة للمرأة وللمجتمع بأكمله.